مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كانت البسملة هي الشاهد الأكبر على حجم العدوانية والمقت اللذين حملتهما قوى الشرك، تجاه الاسم العظيم للذات الإلهية "الرحمن" الذي لولا وجوده ضمن البسملة لما تعرضت هي الأخرى لكل هذا المحو والظلم والنكران من قبل العقلية الشركية، التي هي عقلية مكونة من قوى وتيارات وإمبراطوريات كبرى، تمازجت مصالحها، وتساوت أطماعها، واتحدت أهدافها وغاياتها، وعليه كانت ثقافتها العقائدية معقدة ومتشابكة، وليست كما صوروها لنا بتلك السذاجة، بحيث إن كل قبيلة اتجهت بالعبادة لصنم ما وانتهى الأمر، بل على العكس تماماً، فمجتمع الشرك كان له فلسفته اللاهوتية، وثقافته المنحرفة الواسعة، التي تداخل فيها إسهام كل الفرق المنحرفة من كل ديانة، وأصبحت في ما بعد عقيدة ودينا واحدا يجمع تحته كل أولئك، من قيصر، إلى أبي سفيان. فكلمة شرك ذات مفهوم كبير، يدخل ضمنه كل القوى اليهودية والمسيحية والقبائل العربية التي ربطها بالروم والحبشة واليهود أكثر من بعد ومجال، كقريش وأحلافها. كما ليس المقصود بأهل الكتاب كل يهود، أو مسيحيين، وإنما فئة بعينها، كما سيصبح في ما بعد العرب من المسلمين أهل كتاب، مع وجود مسلمين في كل العالم فإنهم سيبقون مسلمين، وليسوا أهل كتاب. وتلك إشارة مهمة انفرد بها كتاب "الرحمن اللّغز الأكبر" ليفتح بها أمام العقل العربي المسلم المعاصر الباب لفهم طبيعة الصراع، فالمشكلة كانت ولاتزال بين الوحدانية والثالوث، الذي كان ممثلوه لا يجدون حرجاً من ذكر اسم الله، والاعتراف به كخالق ورازق ومميت ومحيي الخ، ولكن شريطة أن يبقى هكذا كاسم، لا يهدد عقيدتهم، ولا يشير إلى أي معنى له صلة بالوحدانية.
من هنا يتضح لماذا تم رفض البسملة من قبل قريش، وذلك لكونها جاءت بالاسم الرحمن إلى جانب اسم الله، الأمر الذي سيعيد لاسم الله معناه التوحيدي، ويحرره من كل ما قد علق به من مفاهيم وأفكار شركية. إضافة إلى أن الرحمن ليس معنى فحسب، ولا اسما للذات الإلهية فقط، بل هو واسم الله يعبران عن مفهوم الوحدانية الخالصة، لذلك اتجهت قوى الشرك من روم وغساسنة وأحباش وقرشيين وأحلافهم من بني سليم وهوازن وثقيف ونجرانيين وأشاعرة إلى محاربة المفهوم الذي يعبر عنه اسم الرحمن، وتؤديه بكليته البسملة، والتي باتت هي مفتتح كل قول وعمل للرسول [ص] وأتباعه.
ثم مَن يدري، أن اختراع الرواة لقصة الحديبية ومفاوض النبي فيها، وباسمك اللهم كانت مجرد تغطية على ما هو أكبر؟! لاسيما أن مَن اعتبرته السيرة ممثل قريش معروف بأنه من بين الحمقى، والراوي لهذا مروان، خيط الباطل. فقد تكون الحقيقة أنها كانت تغطية على بسم الأب والابن وروح القدس.
ولقد أدركت الأحزاب الشركية الطويلة العريضة أن السبيل لضرب المفهوم الذي يؤديه الرحمن، لن يكون إلا بالدخول في الإسلام، وذاك ما تم على يد بني أمية، الذين أفرغوا البسملة من قدسيتها، ورفضوا قرآنيتها، وأمروا بالإسرار بها عند التلاوة، واعتبروا ذلك سنة.
وكان معاوية هو المهندس لاستبعاد البسملة، والمنفذ لخطة المشركين، فلم يكن يخشى هو وأمثاله إلا الرحمن فيما لو ظل بلا تزييف وتحريف، والاعتراف بالنبوة في ما لو بقيت على حقيقتها ونقاوتها وجاذبيتها، لذلك استبعدوا البسملة من القرآن، وتبعهم معظم المسلمين.
لكن ذلك لا يكفي للقضاء على المفهوم الذي يؤديه اسم الرحمن، فكان لا بد من اختراع قصة رحمن اليمامة.

أترك تعليقاً

التعليقات