مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
مع كتاب "الرحمن اللّغز الأكبر" لنشوان محسن دماج، نمضي، وفي رحابك يا رحمن نستظل، فاتحين لمعاني كمالك وجلالك، ومضامين قدسك وكبريائك، وشواهد إحقاقك للحق، ولو كره المشركون، الذين جعلوك واحداً بمعنى العدد، وادعوا لك الزوجة والولد، وجعلوا الملائكة بناتك، ودنسوا بيتك، وحرفوا تاريخ خاتم رسلك، وشوهوا وطمسوا معالم دينك. فلم يبقوا باقية من حقيقة، ولم يتركوا شائبة إلا وأوردوها مورد الحقيقة، فسمموا العقول، وقتلوا الوحدانية، وغيروا وبدلوا في كل شيء حتى استطاعوا مسخ الفطرة، وأوجدوا الوحش بكيان كل إنسان، الأمر الذي جعل معظم المسلمين منطبعين بطابع الحيوانات، وإن ظلوا من حيث الشكل الخارجي على آدميتهم، فهناك ذئاب وثعابين وثعالب وبقر وحمير، وهناك مَن بلغ مبلغاً أحط من كل ما سبق، إذ لم يعد حتى من فصيلة الحيوان، ولا يقارن حتى مع الحشرات.
كل ذلك تم بفعل التاريخ ورواته، والحديث والفقه وسدنتهما، والتفسير واللغة ورجالهما. فالعرب عبدة أصنام حين بعثت نبيك بالحق، وبيئته تلك في مكة كانت منزهة عن الاتهام بالمسيحية وعبادة الجن والملائكة. وكل ما هنالك هو أصنام لا غير. حتى وإن كان كتابك العزيز القرآن يقول غير ذلك، ويشهد بوجود بيئة مسيحية، وتركيب معقد لأكثر من إله عبدته تلك المجتمعات، فهو مصروف إلى نصارى نجران، وسواها، أما قريش فحاشا وكلا! فهي تعبد هبل وسواه من أصنام فقط.
ولكن برغم أنوف تلك القوى، بقي ما يشهد بالحق لكتابك، ويؤكد وجود ثالوثية عبادية عرفتها قريش، والتزمتها كدين معبر عن تبعيتها لبيزنطة، القوة الكبرى حينها، وما حادثة هدم الكعبة إلا خير شاهد ودليل على ذلك.
هنا فقط تمت الحجة
أي حادثة تلك التي قضت على آخر قلاع الوحدانية، ورسمت للعرب مسارا جديدا للدين، وأعطت الواقع صبغة كنسية؟!
إنها حادثة هدم قريش للكعبة. ولكن أي قريش؟ قريش الأموية المخزومية، قريش المرتبطة بالروم، قريش الكنسية، قريش التي عادت محمد وعلي والحسين، قريش أبي سفيان والوليد بن المغيرة. الوليد؟
ومَن تصدر الهدم سواه، وكان فأسه هو الذي تولى هدم أول حجر لبيت الله، وطمس أول معلم من معالم الوحدانية.
أدري أن الرواة قد صرفوك إلى حادثة الفيل، مع أنها لا علاقة لها بالكعبة، ولكن تعال واسمع تخريجات الرواة، وتمحلات المؤرخين، وحجج الإخباريين، التي يدفعون بها عن قريش الريبة، ويدحضون عنها عار الشبهة، فالكعبة ليست سوى رضم، وقريش أرادت الإصلاح لبيت ربها، بعد أن حصل به ما حصل نتيجة سيل، أو حريق، أو حملة سرقة. والوليد رجل حريص على بيت الله، مبادر من أجل بقاء معالم الدين الحق.
لذلك فقولهم: ابنوه بناء الكنائس، ليس دليلا على وجود صراع بين فريق الوحدانية ممثلاً بعبدالمطلب، وفريق المسيحية على رأسه الوليد، الذي لم يعترض طريقه سوى حية عمرها 500 عام، قيض الله لها طيرا خلصهم منها، ولا تلتفت لما يقال: إنها مجرد رمز لحالة الاعتراض الوحيد المتبنى من عبدالمطلب.
أما اتهام ابن المغيرة بالزندقة، التي هي هنا بمعنى الهرطقة، فليس سوى حقيقة تفلتت من بين مخالب الرواة، مثلها مثل قولهم: ابنوه مكنساً، أو بناء الشام، أو الكنائس، فلا يمكن لها إبانة عين الشمس لعين العمى العربي.
فإن قلت: ماذا عن وصية الوليد بن المغيرة وهو يموت برد دين لأسقف الشام أو نجران؟ تعذر علينا مجادلتك، واستحال على رواة تاريخنا دحض حجتك.
لأن الأسقف لا يوجد لقميصه جيوب، ولا يملك مالا، ولا يستطيع بناء علاقات شخصية، باعتباره ملك كنيسة، يعمل بأمرها، ويعبر عن سياستها، ولذلك فهو واسطة بين الوليد ورعاتها، ويد لبيزنطة مدت لتوسعة نفوذ، وبناء كنيس محل الكعبة يظل فقط لا يملك سوى اسمها، ثم ما شأن مَن لا يؤمن بآخرة ورد الدين؟! كل ذلك دليل لكل ذي عقل على طبيعة الصراع وتياراته واتجاهاته.

أترك تعليقاً

التعليقات