مروان ناصح

مروان ناصح  / لا ميديا -
شباب لا يشبه النضج ولا يشبه الطفولة
كانوا يقولون لنا: أنتم شباب الآن!
لكننا لم نكن نعرف تماماً ما يعنيه ذلك.
لم نعد أطفالاً نركض وراء الطائرات الورقية، ولم نصبح كباراً نجلس لنحصي ما خسرنا... كنا بين بين.
كنا نضجاً في هيئة سؤال، وطفولةً تخجل من البكاء.

حين كان الحلم 
أكبر من الواقع
في مرحلة الشباب، لم نكن نُحسن قياس المسافات. كنا نحلم بأن نغيّر العالم في أسبوع، ونكتب رواية خالدة في ليلة، ونحب حباً لا يموت منذ اللقاء الأول.
كانت الأحلام سهلة؛ لأننا لم نجرب الانكسار بعد. وكان العالم يبدو لنا أقلّ تعقيداً مما هو عليه، وكانت الحرية مجرّد رغبة أن نقول "لا" ونمشي، دون أن نفكر في العواقب.

الهوية.. والقلق النبيل
في تلك السنوات، كان سؤال الهوية حارقاً: من نحن؟! وماذا نريد؟!
نلبس ما لا يشبهنا لنكتشف ما يشبهنا، نُجرب صداقات سريعة لنتعلم مَن يبقى، نغضب دون سبب لنفهم ما الذي يستحق الغضب...
كنا نتنقّل بين الأفكار كما يتنقّل العاشق بين القصائد، نُحاور، نثور، نغضب، نندم... ثم نعود إلى الصمت، كأننا نعيد ترتيب العالم داخلنا.

حين كان الحبّ أول الدروس وأقساها
في تلك المرحلة، كان القلب يسبق العقل، وكان للحب طعمٌ لا يشبه شيئاً بعده.
كنا نكتب الرسائل الورقية، وننتظر الرد أياماً، نحفظ نبرة الصوت، ونخاف أن ننساها.
كنا نَجرح ونُجرَح، ونظن أن هذا هو آخر الألم، ثم نكبر لنفهم أن تلك الندوب الأولى كانت ضرورية لنُصبح كما نحن اليوم.

الجامعة.. والاصطدام بالعالم
كانت الجامعة حلماً. وحين دخلناها، اكتشفنا أن الحلم لا يشبه الواقع كثيراً.
هناك من وجد نفسه فيها، وهناك من ضاع أكثر.
لكنها كانت المساحة الأولى التي نرى فيها الآخر المختلف عنّا، والتي نكتشف فيها أن الطريق لا مرشد له إلا التجربة، ولا معلم له إلا الفشل أحياناً.

الشباب..
 زمن التفاصيل الكبيرة
نعم، كانت التفاصيل اليومية تحمل معنى مختلفاً:
المقهى الأول الذي كتبنا فيه خواطرنا، الكتاب الأول الذي هزّ قناعاتنا، الخطأ الأول الذي بكينا بسببه، الرحلة الأولى التي جعلتنا نصدّق أننا نستطيع أن نعبر العالم وحدنا...
كنا نُعطي لكل لحظة وزناً، ولكل شخص مكانة؛ لأن كل شيء كان يحدث لأول مرة.

من ذلك الزمن.. إلى اليوم
اليوم، حين نعود بذاكرتنا إلى تلك المرحلة. لا نراها ناضجة ولا طفولية.
نراها كما كانت: عاريةً من التجربة؛ لكنها ممتلئة بالحياة.
مرحلةٌ لا تشبه غيرها؛ لأنها كانت الممرّ الإجباري لنفهم من نكون.
نحزن على بعض حماقاتها، ونبتسم حين نراها الآن بعين أكثر هدوءً.
لكننا نوقن دائماً: لولا ذاك الشباب، لما عرفنا طريق النضج، ولا طعم الحنين.

أترك تعليقاً

التعليقات