لنضع اليد على الجرح
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم يصب شعب من الشعوب ولا أمة من الأمم، بمثل ما أصبنا به نحن العرب والمسلمين! فتاريخنا الحقيقي مطمور، وتم استبداله بتاريخ مزيف كله باطل وشر وفساد.
وعليه؛ قبل أن تدعوني كمسلم بالعودة إلى تاريخي وعقيدتي وفكري وثقافتي: عليك أن تضع يدك على الجرح، وتعلم أن ما تدعوني للعودة إليه ليس هو الدين، وليس هذا هو تاريخه، ولا هذه هي عقيدته، ولا هذه هي قيمه، ولا هذه الصورة التي تكونت لديك عن الله ورسوله هي الصورة الحقيقية لهما!
وقبل كل شيء تعال لنضع بين أيدينا مجموعة من المسلمات: أولها، إن الانغلاق على فهم واحد لله والكون والطبيعة هو نوع من النمطيات التي تغلق العقل عن التفكير والتطوير. وثانيها، إن الأفهام التي تنطلق من منظور عصبوي في نظرتها للأمور، وفي قراءتها للتاريخ وشخصياته الفاعلة والمؤثرة فيه تتحول إلى حجاب مانع عن رؤية الحقيقة. فهناك دوما وجهة نظر أخرى تمثل جزءا من الحقيقة، وما أملكه قد يمثل جزءا منها، هذا في دائرة المتغيرات، كون هناك حقيقة ثابتة لكن إدراك هذه الحقيقة الثابتة يختلف من قابلية إلى قابلية ومن مرتبة وجودية إلى أخرى.
لذلك إدراك الحقيقة يتطلب قابلية كبيرة في الخروج من الصناديق المغلقة في العقيدة والفكر، فعلى سبيل المثال قد أكون نشأت في بيئة لها فهم خاص لشخصية النبي (ص) وأهل بيته (ع)، ولكن حينما أخرج من دائرة الأسرة إلى دائرة أكبر قد أرى فهما أوسع لم أعتده ضمن نمط التفكير الأسري الذي نشأت فيه. وهنا إما يقوم هذا الشخص بالرفض التام لهذا الفهم الأوسع مما اعتاد عليه، أو أنه ينقلب على فهمه وعلى كل مسلماته، وهو بذلك يتصرف بين إفراط وتفريط، بينما الاعتدال يفترض أن يدفعه للتعاطي بتوازن مع ما يملك من أفكار نمطية وبين ما اطلع عليه من أفهام أخرى، بحيث يقوم بإعادة النظر والتقييم والتطوير وليس الرفض المطلق أو القبول المطلق.
وهذا الخروج هو ثقافة تتطلب قدرة على محاكاة الآراء والأفهام بطريقة خيركم من جمع العقول إلى عقله. هذا فضلا عن أن الوحي حالة خاصة بالنبي ص وقد انقطع بعد رحيله، وما لدينا الآن ليس وحيا وإنما مجموعة نصوص منسوبة لبيت الوحي سيدنا محمد وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام، وهو ما يحتاج تحققا من حيث صدورها كأحاديث أو وقوعها كحدث تاريخي، ومهما كانت نتيجة البحث الدقيق فعلى العاقل أن يسلم بها لا أن يحاول لي عنق النص ليوافق ما اعتاده من اعتقاد موروث.
فالسعي لمعرفة واقع الأمر يحتاج فقط خوفا من الله وليس خوفا من الناس، وخوفا على دين الله ودين الناس لا خوفا على ما أعتقده أنا كشخص حتى لو ثبت خلافه.
لا تُبنى العقائد على العواطف بل تبنى بالعقل والدليل وحجية القطع، فإن ثبتت بذلك ترسخت شجرة الإيمان في القلب وأثمرت معرفة، ومن زادت معارفه حتما تزيد عواطفه، لكنها عواطف متصلة بالبرهان لا بالوراثة ولا بالتنميط ولا العادة.

أترك تعليقاً

التعليقات