تصعيد بحري استراتيجي يعيد رسم موازين القوى في مواجهة «الاحتلال الإسرائيلي»
- عثمان الحكيمي الثلاثاء , 29 يـولـيـو , 2025 الساعة 12:20:52 AM
- 0 تعليقات
عثمان الحكيمي / لا ميديا -
في زمن الحروب المصيرية والمواجهات الكبرى، وعالم تتداخل فيه القوة مع التوقيت، لا تُقاس القدرة القتالية بمجرد الأسلحة، بل بمعرفة اللحظة الحاسمة التي تُشهر فيها إرادة الأمة كسيف لا يُقهَر. كل مرحلة من مراحل التصعيد اليمني تُترجم بعناية فائقة إلى معادلة استراتيجية متقنة، حيث تتقاطع فيها الجغرافيا مع السياسة، وتتحول البحار والمحيطات إلى جبهات مفتوحة. هناك حيث تختلط أدوات الضغط الاقتصادي بأساليب الردع العسكري لتشكّل طوقًا غير مسبوق يُكسر عليه ظهر العدو وداعميه.
اليمن، التي عُرفت بإرادتها الصلبة التي لا تلين وعقلها العسكري الذي يخطّط بدقة بالغة، تختار توقيتًا استراتيجيًا محكمًا يُجبر الاحتلال الصهيوني على مواجهة حصار لم تعرف له موانئه وممراته مثيلًا من قبل. في هذه المعادلة الصلبة، تُثبت المرحلة الرابعة من التصعيد اليمني أن القوة الحقيقية في الميدان تُقاس بالإرادة التي تتحكم في الزمان والمكان، وبالتوقيت الحاسم الذي يحول كل ممر بحري إلى مسرح محكم للحصار، فارضًا واقعًا تكتيكيًا واستراتيجيًا يعيد تشكيل موازين القوى ويعقّد حسابات الاحتلال وحلفائه. في ظل استمرار العدوان «الإسرائيلي» الوحشي على قطاع غزة، وسط معاناة إنسانية هائلة وحصار خانق يطوق سكان القطاع، أعلنت اليمن، عبر قواتها المسلحة، انطلاق المرحلة الرابعة من التصعيد البحري ضد الاحتلال «الإسرائيلي». هذا التصعيد لا يمثل مجرد استمرار للعمليات السابقة، بل قفزة نوعية ومفتاحًا لتحوّل استراتيجي عميق في حجم ومستوى المواجهة البحرية.
اتساع نطاق العمليات ليشمل البحر الأبيض المتوسط إلى جانب البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، يفرض حصارًا بحريًا شبه كامل على الكيان الصهيوني من جميع المحاور الاستراتيجية، ما يشكل ضغطًا عسكريًا واقتصاديًا غير مسبوق عليه. هذا الحصار المتقدم يعكس تطور القدرات العسكرية اليمنية التي تجاوزت توجيه الضربات السابقة لتشمل استهداف السفن التابعة للشركات العالمية المتعاملة مع الموانئ «الإسرائيلية» بكل حزم وتجرد، ملوحة باستهدافها حيثما وجدت.
الخطوة ليست مجرد تحطيم خطوط الإمداد والتموين للاحتلال، لكنها تحمل في طياتها أيضًا دلالات أخلاقية وإنسانية رافضة للظلم الواقع على الفلسطينيين في غزة، مؤكدة إصرار اليمن على مواصلة الدعم والمناصرة حتى رفع الحصار ووقف العدوان.
إن هذه المرحلة الجديدة من الحصار البحري تفتح آفاقًا لتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة، وبذلك تُرسى معايير أمنية مغايرة، تتداخل فيها الجغرافيا مع الأمن البحري والاقتصاد السياسي، لينشأ واقع جديد يفرض نفسه على دوائر القرار الإقليمي والدولي دون استثناء.
