مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
تأملات.. في وداع المراهقة!
تتفتح اللحظة الفاصلة بين المراهقة والشباب، كما تتفتح زهرة الصباح على ضوء خافت. يقف المراهق على شاطئ التجدد، يمسح بأطراف أصابعه رمال الماضي القريب، ويرنو إلى أمواج المستقبل تتألق أمامه: فرحاً يضحك بصوت خافت، حزناً يهمس في الظل، وأملاً يشق طريقه بين الألوان الزاهية والرمادية للحياة.
هنا يبدأ الشباب، حيث ستتجسد الأحلام وتُختبر الرغبات، ويصبح القرار إرادة، والحلم خطة ملموسة.

وداعاً صديقي.. أيها القلق!
المراهق يودع عالماً كانت ألوانه صاخبة. كانت الأرض تهتز تحت قدميه، والسماء أليفة بقدر ما هي ملبدة بالغيوم.
كانت المراهقة لوحة مرسومة بريشة السؤال والقلق، وها هو يغادرها على عجل؛ لكنه يحضن بقاياها في قلبه بذوراً لأحلامه القادمة.

الإبحار نحو أعماق الذات
مع اقتراب مطالع الشباب، يتحول المراهق إلى بحّار في محيط داخلي مترامي الأطراف، يغوص في طبقات أفكاره، يواجه تيارات الشك والفضول، ويبحث عن نفسه بين الأمواج المتلاطمة.
كل موجة عارمة ستعلمه التوازن، وكل نسيم لطيف يذكره بأشواقه الدفينة في بئر الروح.

الصداقات مرايا للنمو
العلاقات التي تكونت في المراهقة: أصدقاء كالمنارات يضيئون طريقه، وآخرون كالأفاعي ينسلون بلا وداع.
الفراق يُعرّف القلب بقيمة الاختيار والوعي، ويذكره بأن العلاقات في الشباب إنما تُبنى على التفاهم والصدق، لا على المصادفات وحدها.

الصراع مع الجسد والعاطفة
الجسد يعلن عن ذاته بصخب وهدوء متناوبين. والعاطفة تشب كالنار بلا إنذار. والمراهق يغدو شاهداً على تحوّل النفس والجسد، يتعلم الصبر على التحولات، ويمتزج خوفه بالدهشة، فتُصقل روحه استعداداً لعالم أكبر وأكثر تعقيداً.

بوادر المسؤولية
في مطلع الشباب، تبدأ المسؤولية بخطوات صغيرة: الواجبات الدراسية، القرارات اليومية، والأحلام المستقبلية.
كل خيار يحمل ثقل التجربة، وكل موقف يفتح باباً لفهم أعمق.
ليس التعلم بالكتب فحسب، بل بالممارسة، بالوعي، وبمواجهة نتائج أفعاله بحزم وهدوء.

الأحلام والخيال المتحرك
في استقبال الشباب، يصبح الخيال وقوداً للأمل، والأماني تتحول إلى خرائط تقوده نحو خيارات متعددة.
الشاب الآن يكتشف أن الحلم بلا خطة كالقارب بلا مجداف، وأنه بحاجة إلى دمج الواقع بالخيال ليمتلك قوة الانطلاق.

الحرية الواعية
الشباب يمنح شعوراً بالحرية؛ لكنها حرية مسؤولة.
إدراك الشاب قدراته وحدوده، واحترامه للآخرين ولمجتمعه، يجعله يتقلب بين المغامرة والاستقرار، بين التجريب والحكمة.
سيتعلم أن الحرية الحقيقية ليست في الفعل بلا ضابط، بل في التحكم الذكي بالخيارات، دون فقدان جذور القيم التي خبرتها المراهقة الطائشة.

خاتمة:
وداع المراهقة لوحة من الألم الجميل، من فرح ممزوج بالحنين، ومن ترقب يتحاور مع إشراقات الأمل.
إنه استعداد القلب والعقل لاستقبال مرحلة غامضة أخرى، بكل ما تخبئه من تحديات ومسؤوليات. إنه في مفترق صعب. إنه لقاء في لحظة وداع، حيث تكتب كل خطوة إلى الأمام بحبر التجربة والحلم متشابكَين معاً بالأصابع والأشواق الدفينة.

أترك تعليقاً

التعليقات