سياسة «الاحتواء المزدوج» الأمريكية
- عبدالرحمن العابد الأثنين , 23 يـونـيـو , 2025 الساعة 1:05:05 AM
- 0 تعليقات
عبدالرحمن العابد / لا ميديا -
لم تأتِ الحرب الإيرانية ضد "إسرائيل" بعد عدوانها على العاصمة طهران، إلا وقد خف الضغط كثيراً بخروج المارينز من أفغانستان والعراق، واستطاعت الجمهورية الإسلامية الاستفادة من الوقت لإعداد نفسها جيداً حتى تمكنت من صفع "إسرائيل" بشدة كما شاهد الجميع مؤخراً.
من محاسن الأقدار أن هذه الأحداث بين إيران والكيان لم تأتِ إلا وقد خرجت القوات الأمريكية من أفغانستان. لكن في البداية سأسألكم: هل سمعتم عن سياسة "الاحتواء المزدوج"؟
هي سياسة أمريكية، لو قرأتم عنها في "ويكبيديا" ستُظهر لكم الولايات المتحدة وكأنها حمامة سلام؛ لكنها سياسة خبيثة تم العمل بها منذ مطلع التسعينيات، وتهدف للسيطرة على العراق وإيران في الوقت نفسه، تحت مُسمى ناعم: "الاحتواء".
بدأ العمل بهذه السياسة عملياً منذ العام 1994؛ ولكن إيران كانت أصلب عوداً من العراق، ولهذا تم استبدال هدف آخر بإيران، وهو أفغانستان، وتم الغزو الأمريكي لها عام 2001، ثم تم غزو واحتلال العراق عام 2003؛ ولكن الهدف (الجمهورية الإسلامية في إيران) أصبح بين فكي كماشة.
أفغانستان من الشرق، والعراق من الغرب، كلا البلدين أصبح في قبضة القوات الأمريكية، وجيء بحاكمين عسكريين أمريكيين، وتم تشكيل حكومتين "دنبوعيتين" مواليتين لها.
تصرفت إيران بحكمة شديدة. ورغم أنها الهدف الرئيسي لكل هذه المؤامرة، إلا أنها استطاعت أن تقلب الأمور لصالحها. وفي ظرف سنة كانت قد استطاعت أن تقيم جسور علاقات داخل البلدين، وبالذات في العراق، حيث توجد المقامات المقدسة ولا أحد يستطيع منع الشيعة من زيارتها.
كذلك أفغانستان توجد بها نسبة كبيرة من الشيعة تصل إلى نحو 22% من السكان (إثنا عشرية وإسماعيلية)، وكانت إيران تدعم المقاومة الإسلامية في أفغانستان ضد تواجد الجيش الأمريكي، وكذلك في العراق.
كما لا يعلم الكثير أن نسبة الشيعة في باكستان تصل إلى نحو 10% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 240 مليون نسمة، وبهذا يكون عدد الشيعة فيها تقريبا حوالى 24 مليون نسمة فقط، وهو عدد كبير، لكنه يبقى صغيراً أمام إجمالي عدد السكان.
تغير مفهوم "الاحتواء المزدوج" أمريكياً ليصبح له معنى آخر تماماً، وهو احتلال إيران انطلاقاً من العراق وأفغانستان. لكن الأوضاع لم تستقر لأمريكا فيهما، وكان لإيران دور كبير في عدم استقرار الأوضاع تلك.
صدر كتاب تحت عنوان "العالم الجديد" من تأليف جون برينان، وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA).
في كتابه، تناول برينان بالتفصيل الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان، وكيف أدت إلى تعزيز نفوذ إيران في المنطقة.
أوضح برينان كيف أن الغزو الأمريكي للعراق أدى إلى تفكيك الدولة العراقية، ما خلق فراغاً استغلته إيران لتعزيز نفوذها في العراق والمنطقة.
كما يرى أن الانسحاب الأمريكي من العراق، وتركيزه على أفغانستان، أضعف قدرة الولايات المتحدة على مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد.
في الأخير خرجت القوات الأمريكية من أفغانستان خروجاً مُذلاً ومهيناً، حسبما شاهده العالم أجمع في العام 2021، الذي استمر لعشرين سنة.
إيران كانت شريكاً رئيسياً في النصر على أمريكا بأفغانستان، وكذلك في العراق. والولايات المتحدة و"إسرائيل" كانتا تعولان على شن حرب ضد إيران انطلاقاً من أراضي البلدين، ولهذا انتظرتا طويلاً، ولعل هذا هو السبب الذي كان يجعل بعض الدول العربية المعادية لإيران تقول إنها على علاقة مع أمريكا في السر.
لم تأتِ الحرب الإيرانية مؤخراً ضد "إسرائيل" بعد عدوانها على العاصمة طهران، إلا وقد خف الضغط كثيراً، بخروج المارينز من البلدين. واستطاعت الجمهورية الإسلامية الاستفادة من الوقت لإعداد نفسها جيداً، حتى تمكنت من صفع "إسرائيل" بشدة، كما شاهد الجميع مؤخراً.
هذه حكاية سياسة "الاحتواء المزدوج" الأمريكية، التي فشلت فشلاً ذريعاً في المنطقة.
المصدر عبدالرحمن العابد
زيارة جميع مقالات: عبدالرحمن العابد