أبعاد المرحلة الرابعة وتطور القدرات اليمنية
تمثلُ المرحلة الرابعة من التصعيد البحري الذي أعلنته القوات المسلحة اليمنية تطورًا استراتيجيًا ملموسًا في الصراع مع الاحتلال «الإسرائيلي»، فهي تحوّلٌ جوهري في حجم ونطاق وتأثير المواجهة. هذا التوسع يفرض حصارًا بحريًا شبه كامل على موانئ الكيان الحيوية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لشريان التجارة والاقتصاد «الإسرائيلي» الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الممرات البحرية. ومن خلال هذه المرحلة، سيتبقى لدى كيان الاحتلال الصهيوني المدد عن طريق الجو، والذي من الممكن أن تتطور المرحلة الرابعة لتفرض أيضًا حصارًا على المطارات الصهيونية.
الخطوة الأهم في هذه المرحلة تتمثل في إعلان موقف قاطع يستهدف كل السفن التابعة لأي شركات تجارية تتعامل مع الموانئ «الإسرائيلية»، دون استثناء جنسيات أو توجيهات، لتصبح هذه السفن أهدافًا مشروعة في أي مكان تجوب فيه المسيرات والصواريخ اليمنية. هذا الإعلان يحمل رسالة ذات بعدين: بعد عسكري يؤكد القدرة على توسيع نطاق الاستهداف وصولًا إلى عمق البحر الأبيض المتوسط، وبعد سياسي يوجه تحذيرًا حادًا حول استمرار الدعم الدولي لهذا الكيان المحتل وسط المجازر المستمرة في غزة.
لا يقتصر التصعيد على العمليات البحرية فحسب، بل يأتي مدعومًا بترسانة متقدمة من الصواريخ الباليستية، والصواريخ فرط الصوتية، والطائرات المسيرة التي يمتلكها اليمن، والتي تسمح لهذه القدرات بالوصول إلى أهداف استراتيجية بعيدة، مما يمنحها قدرة غير مسبوقة على توجيه ضربة موجعة اختراقية وفرض قواعد اشتباك جديدة. هذه القدرات تتيح فرض رقابة شبه متكاملة على حركة الملاحة البحرية في مناطق حساسة وعالية الأهمية جيوسياسيًا واقتصاديًا.
إلى جانب البعد العسكري، تشير المرحلة الرابعة إلى تعميق منطق الدعم الأخلاقي والإنساني للقضية الفلسطينية، حيث يربط اليمن بين استمرار العدوان «الإسرائيلي» وما يحمله من كوارث بشرية، وبين مسؤولية التحرك والتصعيد الذي يعبر عن التضامن الشعبي والوطني. وهكذا، تصبح المرحلة الرابعة بقعة التقاء التكتيك العسكري مع البعد السياسي والإنساني، مؤسِسةً لمرحلة جديدة من المواجهة الشاملة التي تُعيد رسم موازين القوى في المنطقة، وتعيد الحصار على الاحتلال كأداة ضغط لا يمكن تجاوزه.
بداية هزة اقتصادية قوية تلوح في أفق الاقتصاد «الإسرائيلي»
تلوح في أفق الاقتصاد «الإسرائيلي» خلال الأيام القادمة بداية هزة اقتصادية قوية، متوقّع أن تتكشف آثارها بوضوح في أروقة الأسواق العالمية والشركات الكبرى التي تتعامل مع الموانئ «الإسرائيلية»، حيث بدأت هذه الجهات تُعيد حساباتها بسرعة خشية تعرُّض سفنها للاستهداف، ما أحدث واقعًا جديدًا يُحدث هزة مدوية في اقتصاد يعتمد بصورة أساسية على حركة التجارة والاستيراد عبر الموانئ البحرية. وفي ظل هذه التطورات، تجد شركات الملاحة نفسها أمام واقع مقلق يدفعها إلى إعادة النظر في علاقاتها التجارية، وسط توقعات بأن تمتد تبعات هذا التصعيد لتشمل سلاسل الإمداد والأسواق المرتبطة بشكل مباشر بالاقتصاد «الإسرائيلي»، ما يعكس تأثيرًا عميقًا يوازي حجم التصعيد العسكري ويصعب تجاوزه.
