مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
إذا الزعيم «عرفات» سار في المسار الخطأ والطريق الخاطئ بتوقيع «اتفاق أوسلو»، وقد دفع حياته لاحقاً ثمناً لهذا الخطأ ولتمسكه بسقف موقف في إطار هذا الاتفاق، فإن البديل أو الخلف محمود عباس هو الخطيئة، بل وسار عمداً وعنوة في خط الخطيئة، ولا أتصور أن أحدا يمكنه منافسته فيه.
مع الأسف، إذا كنا نمارس شخصنة المسار ربطاً بـ«عرفات» وبالتالي «عباس» فإن المؤسف أكثر أن يعنون موقف الخطيئة لـ«عباس» ومكارثية خطه المتواطئ والمنحط بعنوان «فتح» وأنه عن «فتح» صدر.
لا أستطيع القول بأن «فتح» وصلت إلى حالة «عباس» في انحراف بات من الانجراف ضد الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه وباسم أنهم من يدافع عن القضية.
أعرف بباسطة أن محمود عباس لم يعد لديه قضية يقدسها، بما في ذلك غزة والقدس، والتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني أو مهمة حماية الكيان هو قضيته المقدسة. ولم أكن أتصور أن هذا المحتوى من الكيان لأداء الدور الأمني سيحتوي «فتح» إلى درجة إصدار كهذا باسمها.
عندما يحمّل البيان «حماس» مسؤولية إعادة احتلال غزة، فهل الضفة الغربية حررت أو تحررت؟!
هاهو نتنياهو بكل بجاحة يعلن، وفي هذا الظرف، خطة لبناء ثلاثة آلاف وخمسمائة وحدة سكنية في الضفة الغربية، فأين الدولة الفلسطينية التي زعمتم؟! وأين «اتفاق أوسلو» الذي وقعتم؟!
الجيوش العربية الجرارة لم تستطع أن تصمد وأن تحارب بالسقف الزمني لهذه المقاومة. والقضية الفلسطينية لم تكن فقط قد هُمّشت، بل نُسيت أو نُسفت، و»طوفان الأقصى» هو الذي أعادها كقضية، بل وفرضها أولوية عالمية. و»فتح» بهذا البيان استعملت بجاحة نتنياهو وانحطاط «عباس»، ضد نفسها وضد شعبها. والبيان -فوق كل التلاعب بالألفاظ والشعارات- ليس أكثر من استقواء بأمريكا والكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة والباسلة، كامتداد عضوي لخط التطبيع لأنظمة عربية. ومثل هذا بات من الممكن استصداره مما تسمى جامعة عربية بعد نقلتها وتفعيلها «العبري» ومنذ أول «كامب ديفيد».
«إذا ابتليتم فاستتروا» يختلف حوله إن كان حديثاً أو حكمة؛ ولكنه ينطبق على «فتح»، التي كان عليها أن تكتفي بتصريحات رئيس السلطة، الذي لا قداسة لديه إلا للتنسيق الأمني مع الغاصب والمحتل والمجرم؛ للحفاظ على الحد الأدنى من الاحترام لمسمى «فتح».
كأنما نتنياهو هو من طلب إصدار هذا البيان «العباسي»، وباسم «فتح» ورئيس السلطة وقع بالنيابة عن «فتح» أو أجبر «فتح» على التوقيع، من واقع تقديس عباس للتنسيق الأمني، وكان المفترض أن يؤكد «البيان» على قدسية وقداسة التنسيق الأمني!
بقدر ما يحمّل البيان «حماس» المسؤولية عن الإبادة الجماعية، فهو ضمناً يبرئ الكيان الصهيوني من هذه المسؤولية. ومن الواضح ارتباط ذلك بقداسة وقدسية التنسيق الأمني.
كان المفروض والمطلوب من «فتح» أن تصدر بياناً تعترف فيه بخطأ خط «أوسلو»، الذي طوره «عباس» إلى أكبر خطيئة وأم الخطايا، وتعلن فيه عودتها لخط النضال المقاوم، وكذلك عودتها لخط قضيتها وشعبها.
