مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم يأخذ بمجاميع تلابيب قلبي، ويروِ ظمأ عقلي وروحي، المتعطشين أبداً لمعرفة طبيعة البيئة التي بعث الله فيها خاتم رسله وأنبيائه، الرحمة للعالمين، والهادي للناس كافة، والكامل بكمال مصطفيه ومربيه ومؤدبه الرحمن تعالى، سوى هذا: «الرحمن اللّغز الأكبر». أنا هنا لا أجامل، بل هي شهادة أشهد بها أمام الرحمن وخلقه، وأُسألُ عنها غداً بين يديه سبحانه.
بهذا الكتاب عرفت رسول الله، عرفت طبيعة جهده وجهاده، عرفت حجم وقوة ومكر أعدائه، عرفت سموم الطلقاء، ورجس الأحبار، وجرائم المحدثين، وجنايات اللغويين والمفسرين. عرفت كم كنت أحمق حينما صدقت بحدوث ردة بعد النبي تزعمها مسيلمة، الذي قيل لي: إنه سمي برحمن اليمامة، وأنه ادعى النبوة، مثله مثل ذلك العنسي المسلوب حتى اسمه، والموضوع له الاسم الأسود من قبل مهندسي الردة الحقيقية عوضاً عما سلبوه منه. بل حتى مسيلمة، كان اسمه مسلمة، ولكن أبى مهندسو الردة الفعلية إلا تسميتهما هكذا. ومَن يدري لعلهما مظلومان، اخترع لهما المرتدون فعلاً قصصا كهذه، لإخفاء ما اقترفوه، والذهاب بالعقل المسلم عن مراحل رجوعهم كفارا بعد إيمان، بدءاً بمسجد الضرار، فمحاولة الاغتيال، فالتخلف عن جيش أسامة، فيوم الرزية، ثم السقيفة وما تلاها من جعل الأمر لأمية، يفعل غلمتهم بالدين ما يمليه عليهم شركهم ونفاقهم، معاوية مثالا لمنظومة ورأسا في جسد بعشرات الرؤوس الشيطانية.
كم كنت أحمق حين صدقت الأخباريين وضربت صفحاً عن الرحمن، وانصرفت عن كتابه! لذلك بقيت كغيري من معظم المنتمين للإسلام أعاني من الطفولة الفكرية، وأرى كل ما لقنني به اللغويون والمفسرون والرواة، وأرباب التاريخ مسلمات لا تقبل الدحض والإنكار.
لذلك لا غرابة أنني سأجيب كل من يسألني: عن الإسلام، كيف جاء؟ ومَن هو نبيه؟ وما طبيعة البيئة الاجتماعية لموطن بعثته؟ وما هي معبوداتهم؟ بأن هذا الدين الذي اصطفى الله رسوله محمد جاء لمحاربة الشرك، الذي كان العرب قد اتخذوه دينا، وكانوا يعبدون الأصنام، وتمثل قريش المرجعية الدينية لهكذا دين وعبادة، والراعية الحصرية للأصنام.
ثم ماذا؟ لا شيء. فقد انتهت عبادة الأصنام، وسُمع لإبليس صرخة تحسر وتوجع على ضياع جهوده، بعد أن استيأس من دخول الشرك ثانية بلاد العرب، حدث ذلك وهو يرى هبل وسواه يحطمون على يد النبي يوم الفتح. كم أنا ملم! ثم ماذا؟ 
لا شيء، ذهب هبل وإلى غير رجعة. هبل؟ نعم. وماذا يجعلكم تتساءلون؟ أليس من الطبيعي أن نشك بكل شيء، بالله، بنبيه، بكتابه، ولكن يستحيل على أحدنا الشك بوجود هبل، أو السماح لنفسه بالتفكير بوجود احتمال ولو بنسبة 1 % من أن قريش كانت تعبد شيئاً غير الأصنام، شيء ليس له علاقة بكل هذه الترهات؟
فإن قيل لي: لكن القرآن يتحدث عن قوم وقبيلة اسمها قريش، كانت تعبد الجن، والملائكة، وادعت لله الولد والصاحبة، وجعلت له بنات، وجعلت بينه وبين الجن صلة نسب؟
أجبت على الفور: حسبي كتاب الحكم بن هشام بن السائب الكلبي، فهو مرجعي ومرجع كل باحث ومؤرخ، صحيح أنه جاء بعد الهجرة بمائة وخمسين عاما، ولكن لا دخل لي فهكذا أريد لي أن أكون. ثم لا تنسوا أن لدينا سنة، وهي حاكمة على القرآن، وقد أخبرتنا أن النبي قبل البعثة أهدى شاة لصنم ما! حتى وإن قلتم: إن عبادة الأصنام قرآنياً اختص بها قوم إبراهيم خليل الرحمن، ووجدها قوم موسى عند قوم مروا عليهم بعد نجاتهم من فرعون فقط، وإن إبراهيم أبانا دعا ربه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام، فهل هو غير مستجاب الدعوة؟
أجبت: دعوني للكذاب الكلبي الممنوع عند المحدثين الأخذ برواياته، والمقدم على القرآن عند المؤرخين في الاعتماد عليه.
ثم لست أنا الملوم، بل أنتم، ولست الجاني بل مؤرخوكم وفقهاؤكم ونحاتكم، أما أنا فقد قدمني صاحبي لكم براءة للذمة، وبلاغا للحقيقة، وبيانا للمحجة البيضاء التي زغتم عنها.
تلك كلماتٌ وردت على لسان هذا الكتاب في هذا الفصل، وغداً يتم الرحمن نوره.

أترك تعليقاً

التعليقات