وجدت الله في حرض..
 

عبدالرحمن العابد

عبدالرحمن العابد / لا ميديا -
حرض مدينة ووادٍ في الشمال الغربي من حجة، إلى الشرق من ميناء ميدي، وبالقرب من الحدود السعودية. ينسب اسمها إلى وادي حرض، ومأتاه من جبال خولان، شمالي بلاد حجور ويفضي إلى البحر الأحمر.
منطقة سهلية لها امتدادات ساحلية تجعل القتال فيها بغاية الصعوبة، خصوصاً والعدو يستخدم سلاح الطيران بشقيه الأباتشي والـ(F16) وغيرهما.
كما يمتلك العدو أحدث الآليات والمدرعات والمجنزرات، إضافة للمدفعية ذاتية الحركة الحديثة وراجمات الصواريخ، ولديه عشرات الآلاف من المرتزقة اليمنيين وغير اليمنيين يدفعهم للتقدم باستمرار، وتشترك في معارك العدو بمنطقة حرض البوارج والزوارق الحربية من البحر الأحمر بإطلاقها الصواريخ بكثافة.
معركة مستحيلة تدور في تلك البقعة اليمنية التي يدافع فيها عدد محدود وبقدر مرسوم بعناية لا تقبل الزيادة في الأعداد ولا النقصان. لماذا؟!
إذا زاد عدد المدافعين عن حرض سيصبحون عرضة للقتل بكثافة نيران العدو، وإذا قلّ عددهم سيتم اجتياح مناطقهم نتيجة الأعداد الهائلة للمرتزقة ومن خلفهم جنود العدو السعودي الذين يقومون بقتل وإرداء كل من ينسحب أو يفر ليرغموهم على الهجوم، والهجوم فقط.
إذن، هو عدد مرسوم بدقة دون زيادة أو نقصان، يتم استعاضة العدد الذي يكرمه الله بالشهادة لا غير، وفق نسب معقدة تزيد من صعوبة المعركة في تلك المنطقة ذات المناخ الحار.
يزيد صعوبة وتعقيد المعركة في حرض الأجهزة الحديثة التي يمتلكها العدو وتعمل على رصد درجة حرارة الجسم ورصد الحركة، فالصواريخ تلحق بالمجاهدين وفق حرارة أجسادهم أو حركتهم، وتُطلق بأعداد كبيرة للغاية لإحراق مناطق شاسعة لضمان عدم خروج أحد على قيد الحياة.
وأيضاً المجاهدون لا يمتلكون حريتهم في اختيار وقت المعركة، وإنما تتم في فترات زمنية محددة، حيث «يتحوصل» المجاهدون في أوضاع ثابتة من قبل حلول الليل بساعات حتى تنزل درجة حرارة أجسادهم وتتوازى مع درجة حرارة الأرض ليلاً ويبقون على الوضعية ذاتها طوال ساعات الليل حتى تشرق الشمس وترتفع درجة حرارة الأرض بصورة كبيرة فيتمكنون من الحركة بسرية نتيجة الأعداد الكبيرة للطائرات التجسسية التي لا تغادر سماء حرض، والأقمار الاصطناعية المتفرغة خصيصاً لتلك البقعة الجغرافية الضيقة.
فوق كل تلك التعقيدات التي تجعل من المعركة مستحيلة كلياً نجد أن نوعية السلاح الذي يستخدمه المجاهدون هو السلاح الشخصي الخفيف، في مواجهة السلاح الثقيل والثقيل جداً، دون القدرة على الاعتماد كثيراً على المركبات والشاصات للتنقل كونها هدفاً سهلاً لاقتناصها من طائرات العدو.
هل بقي شيء لم نقُله حتى يعلم الجميع أنها معركة مستحيلة فعلاً؟! نعم.
يستحيل وصول الغذاء للمجاهدين المرابطين هناك لأسابيع متواصلة أحياناً، بسبب الحصار المطبق وقتل كل من وما يتحرك على الأرض وترصده أجهزة العدو المتطورة، فيعتمدون في طعامهم على خشاش الأرض وأكل الأشجار وبعض الكائنات الحية التي قد تلتقطها عيونهم دون تمييز أكانت من فصيلة السحالي أم غيرها.
ورغم كل ذلك تنتصر حرض مرةً تلو الأخرى على العدو المصر على اجتياحها والتقدم منها متكئاً على الحادثة التاريخية التي قام بها أسلافهم بمساعدة المرتزقة في حربهم على اليمن عام 1934، حيث تقدم الملك فيصل بجيشه المعزز بالمدفعية التي قدمها لهم البريطانيون (وكانت تعتبر أحدث أسلحة الأرض حينذاك) وبمساعدة المرتزقة كاليوم واجتاحوا حرض واستمروا في تقدمهم حتى وصلوا الحديدة، لكن الوضع يختلف اليوم بقوة الله وفضله، فهناك مجاهدون «ربيون» نذروا أنفسهم في سبيل الله دفاعاً عن هذه الأرض الطاهرة مقدمين أنفسهم قرابين على محراب الوطن وسط أسوأ وضع قد يشترك فيه أي مقاتل على وجه الأرض.
نتيجة الأوضاع الصعبة التي يمر بها المجاهدون هناك قد يتصور المرء أن هذه الجبهة غير مرغوبة المشاركة فيها وينفر منها المقاتلون، أليس كذلك؟!
بالعكس، هناك طوابير كبيرة من المجاهدين الراغبين بالالتحاق بهذه الجبهة تحديداً، ويتم تأجيل مشاركتهم، ويهيمون على سفوح الجبال القريبة والهضاب المطلة بانتظار وصول الموافقة على إشراكهم بدل من تم استشهادهم، وهم بغاية الشوق لتلك اللحظة، متحفزين للالتحام مع قوات العدو.
هذا هو الإعجاز العلمي، وليس ما كان يكذب به الزنداني.
ففي هذه الأجواء القاتمة الكئيبة والأوضاع الصعبة والمهمة التي سيصفها أي قائد عسكري بالمستحيلة، تُخلق الانتصارات اليمانية التي يعد عدم قدرة تقدم العدو وعدم العبور عبر حرض لا غير، معجزة إلهية بكل المقاييس يسطّرها الخالق عز وجل ويعطينا منها الآيات والمعجزات التي تستحق الحمد والشكر والتسبيح له ما حيينا، ولن تكون مبالغة إذا قال كل منا بصدق وإخلاص: «وجدت الله في حرض».
#هو الله

أترك تعليقاً

التعليقات