مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
سبق أن قلنا في أكثر من مساحة من المسكوت عنه، المنطلقة في تلمس نقاط الضوء التي يزخر بها كتاب (الرحمن اللّغز الأكبر) لنشوان دماج، والتي نهدف من وراء تلمسها إلى الخروج من هذه العتمة المخيفة، والحد من كل هذا الضياع والتخبط الذي يعيشه كل مهتم بتاريخ اليمن، وتاريخ الرسول والرسالة: إن الإثارة لأحداث وقضايا تاريخية معينة من تاريخ اليمن قبل الإسلام، لاسيما قضية الملك يوسف أسار، والملك أبرهة الحميري، الشخصيتين اللتين يعد الانتصار لهما انتصارا لرسول الله الأكرم (ص) لا ولن تكون بدافع عرقي ومناطقي يجعلنا من موقع العصبية والتعصب أو الوطنية أو القومية نبرئ ساحتنا من المجرمين والطغاة، فنقوم بلي عنق الحقائق، لكي نظهر اليمن من خلال هذين الملكين بما ليس له، حاشا لله، بل إن الدافع رحماني محض، ولن تتم لي معرفة الرسول ورسالته، إلا بمعرفة اليمن وتاريخه. فكلاهما مكملٌ للآخر، كوحدة واحدة لا تتجزأ، وحدة يلتقي في إطارها أنبياء الله ورسله، من الخليل، فالكليم، فالكلمة الملقاة إلى مريم، عيسى حامل البشرى، حتى محمد (صلوات الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء)، وحدةٌ يحمل لواءها اليمن الرحماني من خلال أنصار الوحدانية، الذين يأتي يوسف أسأر، في مقدمتهم، ويتجلى بعده أبرهة الحميري كقمرٍ دائرٍ في الفلك المحمدي، حتى يكتمل المشهد بهمدان والأنصار، لنرى بعد ذلك هذا العقد الوحداني المعلق على جيد الزمن قد اكتمل نظمه، فكان عمار وكل آل ياسر واسطته.
هذا ليس كلاماً عاطفياً، جادت به قريحة شاعر، وليس مجرد فقاعات تنتشر في الهواء، بل إنها الحقيقة. فبمجرد معرفتك مَن هو أبرهة، وما علاقته بعبدالمطلب؛ ستمتلك المفتاح للدخول إلى أول فصول التاريخ المحمدي، الذي مثل انتصار اليمن على الأحباش، ومجيء عبدالمطلب على رأس وفد مضر مباركاً، المقدمة التي تزامنت مع إشراق الأرض بنور الرحمن محمد (ص) والذي لا شك أن مولده الميمون كان قد حصل في تلك الفترة، ولكن ظل سراً لا يعلمه سوى قلة قليلة، ولهذا يأتي إرساله (ص) في جنح الليل إلى قبيلة بني سعد بن بكر.
وهذه العملية طبيعية ومنطقية جداً، حينما نعي حجم الخطر المحدق بالمولود، وكثرة العيون والآذان المفتوحة لتتبعه، فإذا ما بلغها أمره انقضت عليه، لتقتله في مهده، وبالتالي فليس صحيحاً ما جاء عند كتاب السيرة من روايات عن أخذ عبدالمطلب لهذا الوليد إلى الكعبة، وإظهار الفرح والسرور في كل أحياء مكة، إلى الحد الذي رأيناه وهو يبرر لكبار قريش سبب اختياره لاسم محمد ليطلقه على حفيده الكريم.
كل هذه القصص والمرويات متناقضة مع الواقع، والهدف منها هو: التغطية على قضايا في غاية الأهمية، من مثل المحاولات العديدة للتخلص من الطفل المبارك وأمه، وكم وكم من محاولات لذات الأمر، سوف يتم الكشف عنها ببحث مستقل كما وعدنا صاحب هذا الكتاب.
نعم. لقد أُخفي أمر مجيء خاتم الأنبياء إلى الدنيا تماماً عن أقرب المقربين، وظل محصوراً في أضيق الدوائر، وهي سنة معمولٌ بها مع مولد كل نبي، وإلا لما وجدنا مريم حينما حملت بعيسى تنتبذ به إلى أقصى الأرض، فظلت هناك حتى وضعته، وإلى اليوم الذي جاءت به قومها تحمله، معرضة نفسها لأبشع التهم. ومثلها أم موسى، إذ كادت أن تذهب به إلى البادية، لولا أن ربط الله على قلبها، ومدها بالوحي، وقطع على نفسه بالوعد أن يرده إليها.
من هنا نعرف أن الصحيح هو: ما رواه الإخباريون، أنه لما ولد رسول الله (ص) دعا عبدالمطلب غلاماً له، وأرسله إلى سيد قبيلة سعد بن بكر، عبدالله العدوي، أبو ذؤيب، ووالد حليمة، ليلبيه في الحال، وقد لبس عدة الحرب، ولم ينتظر حتى يصبح عليه الصبح فيجيب الداعي، الأمر الذي يكشف عن خطورة القضية، التي لا تحتمل التأجيل، فكل دقيقة تأخير قد تكلف الموحدين ثمناً باهظاً، كما أن ارتداء عبدالله بن الحارث لكل عدة الحرب، دليل على أن الأمر جلل، وشاهد من الشواهد التي تكشف أن اختيار هذا البيت في قبيلة بني سعد كان قد اختير سلفاً، وبذلك يتم دحض كل تلك التشويهات التي تعرض لها النبي، وكان المراد منها التعمية على حقائق نبوته.

أترك تعليقاً

التعليقات