وقفة على تخوم ميدان الصراع الأزلي
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يبقى الناس في ظل واقع التنازع والصراع، الذي يُعرف قرآنياً بـ«سنة التدافع»، منقسمين إلى تيارين متضادين، أحدهما سلبي، والآخر إيجابي، تيارين لكلٍّ منهما أقطابه ومرجعياته وممثلوه وطرقه وآثاره، ولا تكاد تخلو منهما أي مرحلة من المراحل الزمنية، على امتداد تاريخ البشرية، ولا تزال المعركة بين هذين التيارين في أوجها، في حاضرنا الإنساني، وذلك لأجل الحصول على المقومات التي متى ما استطاع أحدهما امتلاكها، استطاع التحكم بحركة الناس حاضراً ومستقبلاً. هذان التياران هما:
• التيار الأموي القرشي، الحامل لمشروع الفساد والإفساد، العامل على مسخ الفطرة، وقلب المفاهيم، وتجميد العقول، وتطويع الإرادات، وتشويه الحقائق، وتعميم الخرافات، وتغيير معالم الدين القويم، ورعاية الوجود الطبقي، القائم على العصبية والجهل، ليصير المجتمع إلى واقع مليء بالتناقضات والنزاعات، التي تجعله ما بين غني وفقير، شريف ووضيع، قوي وضعيف، ظالم ومظلوم، ولا مجال لحدوث أي تغيير في هكذا تراتبية في المواضع والمقامات هذه، إذ على الفقير والضعيف والمظلوم أن يرضى بواقعه، ويتكيف مع الحالات والأوضاع التي هو عليها، فالدنيا ليست له، ولينتظر القيامة، كي يحصل على كل نعيم، جزاء صبره، وإذا ما حاول التمرد على واقعه، كان خارجاً على الدين، شاقاً لعصا الطاعة بين المسلمين، ينازع خليفة الله قميصه الذي ألبسه له سبحانه! فيصبح الدين بهذا المعنى أداة تخدير واستعباد، بعد أن كان عامل تثوير وتحرير ومساواة.
• التيار العلوي المحمدي، القائم على منهج الله، الساعي لإقامة القسط بين الناس، المؤمن بالمساواة، فلا طبقة أحق من طبقة، ولا عرق أفضل من عرق، ولا حاكم فوق المحكومين يحق له أن يفعل ما يشاء ولا يحق لأحد الاعتراض على فعله، بل الكل عبيد/ عباد لله، مربوبون له، ثم ليس هنالك من إمكانية لضياع حق الضعيف نتيجة قوة ومكانة خصمه، ولا إلغاء لوجود الفقراء كي تصبح الساحة للأثرياء يظلمون ويبغون ويفسدون ويستحوذون على أقوات ومعايش الناس، فالعدالة أساس الحكم، وأولوية الحاكم، الذي لا يطلب العدل بالجور، ولا يسقط في ظله حق من حقوق الناس، على المستويين الخاص والعام، حتى لو كان ذلك الحق قد مضى على سلبه زمن طويل، وبنى به مغتصبه القصور، وتزوج به النساء، وملك به الضِّياع والعقارات، فمن ضاق به العدل، فإن الجور عليه أضيق، وهو فوق ذلك يشجع على تنامي الوعي، ويدعم التنوير، ويحث على النقد، ويحارب الجهل والخرافة، ويحفظ للناس كراماتهم، ويضمن حرياتهم الفكرية، ويرعى شؤونهم ومصالحهم.
ويكفي للتمييز بين التيارين أن نعرف: نظرة كلٍّ منهما لأتباعه؛ إذ التابع في قاموس التيار الأموي: مجرد أداة بيد الحاكم، شأنه شأن العصا أو الحذاء لا أكثر، بينما التابع أو المنتمي في قاموس التيار العلوي: إنسان له وجود، ذو إرادة وفكر، يحق له المشاركة في القرار، حر في ما يقول ويختار، ما دام قوله واختياره لا يضر بالناس، ولا يهدم حقاً، ولا يدعم باطلاً.

أترك تعليقاً

التعليقات