الخائن الذي أصبح ملكاً!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
حاولنا بالأمس الإضاءة على مرحلة هامة من مراحل تاريخ اليمن القديم، بل في تاريخ حركة النبوة، والدين الإلهي القائم على الوحدانية، (ملة إبراهيم، وموسى، وعيسى ومحمد، صلوات الله عليهم) وذلك من خلال تقديم ما أفادنا به كتاب (الرحمن، اللغز الأكبر) للباحث والأديب نشوان دماج، الذي فتح بهذه الدراسة الغنية بالشواهد والأدلة الباب لفهم التاريخ الرسالي كله، ووضع الأرضية التي يجب الانطلاق منها، لمعرفة تاريخ الإسلام، من زمن البشارة، حتى زمن الولادة والظهور والبعثة وتأسيس الدولة، ثم الالتحاق بالرفيق الأعلى، والذي أتاح المجال للمنوفيزية كي تعود مجدداً، لكنها هذه المرة، باسم الإسلام والتوحيد، وترفع القرآن، وتحكم باسم الله، فثالوثها لم يعد ظاهراً، لكنها خدمته، إذ قامت بتدمير الإسلام من الداخل نصرةً للثالوث، وفي سبيل المنوفيزية التي كانت تبطنها خشية انكشاف أمرها للمجتمع المسلم.
وقد وقفنا على مقتل الملك يوسف، الذي كان مقتله هو المدخل لإعادة المذهب المنوفيزي إلى الواجهة، وفرضه رسمياً كمذهب وحيد للدولة، وبذلك تنفست الحبشة وروما الصعداء، وعادت اليمن إلى ما كان سائدا قبل ذي نواس، إذ اختفت الوحدانية كصيغة من النقوش، وكان سميفع (هميسع) أشوع هو الأداة التنفيذية للاحتلال الحبشي كي يعود من جديد، ونقطة التحول التي أعادت اليمن إلى منوفيزية الملك معدي كرب يهبر، الذي كان خاضعا للحبشة، وسقط على يد الملك الثائر يوسف، الذي أعاد للوحدانية مكانتها، وفداها بدمه وملكه وخيرة أبناء اليمن.
لقد جاء سميفع أشوع، ذلك القيل اليزني الخائن، على سفن الاحتلال الحبشي، لينصب ملكاً على اليمن، لقاء خيانته للملك يوسف، وتنفيذه لمخطط المحتل. فبئس الملك، ذلك الذي يسلم شعبا وقيم وعقيدة ودولة وتاريخا للمحتل، مقابل أن يكون صاحبه هو الرجل الأول، والملك المتوج على يد محتل، يكون بعيون شعبه أرخص من حذاء، لكن لدى الدارسين عمى فكري، بحيث جعلوا الثوري الوحداني الوطني يهوديا نزا على العرش، والخائن المنوفيزي العميل وطنياً، وثوريا!
ولو كانوا يعقلون، لكفتهم فقط نظرة واحدة إلى النقوش الخاصة بأشوع هذا، والتي استبدلت صيغة (بسم الرحمن) بصيغة ثالوثية تجعل من الرحمن ثلاثة أقانيم (الأب والابن وروح القدس). فصارت هكذا؛ (بالرحمن وابنه المسيح وروح القدس).
وهذه تكفي لإدانته وحدها، وإظهار حقيقته كخائن، تم فرضه كملك على يد الاحتلال، ودعمته المنوفيزية الشركية بكل شيء، فصار اليمن على يديه مجرد حديقة خلفية للحبشة، وتابع ذليل لملكها كلب، الذي نصب هميسع أشوع كملك يحكم بأمره وينقاد لسلطانه، ويدين بمذهبه.
هذا هو سميفع أشوع، (الخائن الذي أصبح ملكاً) والذي سيجهد الباحثون لتبرير خيانته، وإظهار انبطاحه للحبشة، وفتحه كل الأبواب لعودتها كمحتلة، بالحكمة والرشد والتعقل، فأي مفارقة عجيبة تلك التي تجعل الملك الذي حرر البلاد وأعاد الاعتبار للعباد، مجرما متهورا أحمق، دمر بلده، بينما الخائن العميل وطني حر حافظ على البلاد والعباد؟!
لكن لا يهم، فأفضلية هميسع العميل نابعة من اعتقادهم بالرواية السريانية، التي جعلته مسيحيا، مقابل يهودي، لا لشيء إلا لكونهم يجهلون الصراع الذي نشب بين نصرانيتين، أو مسيحيتين:
نصرانية وحدانية على ملة إبراهيم وموسى وعيسى، تنتظر البشارة، وتؤمن بالميثاق الذي واثقها الله على الإيمان به.
ومسيحية منوفيزية جعلت الله واحدا في ثلاثة، كان اليهودي شاؤول، المسمى بولس هو مهندسها، وصار كل مَن يدين بالوحدانية يهودياً عندها. وهذا هو السبب الذي عد بموجبه ذو نواس يهوديا، وأدى إلى وقوف الباحثين مع كل أكذوبة سريانية تحط من قدره وتشوه مسيرته التاريخية. فلا غرابة إذن في اختلال معاييرهم، وتبدل مقاييسهم، وتشابه البقر عليهم.

أترك تعليقاً

التعليقات