سلامٌ عليهم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قرأت مؤخراً ما يزيد عن عشرين كتاباً، وجميعها ما هي إلا نزر يسير من سلسلة كبيرة من الكتب والمؤلفات التي تحكي جميع تفاصيل معركة الدفاع المقدس التي امتدت لثمانية أعوام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقيمة تلك الكتب تعود إلى طبيعة المحتوى الذي يقوم على نقل وقائع تلك المرحلة بجميع تفاصيلها، بأساليب فنية، وبأحاسيس مرهفة لا تقف بك عند معرفة ذلك الواقع وتكوين تصور لديك عنه، بل تنقلك مباشرةً إلى تلك الحقبة الزمنية لتجد نفسك وقد أصبحت وجهاً لوجه مع من صنعوا تلك الملاحم، وصرت واحداً منهم، تعيش معاناتهم. وما إن تنتهي من كتاب إلا وتجد ما يدفعك بقوة لقراءة الكتاب الآخر الذي يشكل عنوانه عامل جذب لا تملك أمامه إلا الاندماج بغرض السفر في رحلة تأخذك إلى ما وراء المادي وتحلق بك في رحاب المطلق، بالإضافة إلى أنها تريك صورة من صور الجنة على الأرض، إذ تجد نفسك وقد أصبحت واحداً من فرقة الأخيار، أو فرداً ضمن ملحمة الثلاثة والعشرين فتى، أو شاهداً على حفلة الخضاب بالدم كمقدمة لبدء مراسم عرس الشهادة، أو جزءاً لا يتجزأ من صاحب كتاب القدم التي كانت هناك.
لم تكتفِ قيادة الجمهورية الإسلامية حينها بتوثيق تلك الملاحم بالصوت والصورة، بل اختارت مع كل فصيل من المجاهدين شخصاً عنده شغف بالكتابة إلى جانب امتلاكه للموهبة الأدبية والحس الفني المرهف، ما يجعله حاضراً لتسجيل جميع ما تقع عليه عينه من مشاهد وتدوين جميع ما يمر به الفصيل من أحداث ومعاناة وما يعيشه في اليوم والليلة على كل المستويات سواءً على المستوى الفردي أم الجماعي.
وهكذا أدركت الجمهورية الإسلامية أن الإذاعات والقنوات والندوات والمحاضرات لا تكفي وحدها من أجل تعميم ثقافة الجهاد وتعزيز الوعي بقيمة الثورة وعظمة الشهادة، فتلك الوسائل هي من أجل تثقيف عامة الناس، أما إذا أردنا العمل على كسب قناعة المثقف وتغيير تصوره المغلوط تجاه القضايا والأحداث والمفاهيم والقيم والمبادئ التي يقف على الضد منها فلا بد من التوجه إلى تشجيع الدراسات والأبحاث التي تؤرخ للمرحلة وتدرسها من جميع جوانبها، من خلال إنشاء مؤسسات ومراكز علمية وبحثية تكون متخصصة كلياً بمعركتنا العادلة وموقفنا الحق، وبهذا فقط نستطيع تثقيف العامي وإقناع المثقف الذي يحتاج بلا شك في عملية الوصول إليه إلى اعتماد الطرق العلمية ذات الطابع المنهجي الذي يخاطب الفكر والوجدان بأكثر من أسلوب.
والحقيقة؛ أنه لا يوجد شعب من الشعوب المسلمة يرقى إلى جزء من ما عليه الإيرانيون، فناً وأدباً وسموا روحيا، وثباتاً على الحق، واستعداداً لللتضحية والفناء في سبيل الله والمستضعفين.
وقد لخص ذلك كله الزميل العزيز (نشوان دماج)، في قوله لي ذات يوم: «الإيرانيون أكثر شعوب الارض إيمانا، هذا ما تفصح عنه ومن أقرب طريق ألحانهم وموسيقاهم. لقد عرفت لماذا اتجه الأئمة إلى إيران، وصبوا اهتمامهم لبناء الإنسان هناك، لأنه شعلة إيمان متوهجة ينعكس نورها على كل شيء. تستشف ذلك حتى في نبرة الحروف وهي تعطى حقها من عيشها والإحساس بها.
ليست موسيقى هذه. إنها سماوات.
وليست أصوات كمان ولا ناي، بل أرواح تنبعث من وراء الغيب وتنساب عذبة كأن المرء قد عاشها منذ الأزل.
قارن بين هذه الألحان البسيطة وبين ألحاننا المعقدة النابعة من حالة كفرية عشناها ونعيشها فانعكست على كل شيء.
ألحاننا لا علاقة لها بالروح، لأنها ببساطة حالة كفرية، مثلما أن شعرنا كذلك هو أيضا.
ليست المسألة في فخامة اللفظ وأناقة العبارة بقدر ما أنه فقد الشعور بالمفردات والخواء الذي لم يعد له أن يمتلئ أبدا، بعد أن رفضنا العيون الصافية، فكان لتلك العيون أن تستبدلنا بغيرنا. إنه الجزاء الوفاق ولا شيء آخر. فهنيئا لكم أيها الإيرانيون الذين أنتم مصداق حقيقي لقول الله (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)».
فسلامٌ على إيران، في العالمين.

أترك تعليقاً

التعليقات