خريطة الهيمنة الصهيونية تتكشف.. دلالات محاولة اغتيال وفد حماس
- عثمان الحكيمي الأحد , 14 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 12:34:13 AM
- 0 تعليقات
عثمان الحكيمي / لا ميديا -
في لحظة مفصلية، إذ تتشابك خطوط النار وتتضح خرائط الصراع والهيمنة، يسقط القناع الأخير عن استراتيجية الكيان الصهيوني، لتتجلى حقيقة واحدة، لا غبار عليها: الهيمنة المطلقة هي الغاية، وما السلام سوى سراب يُستدرج به الخصوم إلى فخ الخضوع.
إن كل الشواهد الميدانية تؤكد أننا أمام متغير استراتيجي خطير، تشير كل وقائع الميدان إلى تحول استراتيجي عميق؛ فلم تعد اعتداءات العدو مجرد ردود فعل عابرة كما صورتها آلة الدعاية، بل أصبحت فصولاً في مسرحية دموية ممنهجة، غايتها فرض نظام إقليمي جديد بقوة النار.
تتوالى المشاهد من لبنان، حيث محاولات تفجيره داخلياً بنزع سلاح مقاومته، إلى سورية التي تُستباح سماؤها وأسقطت دولتها ليعاد رسم خرائط النفوذ على أنقاض عروبتها، مروراً بالحرب التدميرية على غزة، والعدوان الأمريكي - الصهيوني على إيران، واستهداف اليمن، وصولاً إلى ضرب سفن في ميناء تونسي... كلها تؤسس لمرحلة لا عودة فيها.
تأتي الضربة الأخيرة في قلب الدوحة، في محاولة لاغتيال الوفد المفاوض لحركة حماس، بمثابة الطلقة الأخيرة التي يحاول الكيان الصهيوني من خلالها نسف طاولة المفاوضات بالكامل، وأرسل رسالة واضحة بأن هذا الكيان لا يفهم إلا لغة النار، وأن طاولة المفاوضات ليست في نظره إلا ساحة أخرى للحرب.
أمام هذا المشهد، يبرز السؤال: هل ما زالت الأنظمة التي سارعت إلى التطبيع، وتلك التي تنتظر في طابور الاستسلام، مصابة بعمى الإرادة إلى هذا الحد؟! أم أنها تنتظر بصمت حتى تُنادى بأسمائها في قائمة الأهداف القادمة، لتدرك حينها فقط أن الوحش الذي أطلقوا يده لا يقيم وزناً لأصدقائه مهما قدموا من قرابين؟!
نقطة اللاعودة
في لحظة فارقة، حيث كانت الدوحة تمثل آخر خيوط الأمل الدبلوماسي، جاءت الضربة الصهيونية لترسم متغيراً استراتيجياً جديداً على خريطة الصراع. لم يكن استهداف الوفد المفاوض لحماس في قلب العاصمة القطرية مجرد محاولة عملية اغتيال تكتيكية، وإن كان الكيان يتوق للتخلص من هؤلاء القادة، بل كانت خطة متعمدة، هدفها نسف طاولة المفاوضات وإعلان موت المسار الدبلوماسي. إنها رسالة دموية واضحة بأن العدو لا يفهم إلا لغة القوة، وأن كل ما سبق من حديث عن التهدئة لم يكن سوى قناع يخفي خلفه وجهاً واحداً لمخطط الهيمنة الأوحد: ابتلاع غزة بالكامل، وترسيخ معادلات القوة التي لا تقبل شريكاً.
وهنا يبرز السؤال الحتمي: إلى متى سيظل العالم العربي والإسلامي في حالة الغيبوبة هذه؟! وهل ما زالت الأنظمة المطبّعة عاجزة عن قراءة المشهد وفك شيفرة الرسالة بأن الدور قادم عليها لا محالة؟!
ومن بين أنقاض ركام الغارات الصهيونية، يطرح السؤال: إلى متى سيبقى العالم العربي والإسلامي غارقاً في سباته العميق؟! وهل فشلت الأنظمة المُطبِّعة، وهي تسارع نحو سراب الأمان، في فك شيفرة الرسالة الأوضح على الإطلاق؛ أن الدور قادم على الجميع، وأن الوحش الذي أطعموه اليوم، سيأتي ليلتهمهم غداً؟!
