اليمن وسكاكين الجار الطامع
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا -
ما أقسى أن تكون الجراح من الشقيق، وما أشدّ أن يمدّ إليك الجار يده لا ليسندك، بل ليغرس في ظهرك خنجرًا مسمومًا. هكذا بدا المشهد في اليمن، منذ أن قررت السعودية أن تُقنِع العالم بأنها جاءت «لإنقاذ» هذا البلد، بينما كانت تخطط لتفكيكه، وإبقائه حبيس الحروب والفوضى، ضعيفًا لا ينهض، ولا ينافس.
لم تكن أطماع السعودية في اليمن وليدة اللحظة. فمنذ عقود وهي تنظر إلى اليمن لا كجارٍ مكافئ، بل كحديقة خلفية، ينبغي أن تبقى تحت إشرافها، ضعيفة الإرادة، مقطوعة الجناح. وحين نهض اليمنيون ذات مرة، وأرادوا أن يبنوا وطنهم بكرامتهم، أُطلقت صافرات المؤامرة، وابتدأت الحرب... لا لأجل اليمن، بل ضده.
قادت السعودية تحالفا واسعا للعدوان على اليمن وجلبت الطائرات والصواريخ والمرتزقة، وباسم «الشرعية»...
قصفت المدارس والمستشفيات، وأحرقت الأسواق والموانئ، وجوّعت الشعب، ثم زعمت أن ذلك من أجل اليمن! لكن -في الحقيقة- لم تكن تسعى إلا لأمرين: سحق كل مشروع وطني مستقل، وتثبيت نفوذها بالمال والسلاح والخداع.
زرعت أدواتها في كل ركن، موّلت الانقسام، دعمت المرتزقة والتكفيريين، أنشأت مجالس موازية، وأدخلت اليمن في متاهةٍ من الصراع الداخلي الذي لا ينتهي. أرادت أن تظل اليمن منشغلة بنفسها، تلعق جراحها، حتى لا تجرؤ يومًا على أن تكون حرة، أو ذات قرار.
وفي الجنوب، لم تكن السعودية تختلف كثيرًا عن ربيبتها الإمارات. كلاهما تقاسمتا البلاد ككعكةٍ مهجورة، ينهشان أطرافها، ويمنعان عنها النور والهواء، ثم يتحدثان عن إعادة الإعمار! يريدون يمنًا بلا جيش، بلا سيادة، بلا قرار. يريدون يمنًا مطيعًا، متوسلًا، بلا صوت، ولا طموح.
لكن ما لا تعرفه السعودية، وما تتغافل عنه منذ زمن، أن اليمن لا يموت. قد يُرهق، قد يتألم، قد يتعثر، لكنّه ينهض دومًا من تحت الركام. فهذا البلد لم يُخلق ليركع، ولم يُبنَ ليُدار بالتحكم عن بعد.
لقد فشلت كل محاولاتهم في كسر إرادة هذا الشعب، رغم الجوع والحصار والدمار. بقي اليمني شامخًا، يعرف عدوه من صديقه.
وها هو التاريخ يكتب فصوله. فالسعودية، التي حاولت تمزيق اليمن، ستبقى في ذاكرته لا كجارٍ صالح، بل كخنجرٍ خان الصداقة، وباع دم الأخ لأجل نزوة سلطة.
أما اليمن، فسيعود، وسيكتب أبناؤه بأنهم لم يبيعوا أرضهم، ولم يفرّطوا بقرارهم، ولم يحنوا رؤوسهم لأحد.

أترك تعليقاً

التعليقات