في هذا السياق الراهن، يتضح أن البحر لم يعد مجرد مسار تجاري عابر، بل تحوّل إلى جبهة مواجهة استراتيجية تعتمد اليمن فيها على قدراتها العسكرية والتكتيكية الفريدة التي تُحدث أثرًا متصاعدًا على الاقتصاد والسياسة معًا، فتُعيد ترتيب موازين القوة الإقليمية مقابل الاحتلال. وبالإضافة إلى ذلك، يُنتظر أن يستمر هذا التصعيد في زيادة الضغوط الاقتصادية على الكيان «الإسرائيلي» من خلال تعطيل تدفقات السلع الحيوية وارتفاع أسعار المواد الأساسية جراء الاضطرابات في سلاسل التوريد، ما يُفاقم الأزمة الاقتصادية الداخلية للكيان ويُمثل عبئًا مضاعفًا على الاقتصاد في ظل التحديات الأمنية والسياسية المتزامنة. كما تشهد المرحلة الحالية تراجعًا في الاستثمارات الأجنبية بسبب حالة عدم اليقين التي تثيرها الاضطرابات البحرية والتصعيد الأمني، وتدهورًا في ثقة الأسواق المالية والإقليمية تحت وطأة الهزات الأمنية والاقتصادية، إلى جانب انخفاض القدرة التصديرية الناجم عن التعطيل المباشر والتهديد المستمر للممرات البحرية. وهكذا، تُجبر المرحلة الرابعة الصراع على استقبال حسابات أمنية واقتصادية جديدة لا مفر منها، ليس فقط على صعيد الاحتلال، بل وعلى كل الفاعلين والدول الداعمة في المنطقة، مما يؤسس لمرحلة جديدة معقدة من المواجهة الاستراتيجية متعددة الأبعاد.
هل ستتورط أمريكا مجددًا إلى جانب «إسرائيل»؟
مع إعلان القوات المسلحة اليمنية بدء المرحلة الرابعة من التصعيد البحري ضد الكيان الصهيوني، يطرح تساؤل مهم حول الموقف الأمريكي والغربي من هذا التطور. هل ستختار الولايات المتحدة التورط مجددًا في مواجهة اليمن، بدعمها العسكري والسياسي لـ»إسرائيل» على أراضي اليمن؟ أم أن الدرس المرير الذي تعلمته خلال أكثر من أربعين يومًا من المواجهة المباشرة مع القوات المسلحة اليمنية، والتي انتهت بإجبار أمريكا على إعلان وقف إطلاق النار، سيدفعها إلى إعادة حساباتها؟
اليمن، الذي واجه هجمات أمريكية مباشرة، يظهر اليوم قوة ردع متجددة وعزمًا على مواصلة الدفاع عن حقوقه ودعم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. أي تدخل أمريكي عسكري جديد أو دعم مباشر للكيان الصهيوني في اليمن لن يكون مجرد مساهمة في عدوان، بل إعلان مواجهة شاملة مع قوة لا يمكن تجاهلها، بمقدورها ضرب المصالح الأمريكية.
على القوى الغربية أن تدرك أنه لا سبيل إلى إحلال السلام والأمن في المنطقة دون الضغط الفعلي والجاد على الكيان اللقيط لإنهاء عدوانه الوحشي على غزة ووقف المجازر التي ترتكب يوميًا ضد شعب مظلوم. استمرار الدعم الغربي والأمريكي له يعني استمرار دائرة العنف، وسياسة الكيل بمكيالين التي تلقي بظلالها على مستقبل المصالح الأمريكية في «الشرق الأوسط».
الأمر ليس خيارًا بل واجب أخلاقي وإنساني على المجتمع الدولي لإيقاف هذا النزيف، وإجبار الكيان على احترام حقوق الفلسطينيين وحقهم في الحياة والكرامة. اليمن اليوم هو صوت الحق الذي يؤكد أن المسار الحقيقي الوحيد لوقف إستهداف الكيان يأتي بقطع يد العدوان، وحماية الشعب الفلسطيني من حمام الدم المستمر.. هل يعقل أن يظل العالم صامتًا أمام هذه المجازر؟
المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي