بادية بني سعد ومحمد
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
حاولنا بالأمس الدخول إلى أول فصل من فصول التاريخ المحمدي، وقد أخذ بأيدينا كتاب (الرحمن اللّغز الأكبر) الذي أرانا حقيقة ما حدث بعد مولد سيد الرسل، وإمام الأنبياء (ص) مباشرةً، إذ تم إرساله في جنح الليل إلى بادية بني سعد، بعد أن استدعي سيد تلك القبيلة على وجه السرعة من قبل عبدالمطلب، فجاءه ملبياً، ومتشحاً بكل عدة الفارس الخارج للحرب، واللافت أنه لم يكتف بسيف واحد، بل اتشح بسيفين. وهذا دليل قاطع على وجود خطة معدة سلفاً من قبل عبدالمطلب، وعبدالله بن الحارث العدوي، والد حليمة مرضعة سيد الخلق محمد (ص) وذاك ما سينفي ويدحض ما اعترى خروج الطفل الميمون إلى قبيلة بني سعد من تشويهات، للنيل من رسول الله، والبيت الهاشمي المضري على السواء.
ومع وجود هذه الرواية في كتب التاريخ والسير، إلا أنه تم الضرب عنها صفحاً من قبل كافة باحثي المسلمين، الذين أخذوا بما أخرجه فريق سرجون ومعاوية من كيسه، من قصة متهافتة، تدعي توافد الكثير من نسوة بادية بني سعد إلى مكة، لأخذ المواليد إلى البادية، بغرض إرضاعهم، ولكن كانت حليمة أشدهن فقراً، إلى الحد الذي جعلها تخرج معهن بدابة هزيلة عرجاء، جعلتها تتخلف عن الركب النسوي، ولم تستطع اللحاق به، الأمر الذي أتاح لهن الوصول إلى مكة، وأخذ أطفال الأثرياء، وترك ذلك الغلام الفقير اليتيم الذي لم تقبل به إحداهن لحليمة، والتي لولا الخجل من رفيقاتها حينما تعود معهن دون طفل لما أخذته!
هكذا يستخف بك عزيزي القارئ كتاب السيرة الشريفة، وفي مقدمتهم ابن هشام وابن إسحاق، الذين يقدمون لك مشهدا لموسم مكاوي تلد فيه النساء عن بكرة أبيهن، موسم معروف بزمن مخصوص، ومحدد لا يتخلف، وكأنك أمام موسم حصاد لمحصول زراعي معين، بحيث تتوافد المرضعات على مكة من كل فج في وقت معلوم من كل عام، وكأن مكة هذه على درجة عالية من التحضر الذي يدفعها لإرسال مواليدها إلى البادية!
وهل عبدالمطلب بهذه الحالة المأساوية من الفقر والفاقة بحيث لا يجد من المرضعات مَن تشفق على حفيده سوى امرأة تفوقه فقرا وفاقة وقلة حيلة؟
لا غرابة أن نجد هكذا تلفيقات تمس بالنبي والنبوة، طالما والمخرج الأموي والعباسي قد أرادا ذلك، وهما الكيانان الحاكمان اللذان عملا على هدم كل شيء، مصدرين هذه الأمة إلى وادي الهلاك الذي لانزال نعيشه حتى اليوم. لذلك علينا الخروج من دوائر باطلهم، والالتفات إلى إشعاعات الحق الذي راموا إزهاقه، والذي كانت فترة المولد النبوي فالخروج سراً إلى بادية بني ساعدة، والبقاء على النبي هناك مدة من الزمن وسط تكتم شديد على وجوده، وتولي أبي ذؤيب وابنته أمر هذا الغلام، هي الحقيقة التي أريد لها المحو، لكي يتم بمحوها التغطية إلى ما تعرض له رسول الله من محاولة اغتيال، قالوا: إنها حادثة شق الصدر، التي جعلوها بيد جبريل، لكنها والحق يقال: حادثة اغتيال وتصفية جسدية، فشلت عن بلوغ هدفها، وإلا لما شهد التاريخ مضر في نكف طويل عريض، تداعت إليه جميع القبائل المحالفة لها، ولبني سعد بن بكر، وتصدر فيه عبدالمطلب وأبو ذؤيب مشهد الداعين إليه.

أترك تعليقاً

التعليقات