أعرف وأدرك أن منظمة «فتح» برئاسة «عرفات» تأثرت كثيراً بانهزام اليسار بعد الهزيمة القومية، ثم بهزيمة العراق في حرب تحرير العراق، حيث ألتزمت أمريكا قبل تحرير الكويت بحل للقضية الفلسطينية، بل وحل ما عُرفت بمشكلة الشرق الأوسط.
وفي إطار ذلك جاء ما عُرف بـ»مؤتمر مدريد»، ومن رحمه وُلد «اتفاق أوسلو»، وكل ذلك كان يعني أن «فتح» اضطرت لهذا المسار أو الخيار.
كان يعني «فتح» أن تتوقف في قراءة محورين فيما يعنيها، الأول: أن العدو الصهيوني لم يتنصل فقط مما هي التزامات عليه في «اتفاق أوسلو»، بل من «اتفاقية أوسلو» برمتها، ولا يريد غير سلطة تحمي أمن «إسرائيل» ولتكمل دور الأنظمة العربية المتآمرة تاريخياً على فلسطين القضية والشعب.
الثاني: أن العالم الذي شهد انهزام القومية واليسارية يتغير اليوم ويستعيد توازنه الدولي لصالح العدالة، وهو لصالح الحق الفلسطيني. وكان على «فتح» أن تتعظ بتصريح الرئيس المصري مبارك حين قال: «المتغطي بأمريكا عريان».
المفروض أن ما جرى يعيد «فتح» إلى خط المقاومة والنضال المسلح؛ ولكن «فتح» تريد احتواء هذه المقاومة لصالح الخط الأمريكي ـ الصهيوني، وكأنها تريد تعزيز استسلام «أوسلو» باستسلام جديد يجهض النضال وينهي المقاومة، وذلك المستحيل أن يُعقل أو يُقبل.
الرهان على الخط الأمريكي هو ارتهان للكيان الصهيوني. وبيان «فتح» مع الأسف لا ينطلق إلا من هذا الخط، ومن هذه الأرضية كموقف.
إذا أصبح الرهان على الخط الأمريكي والارتهان لكيان العدو المحتل والغاصب والمجرم هو الأولوية الوطنية الفلسطينية، فعلى فلسطين -القضية والشعب- السلام!
كان على «فتح» -على الأقل- أن تواجه أمريكا والكيان بأن يوصلوا الشعب والواقع الفلسطيني إلى الدولة الفلسطينية كاملة السيادة. وبدون ذلك لا يحق لأمريكا ولا الكيان الصهيوني استعمال يافطة «الإرهاب» لإبادة الشعب الفلسطيني. أما حين تصبح «فتح» هي من يلغز أو يغمز من السيناريو ذاته الأمريكي المتراكم «الإرهاب» فذلك بالتفعيل أو بالمعطى شراكة مع أنظمة عربية ظل خطها التآمر على فلسطين الشعب والقضية، ولا يمكن فهمه بغير ذلك.
ما دامت «فتح» وصلت إلى مستوى وقاحة أدوار عربية متآمرة ومتواطئة ألم يكن بمقدورها أن تشترط -على الأقل- تحقيق الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، وبعدها يمكن محاربة ما يسمى «الإرهاب»؟! وبالتالي فهذا كان المدخل الأنسب لرفض استعمال «الإرهاب» في التآمر والمؤامرة على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
كأنما «فتح» لم تكن غير «عرفات». والبيان يؤكد أنها لم تعد إلا مجرد أداة لحماية أمن الكيان أو لتوظيفها في الخط الأمريكي ـ الصهيوني، كرهينة أو مرتهنة، وبالتالي فمشكلة «فتح» -وفق البيان- ليست الاحتلال ولا حتى دولة فلسطينية وفق «أوسلو» وقرارات الشرعية الدولية، ومشكلتها وأولويتها هي «الإرهاب»، كما الـ»موساد» والـ»شاباك» ونتنياهو!

أترك تعليقاً

التعليقات