وهم المفاوضات.. "المقترحات" فخّ استراتيجي
إن ما لم يدركه الكثيرون، أو ربما أدركوه وتجاهلوه، هو هذا النمط الاستراتيجي الخبيث الذي يمارسه العدو بدم بارد. فما إن يلوح في الأفق حديث عن "مقترح أمريكي" لوقف إطلاق النار، أو تبدأ تسريبات عن "مرونة إسرائيلية" في المفاوضات، تتبعها مباشرة عملية عسكرية نوعية تنسف كل شيء.
هذا السيناريو ليس صدفة، بل هو "خداع استراتيجي" مدروس بعناية. تُستخدم هذه المقترحات كـ"طُعم" لتخدير اليقظة، وجمع المعلومات، وتهيئة مسرح العمليات لضربة قاصمة. إنها حلقة مفرغة من التضليل، حيث تُستخدم ورقة الدبلوماسية كغطاء لتمرير الأهداف العسكرية، ما يؤكد أن كل حديث عن السلام من الجانبين الأمريكي و"الإسرائيلي" هو مجرد تمهيد لعدوان قادم.
تُصنع الأزمات للهروب من السقوط
بعد الضربة في الدوحة، لم يعد السؤال: ماذا أراد نتنياهو أن يفعل؟ بل: كيف يفكر حين يُحاصَر؟ في الحقيقة، إن قراءة ما بعد الضربة في الدوحة تتطلب تفكيك عقلية نتنياهو، التي تحكمها غريزة البقاء السياسي المحض.
إن تبرير هذه العملية بأنها "فرصة عملياتية" لا يعدو كونه محاولة ساذجة لتغطية الحقيقة، فالجميع يعلم أن "إسرائيل" أثبتت قدرتها على تنفيذ اغتيالات أكثر تعقيداً في السابق. الرسالة الحقيقية التي يجب أن تُقرأ هنا هي أن توقيت الهجوم لم يكن عملياتياً على الإطلاق، بل كان سياسياً بامتياز، خطط له نتنياهو لخدمة أجندته الشخصية في لحظة حرجة. لقد كان متخوفاً من قبول حماس بالمقترح الأمريكي، وهو ما كان سيضعه في زاوية حرجة، فقرر نسف الطاولة بضربة استباقية تقتل المفاوضات قبل أن تولد. وبهذا، نجح تكتيكياً في تخريب مسار المفاوضات، لكن ربما ستكون ارتداداتها كارثية عليه.
البُعد الداخلي الصهيوني
في سعيه لاغتيال قادة المقاومة، يبدو أن رئيس الوزراء الصهيوني قد اغتال شيئاً أثمن في عيون شعبه، وهو أمل عائلات الأسرى. فبينما كانت القنوات العبرية تبث قصص انتظارهم، جاءت الضربة لتطلق رصاصة ليس فقط على وفد حماس، بل على آخر فرصة لعودة أبنائهم. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن: هل فتح على نفسه، بهذه الخطوة، أبواب جحيم داخلي لن يرحم؟! قد تكون الصدمة هي سيدة الموقف الآن؛ ولكن ما إن ينقشع غبارها، حتى تبدأ الأسئلة في الاشتعال داخل «المجتمع الإسرائيلي»: لماذا الآن؟ ولماذا إحراق الجسر الوحيد الذي كان قد يعيد الأسرى؟
هنا يكمن جوهر الارتداد العكسي؛ فهل ستؤدي هذه المقامرة الدموية إلى تقويض الموقف؟ وهل كان تدمير خيار المفاوضات مجرد تمهيد متعمد للطريق الوحيد الذي يضمن بقاءه السياسي: الحرب؟ يبدو جلياً أنه لا يجد طوق النجاة إلا في استمرار آلة القتل، فهي وحدها القادرة على حشد اليمين المتطرف خلفه، وتوفير مخرج له من ضغط الشارع الذي بدأ يغلي بعد الضربات الموجعة في القدس وجباليا. لقد اختار الحرب ليس كخيار استراتيجي، بل كضرورة بقاء شخصية.
