المولد النبوي جنوباً
 

عبدالرحمن العابد

عبدالرحمن العابد / لا ميديا -
كانت محافظات عدن وأبين ولحج والضالع من أكثر المحافظات الجنوبية إحياءً لذكرى المولد النبوي الشريف في الماضي، لكن ما قام به الحزب الاشتراكي بعد الاستقلال عام 67م، من قتل وسحل لعلماء الدين وتدمير للمساجد، أدى إلى اختفاء مظاهر الاهتمام بإحياء ذكرى المولد النبوي، بسبب تغلغل الفكر الماركسي في نفوس بعض القيادات، والاقتناع بمقولة ماركس "لا إله، والكون مادة" التي أدت إلى تدمير مساجد وهدم قباب، وقتل علماء ورجال دين بصورة بشعة، باعتباره انتقالاً إلى عصر التقدم.
كان ذلك شبيهاً بما حصل بحق بعض العلماء بعد ثورة 26 سبتمبر، لكن بشكل أكبر وأبشع.
بينما قاومت محافظات شبوة وحضرموت والمهرة ذلك الفكر ورفضت تدمير المساجد والأضرحة، ومنعوا سحل رجال الدين والعلماء، لهذا تجدونهم محافظين حتى اليوم على هويتهم الدينية بشكل أفضل.
تركت الشيوعية محافظات عدن وأبين ولحج والضالع في حالة فراغ روحي كبير.. 
لهذا كانت لقمة سائغة للفكر السلفي بعد انتصار قوات عفاش والإصلاح في حرب صيف 94م، فقد كانوا في حالة تعطش للجانب الديني، فأصبحوا فريسة سهلة لذلك الفكر الضال والمضل، الذي أوصلهم إلى انخراط الكثير من شبابهم في صفوف "القاعدة" و"داعش".
ولهذا نجد أن قتل الكثير من خطباء المساجد في عدن لم يُقابل برد الفعل اللائق، وأُخذ بتساهل كبير، بل يراه البعض ضرورة، لأنهم متكئون على ما سبق أن فعلوه حين تم قتل وسحل علماء الدين في نهاية ستينيات القرن الماضي وخلال عقد السبعينيات.
لهذا يروج من ينادي بعودة الجنوب باتخاذ الإجراءات ذاتها التي سبق القيام بها، باعتبارها ضرورة لعودة "الفردوس الجنوبي المفقود"، بحسب ما يصورونه للعوام.
تأملوا في هذه المحافظات.. تجدوا اسم "علوي" متداولاً بكثرة، وكذلك "حيدرة" اسماً ولقباً، وانتشار اسم "الحوطة" في أكثر من منطقة، وتعني أربطة العلم، التي يجتمع فيها التعليم الديني مع إيواء طلاب العلم.
كما كانت الزيارة إلى المساجد التاريخية المعروفة، ومنها مسجد العيدروس، تتم في المولد النبوي من كل عام حتى سنة 1967م.
أغلب الطلاب الخريجين كانوا يدرسون في رباط البيحاني، وهو ما يذكره الكثير، منهم الفنان أيوب طارش عبسي، وهو الذي قال له المقولة الشهيرة: "ظننت ظناً فخاب ظني، ظننت شيخاً طلع مغني".
وهذا السبب الذي دفع بالأستاذ الفنان الكبير أيوب طارش عبسي للاتجاه نحو الموشحات الصوفية مؤخراً، نتيجة نشأته الدينية خلال فترة دراسته المبكرة عند ذلك السيد الجليل.
كما كانت هناك احتفالات تتم كل عام في عدن بمناسبة الغدير، وإليه ينسب ساحل الغدير.
حتى أغاني مرحلة الستينيات تجدون فيها الكثير من الصلاة على رسول الله وآل بيته، وقد تبدأ بعضها بكلمات "الهاشمي قال..."، وهو الأمر الذي اختفى كلياً في المراحل اللاحقة.
أما حضرموت فقد رفضت كافة أشكال التدخل الاشتراكي في الجانب الديني، نتيجة ارتباطهم الروحي بما تركه أحمد بن عيسى المهاجر، وإليه يرجع أصول السادة آل باعلوي وفروعهم. هاجر من موطنه العراق إلى أرض حضرموت، ولذلك لُقب بـ"المهاجر". وهو أول من أتى إلى حضرموت من آل البيت النبوي، فاستمر الحضارم في احتفالاتهم بالمولد النبوي بدون انقطاع طيلة فترة الحكم الاشتراكي لجنوب اليمن.
ولاتزال هناك الكثير من النقاط والأسماء الممكن إضافتها لقائمة الاستدلالات، كثير منها في الضالع وأبين، لكن لا أريد أن يُحرف الموضوع عن سياقه البسيط.
هناك بالتأكيد من سيرفضون بعض ما جاء هنا، خصوصاً ما يتعلق بسحل رجال الدين والعلماء خلال حقبة الاشتراكية، ليس لعدم معرفتهم بذلك، لكن تظهر نزعة لحرف الحقائق وإنكارها، باعتبار أن من يذكرها يدافع عن الحرب الظالمة التي شنها عفاش والإصلاح على الجنوب، وذلك غير صحيح البتة، لكنها حقائق مؤكدة.
الأهم أن هناك في الجنوب أرواحاً تائهة تبحث عن طريقها الذي سيقودها للهدوء والسكينة، وستلمسون ذلك وبطريقة تثير المفاجأة.. وأكتفي بهذا القدر.

أترك تعليقاً

التعليقات