مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
الرحلة إلى البحر.. باب المغامرة والدهشة
كانت الرحلة المدرسية الأولى إلى الساحل من مدينتنا الداخلية البعيدة، مغامرة لا تُنسى، وبوابة لعالم جديد من المشاعر والانفعالات.
كل شيء فيها كان مفعمًا بالترقب، الحماس، والفضول الذي يسبق اكتشاف البحر لأول مرة.

الترقب قبل الرحلة
قبل الرحلة بأيام، كان الحديث عن البحر لا يهدأ بين الطلاب.
القلوب تخفق شوقًا، والدفاتر تمتلئ برسم أمواج وأصداف، كأننا نتحضر نفسيًا للقاء عظيم.
كنا نحزم حقائب صغيرة، نضع فيها السندويشات، الماء، وقبعات الشمس، ونختار ملابس البحر التي نتخيلها مناسبة للعب والسباحة.
المدرسة تغلي بالنشاط؛ المعلمون يعدّون القوائم، والأصدقاء يتبادلون النصائح والقصص عن البحر، مما قرأ أو رأى في السينما من مناظر البحر والسابحين على شواطئه.

ركوب الحافلة
والمسافات الطويلة
ركوب الحافلة كان تجربة مليئة بالإثارة.
المقاعد الخلفية كانت ميدانًا للمرح، وأحاديث الطلاب تتشابك مع أصوات محركات الحافلة.
من النافذة نراقب الحقول، الجبال، والأنهار تتغير تدريجيًا، وكل مشهد جديد يزيد من شوقنا. أحيانا نردد الأغاني الشعبية مع التصفيق، وأحيانًا نختلق مسابقات مرتجلة: من يستطيع رؤية أول شجرة نخيل؟، أو أول بستان على الطريق؟
كانت الضحكات تتعالى، ومع كل مطب صغير تهتز المقاعد، ويزداد المرح أكثر.

أول رؤية للبحر
حين نصل أخيرًا، تتوقف الكلمات أمام امتداد البحر الأزرق، تتلألأ المياه تحت الشمس، والنسيم المنعش يلامس وجوهنا.
صوت الأمواج، رائحة الملح، كل ذلك يشعرنا بأن العالم كله جديد وبلا حدود. بعضنا يركض مباشرة نحو المياه، أقدامنا تترك آثارًا صغيرة على الرمل الناعم، بينما آخرون يقفون مذهولين، ولسان حالهم يقول: "انظروا! لم أر شيئًا بهذه الروعة من قبل!".

اللعب والسباحة
على الشاطئ
المرح يبدأ فورًا. نركض، نلعب الكرة على الرمل، وتغوص أقدامنا الحافية في الأمواج الصغيرة.
الضحكات تتعالى فرحًا عند الاصطدام بالموجة. المعلمون يراقبون بابتسامة، أحيانًا يشاركوننا اللعب أو يذكروننا بشروط السلامة.
نجرّب أيضًا سباقات صغيرة بين الأصدقاء في السباحة، ولعب الكرة في الماء، وما أكثر المواقف الطريفة حين تقذف الأمواج بكراتنا بعيدا، ومحاولة كل منا أن يسبق الآخرين لاستعادتها.

الغداء والراحة
بعد ساعات من السباحة واللعب، نجلس على الشاطئ لتناول الغداء. السندويشات والفواكه تصبح أطعمة أسطورية، كل لقمة تحمل مذاقا جديدا.
نتبادل استعراضنا لمغامرات اليوم، ونضحك على المواقف الطريفة. بعض الزملاء يغفون قليلًا على الرمل الدافئ، بينما آخرون يحفرون خنادق صغيرة، أو يجمعون الأصداف الملونة.

العودة والشعور بالحنين
حين يحين وقت العودة، نودع البحر، لكنه نحمل في أعماقنا أثره العميق.
رائحة الملح، أصوات الأمواج، وألوان السماء عند الغروب تبقى محفورة في الذاكرة.
وفي الحافلة، نستلقي متعبين، نسترجع تفاصيل اليوم، ونعِد أنفسنا برحلة تالية لا ندري لها موعدا.

خاتمة
الرحلة المدرسية الأولى إلى البحر لم تكن محض سفرة إلى خارج حدود مدينتا؛ كانت طقسًا يجمع بين الترقب، الدهشة، اللعب، المرح، والمعرفة المباشرة.
كل لحظة فيها كانت درسًا في التعاون، المشاركة، وروح المغامرة.
وكلما استعدنا ذكريات البحر، رماله، أنسامه المالحة، صوت الأمواج، والأفق الذي بلا حدود، عادت إلينا مشاعر الدهشة والمرح، وسحر الانطلاق العفوي، في تجربة حية عشناها بكل أحاسيسنا، وحجزت لها في القلوب فرحة مشعة لا تذوي ولا تذوب.

أترك تعليقاً

التعليقات