الحليف الأمريكي.. دور مراوغ ومتواطئ
واشنطن هي شريك الظل وشاهد زور؛ فعلى خشبة هذا المسرح، لا يقف الحليف الأمريكي متفرجاً، بل يؤدي دوراً محورياً، وإن كان خلف الكواليس؛ دور الشريك المراوغ والمتواطئ حتى النخاع. إن الرواية الرسمية التي تدّعي أن الإدارة الأمريكية لم تُبلَّغ إلا «أثناء» وقوع الهجوم، ليست سوى فصل رديء من مسرحية النفاق الدبلوماسي، ومحاولة بائسة لتبرئة ساحة البيت الأبيض من المسؤولية السياسية المباشرة. فكل المؤشرات، وكل همسة في أروقة السياسة، تصرخ بحقيقة مختلفة: حقيقة الضوء الأخضر المسبق والتنسيق المحكم. إنها ليست مجرد غض طرف، بل هي شراكة كاملة في قرار إشعال الحريق، ثم الوقوف أمام العالم بدور رجل الإطفاء المذهول. واشنطن لم تكن شاهد زور، بل كانت مهندس الجريمة الذي يحاول الآن إخفاء بصماته.
البُعد الإقليمي.. هل يستيقظ «محور التطبيع» من سباته؟
بينما يدوي صوت الانفجار في عاصمة عربية، يتردد في الأفق سؤال: هل ستوقظ هذه الصفعة «محور التطبيع» من غفوته العميقة، أم أنهم سيغوصون أعمق في سباتهم؟! لقد جاءت هذه الضربة لتنزع آخر ورقة توت عن مواقفهم، وتكشف عوراتهم السياسية أمام شعوبهم، وتثبت بالدليل القاطع أنهم في نظر الحليف الجديد ليسوا أكثر من مجرد أدوات تُستخدم وتُرمى في استراتيجية لا مكان فيها للشركاء.
إن صمتهم المطبق اليوم عما يحدث في غزة هو ضوء أخضر صريح لمزيد من العربدة والصلف. إنه الإقرار الفعلي بأن قطار التطبيع الذي هرولوا لركوبه لم يكن متجهاً أبداً نحو واحة السلام المزعومة، بل كان مساراً سريعاً لتفكيك آخر حصون الأمن القومي العربي، وتأمين ظهر العدو حتى يتفرغ لسحق ما تبقى من مقاومة. لقد باعوا الوهم، واليوم يحصدون الخذلان.
البُعد الاستراتيجي.. مخدر البقاء قصير المدى
إن هذه السياسات التي ينتهجها نتنياهو أشبه بـ»مخدر قصير المدى»؛ فهي تمنحه جرعة بقاء سياسي مؤقتة عبر إرضاء اليمين المتطرف وتصدير الأزمات. لكنها على المدى الطويل تُعد سماً قاتلاً، وتفتح عليه جبهات لم تكن في الحسبان.
قطر و»الجزيرة».. أسودٌ في الاستوديو نعاجٌ في الميدان
هل تجرؤ قطر وقناتها «الجزيرة» أن تمارس عُشر شراستها ضد «إسرائيل» كما فعلت في سورية، يوم فُتحت غرف العمليات ومُوّلت الفوضى؟! الإجابة واضحة: لا. فشجاعتهما المزعومة لم تغادر يوماً استوديوهات الدوحة المكيفة، وميزانياتهما الضخمة صُممت فقط لإشعال حرائق الاقتتال الداخلي، لا لمواجهة العدو الحقيقي.
قطر، التي صنعت بجيش من الأكاذيب حروباً، وباركت كل تدخل أجنبي، تقف اليوم عاجزة أمام «إسرائيل»، لا تملك سوى لغة الصمت والمساومة. وأين دفاعاتها الجوية التي كلفت المليارات؟! أين الرادارات والصواريخ؟! يبدو أنها مجرد ديكورات للمعارض، مفاتيحها في يد السيد الأمريكي، لا لحماية سماء الدوحة.
السيادة لديهم، تماماً كشجاعة «الجزيرة»: سلعة إعلامية تُعرض في نشرات الأخبار، وتتبخر عند مرور أول طائرة «إسرائيلية».
في النهاية، تتكشف الحقيقة: قطر، بكل تريليوناتها وإمبراطوريتها الإعلامية ودور الوسيط الذي تتغنى به، ليست سوى فقاعة براقة تهتز عند أول اختبار حقيقي للقوة.
المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي