بين الاستقرار والتصعيد.. خطر المواجهات يلوح.. هل ينجو لبنان من لعبة المصالح الكبرى؟
- عثمان الحكيمي الأحد , 17 أغـسـطـس , 2025 الساعة 2:21:29 AM
- 0 تعليقات
عثمان الحكيمي / لا ميديا -
في لحظة دراماتيكية متوترة، وجدت الحكومة اللبنانية نفسها تفتح ملفّاً يُعتبر من أعقد القضايا: حصر السلاح، وبشكل خاص نزع سلاح حزب الله، عبر جدول زمني معلَن لأول مرة في تاريخ البلاد. هذا القرار قلب المشهد السياسي رأساً على عقب، وأشعل موجة واسعة من التوترات والانقسامات في الشارع اللبناني، حيث يُنظر إلى سلاح الحزب على أنه درع حماية في وجه العدوان الصهيوني من جهة، وعقبة أمام إقامة الدولة من جهة أخرى. وعقد رئيس الحكومة، نواف سلام، جلسة مطوّلة في مجلس الوزراء شهدت نقاشات حادة أدت إلى انسحاب وزراء الثنائي الشيعي تعبيراً عن اعتراضهم. وهنا يمكن القول بأن القرار الذي أعلنه رئيس الحكومة بدا محاطاً بمعادلات أكثر من أن تُحصى: ضغوط أمريكية مباشرة، اشتباك إقليمي محتدم، وانقسام داخلي يُدار بحذر.
تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لتسليم السلاح قبل نهاية العام، لا يمكن قراءته خارج سياق الضغط الغربي على لبنان، ولا بمعزل عن خطة الكيان الصهيوني في الجبهة الشمالية. من جهته، كان رد حزب الله، كما توقعت، قاطعاً: «لا نقاش حول سلاحنا ما لم تلتزم إسرائيل أولاً». ففي رد مباشر على قرار الحكومة، خرج الشيخ نعيم قاسم، أمين عام حزب الله، بخطاب قوي اللهجة، أكد فيه رفض الحزب أي اتفاق جديد لا يستند إلى ما تم التوافق عليه سابقاً بين الدولة اللبنانية والعدو الصهيوني. اعتبر أن ما يُطرح اليوم ليس اتفاقاً، بل «إملاءات أمريكية - صهيونية» هدفها الأساسي تفكيك قدرة المقاومة، وتجريد لبنان من عناصر القوة والردع التي يملكها. ورفض صراحة أي جدول زمني، معتبراً أن السيادة لا يمكن أن تُجزأ، ولا يُمكن أن تُنتزع بالقوة أو الضغوط.
حمل خطاب قاسم رسائل داخلية وخارجية، أوضح فيها أن نزع سلاح حزب الله في الظروف الراهنة يعني كشف لبنان أمام العدوان الصهيوني المستمر. وأكد أن موضوع سلاح المقاومة لا بد أن يناقش ضمن بيئة تضمن حقوق لبنان، ووقف الانتهاكات الصهيونية، وانسحاب الاحتلال من كل الأراضي اللبنانية المتبقية. كانت الرسالة واضحة: المقاومة لن تُجرد من سلاحها ما لم تتغير المعادلات. هذه المعادلة ستصطدم حتماً بواقع لبناني هش، إذ تحاول الدولة بسط سيادتها دون أن تملك فعلاً القدرة على فرض التنفيذ. ما حدث ليس مجرد قرار؛ إنه بداية عدٍّ تنازلي؛ لكنه قد يتحوّل إلى مواجهة، إذا لم يُضبط التوازن بين السيادة والمقاومة، بين الداخل والخارج، وبين القرار والواقع.
الورقة الأمريكية: محاولة فجّة لتفكيك السيادة اللبنانية وإعادة تشكيل النفوذ الإقليمي
الورقة التي قدّمها المبعوث الأمريكي، توم براك، بشأن نزع سلاح حزب الله، لا يمكن النظر إليها كمبادرة دبلوماسية محايدة، بل تُعد نموذجاً صارخاً لمحاولة فرض توازنات إقليمية جديدة عبر ضغوط سياسية ممنهجة تتجاهل بشكل فادح تعقيدات الواقع اللبناني وسيادته الوطنية. إنها مسودة إملاء سياسي تسعى لإعادة هندسة المشهد اللبناني بما يتوافق مع مصالح الكيان الصهيوني ويخدم الرؤية الأمريكية للأمن الإقليمي المزعوم، على حساب حق لبنان في تقرير مصيره وحماية أرضه وشعبه في ظل وجود كيان صهيوني لقيط لا يعرف إلا لغة القوة.
تختزل هذه الورقة المعقّدة والمتشابكة قضية المقاومة اللبنانية في بند أمني منفصل عن السياق التاريخي والسياسي، متجاهلة أن الاحتلال الصهيوني ما يزال قائماً في الجنوب، وأن الانتهاكات الجوية والبرية مستمرة. إنها تتعامل مع نزع سلاح المقاومة كمقدمة لأي دعم دولي أو إعادة إعمار، بينما تكتفي بتقديم وعود غير مضمونة في مواجهة سجل طويل من التخاذل الدولي تجاه حقوق لبنان. هذه المعادلة، التي تربط السيادة بالدولار، ليست سوى ابتزاز سياسي مقنّع. الأسئلة المحورية التي تُطرح هنا ليست وجودية: كيف يُطلب من لبنان التخلي عن عنصر أساسي من عناصر ردعه الوطني بينما العدو لا يزال يحتل أرضه ويقصف سماءه؟! كيف يُروّج لتسوية سياسية تحت مظلة أمريكية بينما الطرف الآخر (أي الكيان الصهيوني) لم يلتزم يوماً بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، ولا يزال يتعامل مع لبنان كمساحة مباحة لانتهاكاته العسكرية؟! بل أكثر من ذلك، كيف يُفترض بالمبعوث أن يكون نزيهاً وهو يُلوّح بأن «فرصة خريطة الطريق لن تتكرر»، في لهجة تعالٍ؟!
إن هذه الورقة لا تعكس أي نية صادقة لإرساء السلام أو دعم الدولة اللبنانية، بل تسعى إلى تحويل الدولة إلى أداة طيّعة ضمن معادلة إقليمية مفروضة، حيث تصبح السيادة مجرد ديكور قانوني بلا مضمون فعلي. فهل يمكن اعتبار أي خطة تُرسم خارج الحدود وتُفرض بقوة النفوذ والدولار مشروعاً لبناء الاستقرار؟! الورقة المطروحة تمثل في جوهرها إعلاناً غير مباشر بإعادة هيكلة لبنان سياسياً وأمنياً، وفق مصالح أطراف دولية وإقليمية لا تمتّ بصلة إلى مصلحة اللبنانيين الفعلية. إنها خطوة لا تقود إلى استقرار، بل إلى انفجار سياسي مؤجّل، يهدد بتفكيك المؤسسات، وتكريس انقسام داخلي حاد. يبقى السؤال الجوهري، الذي لا بدّ أن يُطرح على كل مسؤول لبناني: هل السيادة مشروع تفاوض، أم مبدأ لا يُمسّ؟ وهل يقبل لبنان أن يكون طرفاً متلقياً للإملاء، أم أنه لا يزال يمتلك القدرة على تثبيت خياراته وفق إرادته الوطنية الحرة؟
المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي