علامات الامتداد الحسيني
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
اعتمدت ثورة الإمام الحسين (ع) على مخزونها الداخلي وعلى هويتها الخاصة، ولم تلجأ إلى أنصاف الحلول، أو تقمْ بتقديم تنازلات في أمور قد تبدو للوهلة الأولى أنها أمور فرعية في المطالب، لكن حقيقتها أنها جوهرية مجرد التنازل عنها هو تنازل عن الجوهر، فرفض الحسين (ع) لبيعة يزيد كليا، لأن مثله الذي يمثل طريق الحق والعدالة، لا يمكن أن يلتقي مع مثل يزيد الذي يمثل سلطة الجور والظلم وسلب الحقوق، حتى لو كان هناك ممارسات وحشية عنفية من سلطة يزيد وتهديد مباشر لحياة الحسين (ع) ووجوده بشكل كامل، لماذا؟
لأن الحق لا يعرف أنصاف الحلول.
إن أهم ما أراد الحسين (ع) ترسيخه في وجود ووجدان الرساليين عبر العصور، الذين يعدون أنفسهم امتداداً طبيعياً لدين محمد وآل محمد، من خلال ثورته هو: أن الاستحواذ الحركي في مواجهة الفساد، هو فساد بذاته، وبهذه الجزئية يمكنك أن تميز حراكك في مواجهة الفساد عن الآخرين لاختلاف الأهداف والآليات، لكن لا يمكنك أن تستحوذ على الحراك، بحجة الإصلاح والتغيير، وتستحوذ على الحق بأنك الأحق به، كما لا يمكن لمصلح تغييري يدعي انتماءه لهذه المدرسة، ويلتزم الإسلام المحمدي، ويقول عن نفسه: إنه امتداد أصيل للدين الحق والحقيقي، أن يثور على الوضع الفاسد الظالم، ثم يبرر هتك كرامات وانتقاص حقوق خصومه ومخالفيه، بحجة أنهم عملاء، أو بحجة أنهم كانوا من النظام السابق، أو أنهم ضمن المتورطين بالعمالة والفساد، فالحامل للحق يعي أن البينة على من ادعى، ولهم الحق في محاكمات عادلة حتى في لحظات الثورة، فليس ثمة فساد يرقى إلى الفساد الناتج عن الظلم، بل هو أشد أنواع الفساد، ولا يمكن للعدالة أن تتحقق بفساد الأدوات والطرق.
ولا يمكن لمصلح تغييري حقيقي ثائر يطلب تغيير الوضع الفاسد، بأن يرتكب جرائم قتل عشوائية، أو يقدم على ممارسات تعسفية من سجن وعزل وتهميش بحق مخالفيه ومعارضيه، حتى ولو أن بعضهم كان موجودا في النظام الفاسد، بحجة تثبيت دعائم الثورة، ولا يمكن التوسل بالفوضى واستخدام سذاجة الناس وعفويتهم، في تبرير فساد فاسد، وظلم ظالم، أو استغلال القضايا الكبرى، والتحديات الخارجية، وحجم المؤامرات والأخطار العدوانية التي تتهدد وجود مجتمع الحق، في إجبار الحاضنة الشعبية على السكوت عن كل الذين يسهمون في مفاقمة جوعهم وفقرهم القائم، فالحسيني يرفض أن يصبح أنصاره مجرد وقود للمواجهة والمعركة ضد الفساد والظلم والاستكبار، والاستبداد، كما أنه لا يمكن له الإقدام على شيء أو الدخول في أي مواجهة دون أن يدركوا تبعات مشاركتهم وخياراتهم لذلك، ودون أن يبذل جهدا في شرح الواقع لهم وتبعات الحراك، وحجم التضحيات المطلوبة، حتى يكون لهم حرية وإرادة الاختيار. كما فعل الحسين عليه السلام مع أصحابه في ليلة عاشوراء ووضح له ما هم مقبلون عليه، وأباح لهم الذهاب، ليكون خيارهم خيارا حقيقيا عن وعي وبصيرة وإدراك، وإرادة جدية نبيهة واختيار حر غير متردد.
هذا هو الحسين، وهذه هي ثورته، وهذا هو نهجه، ولا يجوز الإغفال لأي جزئية من جزئيات نهضته، لكون الثورات النظيفة لم تبق غالبا وتنتصر بالمفهوم المادي للانتصار، وإن حققت نصرا استراتيجيا من خلال تثبيت منظومة القيم والمعايير لتصبح مرجعية معيارية من جهة، ومنهج يشكل نموذجا من جهة أخرى.
إن حركات التغيير والإصلاح لا يمكن أن تنجح وفق معايير النجاح الحقيقية، إلا إذا تأسست على قاعدة ومنظومة ثابتة من المعايير والمبادئ القيمية والأخلاقية، وجعلت مقاصدها العليا: حرية، عدالة، كرامة.
فالحرية لا يمكنها أن تحقق العدالة إلا إذا انضبطت هي بميزان العدالة، وتحرر الناس من كل أنواع العبوديات وأهمها عبودية الذات والشهوات، والعدالة لا تتحقق إلا إذا حققت الكرامة للجميع.
أما المساواة فهي فرع من فروع العدالة المنضبطة بها، لأن ليس كل مساواة تحقق العدالة، بل تكون في أحايينَ كثيرة، هي الظلم بعينه.

أترك تعليقاً

التعليقات