جرح مفتوح بلا عدالة!
 

عبدالرحمن العابد

عبدالرحمن العابد / لا ميديا -
رغم بشاعة الجريمة التي لحقت بمديرة صندوق النظافة، بعد استهدافها بنحو ثلاثين طلقة، في حادثة اهتزت لها مدينة تعز المحتلة، إلا أن الغريب أن يصفها البعض بأنها أول جريمة بحق امرأة!
ماذا عن مئات النساء اللواتي قُتلن واغتُصبن وألقيت جثثهن في مجاري السيول بالمدينة، أو عُثر عليهن بعد ساعات أو أيام من مقتلهن؟! تلك الجرائم لم تكن أقل بشاعة؛ لكنها وُوريت بالصمت والتعتيم الإعلامي تحت مبرر «لا تخدم الحوثيين».
الأنكى أن جرائم الاغتصاب لم تقتصر على النساء، بل طالت أطفالاً، بعضهم في سن الثامنة، بعضها ارتُكبت على يد قيادات عسكرية وأمنية وحزبية بارزة.
هذه الجرائم التي انتشرت رغم التكتيم والتعتيم دفعت المرتزقة إلى اختلاق روايات عن اغتصابات في مناطق جغرافيا السيادة الوطنية، في محاولة لتشويه صورة المناطق الأكثر استقراراً، بدلاً من مواجهة الكارثة الأخلاقية والأمنية التي يعيشونها.
لم تعد جرائم القتل والاغتيالات هي الخطر الأكبر في مناطق المرتزقة بتعز، بل إن جرائم الاغتصاب صارت الوجه الأكثر بشاعة للانفلات الأمني. الأهالي يؤكدون أن التشكيلات العسكرية والأمنية والعصابات المنفلتة تحولت من أداة يفترض أن تحمي الناس إلى مصدر رئيسي للجريمة، بكل أشكالها: خطفاً، قتلاً، اغتصاباً، إخفاء قسرياً... والنتيجة واقع يومي مرعب: جريمة شبه يومية تطال الأبرياء، وبينهم نساء وأطفال، وسط عجز كامل عن توفير الحماية.
منظمات حقوقية دولية عدة دقت ناقوس الخطر، منها منظمة «السلام للإغاثة وحقوق الإنسان الدولية»، التي أكدت أن أطفالاً في سن الثامنة تعرضوا للاغتصاب في تعز على يد جماعات مسلحة مدعومة من تحالف العدوان.
وفي نزول ميداني مشترك، جمعت منظمة «العفو الدولية» شهادات «أليمة» من ضحايا صغار وأسرهم، أظهرت كيف جعل الصراع المستمر الأطفال أهدافاً للاستغلال الجنسي. وأشارت المنظمات إلى أن الضحايا وأسرهم يعيشون بلا أي حماية، وأن التستر على الجناة يرقى إلى مشاركة في ارتكاب الجرائم.
لم تكتفِ التقارير بالإدانة، بل حمّلت الجهات الدولية مسؤولية ملاحقة المتسترين، بمن فيهم قيادات في دول التحالف. كما وجهت أصابع الاتهام إلى «حزب الإصلاح» المسيطر على الأجهزة الأمنية في تعز.
«العفو الدولية» سجلت عام 2018 أربع حالات اغتصاب تورط فيها قادة بحزب الإصلاح؛ لكن الحكومة المشكّلة من التحالف رفضت التعاون مع أي جهة دولية، إلا لجنتها الوطنية الصورية. فريق الخبراء الأممي أكد بدوره أن حكومة التحالف امتنعت عن التعاون في مئات الانتهاكات التي شملت اغتصاب نساء وأطفال ورجال، إلى جانب الاختطاف والتعذيب والقتل، فيما ضغطت السعودية والإمارات لإجهاض عمل الفريق.
الجرائم لم تقتصر على تعز؛ ففي عدن، تفشت جرائم الاغتصاب حتى باتت مادة للسخرية السوداء. الإعلامي فتحي بن لزرق علّق يوماً: «ما فيش حل لموضوع الاغتصابات إلا أن كل واحد يلحم له بترة حديد ويلبسها أول ما يخرج!»، في دلالة على يأس المجتمع.
أما الجريمة الأبرز فكانت اغتيال رأفت دنبع، الشاهد الوحيد في قضية اغتصاب طفل المعلا من قوات أمنية تتبع الجهاز الأمني لـ»المجلس الانتقالي الجنوبي»، بعدها رفض قائد ما يُسمى «كتيبة مكافحة الإرهاب» تسليم الجناة «المغتصبين والقتلة» وحماهم علناً.
هكذا تتكشف صورة مظلمة لمناطق سيطرة المرتزقة: انفلاتاً أمنياً، اغتصابات متكررة، تستراً حزبياً، وتواطؤاً دولياً.
جرائم لا تسقط بالتقادم، ولا تُمحى بالتبرير أو التغطية الإعلامية. إنها جرح مفتوح بلا عدالة، ستظل شاهداً على زمن فقد فيه الناس أمنهم، بينما تحولت السلطة إلى شريك في الجريمة لا إلى حامٍ للضحايا.

أترك تعليقاً

التعليقات