الزمن الجميل».. هل كان جميلاً حقاً ؟! الحلقة 24
- مروان ناصح السبت , 27 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 1:51:05 AM
- 0 تعليقات
مروان ناصح / لا ميديا -
المكتبات العامة.. حين كان الكتاب صديقاً لا يُستعار فقط.. بل يصاحب
في الزمن الجميل، لم تكن المكتبة العامة مجرد مبنى يحتوي كتباً، بل كانت مرفأ الأرواحالتواقة للمعرفة، وملاذ العقول المتعطشة للحلم، مكاناً يُقصد بخشوع، وتغادره محملاً بالدهشة والأسئلة، حيث لا ضجيج، ولا لهو ، بل سكون يُشبه التفكير العميق.
عبور نحو عالم مواز
كان الدخول إلى المكتبة يشبه الدخول إلى عالم آخر، خلعاً للصخب ، وارتداء للتركيز . تمر بين الرفوف كما لو أنك تمر عبر دروب التاريخ كل عنوان يهمس لك بشيء، وكل غلاف يغريك بالدخول .
ولم يكن القارئ يعامل كزائر ، بل كعضو في طائفة الحالمين .
وجوه مألوفة ومقامات فكرية
كان للمكتبة العامة رواد دائمون، يجلسون في الزاوية ذاتها ، تحت الضوء ذاته، طلاباً ، أساتذة، كتاباً صامتين، باحثين يفتشون في المجلدات القديمة .. وكانت بينهم نظرات احترام دون كلمة ، وكأن الجميع متفق على أن الصمت هو لغة المعرفة .
سيدة المعرفة الصامتة في كثير من المكتبات ، كانت هناك "أمينة مكتبة" ، تعرف مواقع الكتب، وأسماء الكتاب ، بل وحتى طبعاتها الأولى، تُساعد بصبر ، وتوجه بهدوء. وكان حضورها يضفي على المكان احتراماً إضافياً ، فهي "حارسة الزمن الورقي".
ثقة لا تحتاج كاميرات كانت استعارة كتاب فعلاً جليلاً ، تأخذه كأنك استلمت أمانة مقدّسة 6 تقرؤه بنهم، ثم تُعيده في موعده ، دون تأخير أو تلف؛ لأن الناس كانوا يرون في الكتاب شيئاً من "البركة" ، لا مجرد مادة مطبوعة .
انقطاع عن العالم
كان الجلوس في المكتبة تجربة وجدانية، لا أحد يرفع صوته، ولا أحد يعبث بهاتف (إذ لم تكن بعد قد ظهرت)، القارئ يعيش في الكتاب كما لو أنه يسافر ، لأن القراءة كانت قوت الروح .
مع العصر الحديث
اليوم، تراجعت مكانة المكتبات العامة ، حلت محلها الشاشات ،والمحتوى السريع، والمقالات المختصرة، وباتت الكتب تُحمَّل أكثر مما تقرأ، والمكتبة صارت أحياناً مهجورة كأنها "أثر من الماضي"؛ لكنها ما تزال، لمن يبحث عنها ، أجمل أماكن الصمت والنجاة.
الخاتمة:
في الزمن الجميل ، كانت المكتبة العامة كأنها قلب المدينة ، تنبض بالمعرفة ، وتستقبل كل من يحمل احتراماً للكلمة، وكان روادها يعيشون تجربة أعمق من القراءة .
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح