ظلمات منوفيزية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أدركت منظومة الشر المنوفيزية الثالوثية النقطة الحساسة التي متى ما تم ضربها تم ضرب الرسالة المحمدية الخاتمة، بل والقضاء التام على كل العوامل التي تثبت واحدية المنطلق لكل الرسالات السابقة، الذي هو الوحدانية. فكل نبي من أنبياء الله ورسله عليهم السلام، كان يكمل ما بدأه سلفه، ويتمم الدستور الرحماني الذي بعث الله به جميع الرسل بناءً على ما يستجد من قضايا وإشكالات نتيجة تطور الحياة، وما يصحبها من حركة للإنسان، وما ينتج عن تلك الحركة من شطط وزيغ عن صراط الله، نتيجة التحريف لكتبه، والنسيان لما ذكروا به، والميل لعبادة الهوى، وتقديس المال والخوف من السلطان. هذه النقطة الحساسة التي عزمت بيزنطة والحبشة على ضربها، وجيشتا لها كل أحلافهما من الأعراب تحت راية الثالوث، هي التاريخ اليمني. التاريخ الذي يمثل صلة الوصل بين إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، وبتحريفه أو القضاء عليه، وقلب حقائقه، تكون الرسالة الخاتمة التي جاءت لتتمم مكارم الأخلاق، وتشيع النور والعدل والرحمة للعالمين، قد فقدت عمقها التاريخي، وصارت منفصلة عن حركة النبوة لا امتداداً لها، كما سيصبح من السهل عليها القيام بتحريف الرسالة المحمدية ذاتها في ما بعد.
من هنا ندرك أن كل ما قامت به الإمبراطورية الشرقية المنوفيزية ببيزنطييها وأحباشها وغساسنتها وقرشييها وأشاعرتها من تجييش للجيوش، ورصد للميزانيات، وإيجاد للمؤرخين والإخباريين الذين يتبنون سرديتها لم يكن متأتياً من فراغ! بل كان يهدف لضرب حقيقة الرسالة الخالدة الخاتمة، التي تعد اليمن متبوأها ومستقرها وحاضنتها، كيف لا وهي مَن كان رجالها مسكونين بالوحدانية، منتظرين لشمس البشارة؟! ألم يقل محمد صلوات الله عليه وآله: إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن؟
هنا كلمة السر. هنا ندرك طبيعة العدوانية التي أبدتها قريش تجاه الاسم (الرحمن) فالمسألة لم تكن ناجمة عن فراغ، بل هي عدوانية متأصلة في أعماقها، عدوانية متوارثة لدى طرفيها المنوفيزي، لذلك نرى أنه بمجرد أن يدعوها الرسول صلى الله عليه وآله، لعبادة الرحمن يجن جنونها، وتجد نفسها مهزومة، بعد أن اعتقدت أنها تتربع على قمة النصر، لذلك علا ضجيجها، واشتد غضبها، نتيجة شعورها بالفشل، واستيقاظها من الوهم الذي كرست له مع أسيادها الروم والأحباش وبقية التوابع كل جهودها.
فكيف يأتي محمدٌ بهذا الاسم، بعد أن تنفس هذا الحلف الصعداء بالقضاء عليه، وذلك حينما تداعى المنوفيزيون عن بكرة أبيهم للنفير العام ضد الملك يوسف أسار، الذي تم القضاء عليه قبل عقود من هذه الصدمة التي صدع بها محمد؟
لكن لا. فلايزال بنو أمية، وبنو العباس موجودين، وسيوكل إليهم ضرب هذا الاسم، وإفراغه من محتواه الدلالي، وبالتالي إعلان الحرب على كل ما له صلة به، حتى وإن كان البسملة، ولا عاصم لها من حربهما، ولو كانت آية في القرآن!
أما أنت أيها الملك الرحماني يوسف أسار: فسوف نريك عاقبة التمهيد لرسالة محمد، وفداحة الجرم الذي قمت به، وهو احتفاظك وتنميتك للجذور التي شكل محمد امتدادا لها. إن القضاء عليك بكل تلك القوة المفرطة لن يشفي غليلنا، بل سوف ننتقم منك أكثر، ونحملك عار جريمة لم ترتكبها، إنها أكبر جريمة عرفها التاريخ! إنها جريمة حرق أصحاب الأخدود. لا تندهش، كل ما في الأمر؛ أننا سنقوم بحرف قصة هذه الجريمة عن مكانها، ونستبدل شخصياتها، بحيث نقوم بجعل مكانها ضمن مملكتك، ونلصق عارها بك، وبالتالي يأتي القرآن الذي يفترض به أن ينتصر لك، ليكون هو مَن يدينك، وينتصر لنا ضدك.
ليس هذا فحسب. بل إننا قد ضربنا بهذه الخطة الشيطانية عصفورين بحجر: ضربنا مصداقية القرآن. وثانياً أفرغنا ثورتك من أهدافها وغاياتها.
هكذا تم الأمر، فتحول اللسان العربي المبين إلى طلسم، وهكذا اقتبسنا من كتاب (الرحمن اللّغز الأكبر) لنشوان دماج ما يعينك على السير في بطن ظلمات المنوفيزية.

أترك تعليقاً

التعليقات