مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
مكتبات الرصيف.. حين كان الشارع هو المعرض المفتوح للحياة والكتب
في الزمن الجميل، لم تكن المعرفة حكراً على النخب، ولا الكتاب سلعةً تُباع في الأبراج الزجاجية فقط. كانت تمتد على الرصيف، محمولة على ألواح خشبية، أو صناديق خضار قديمة، لكنها تنبض بالحكمة، وتدعوك للقراءة كما لو أنك تكتشف كنزاً في الزحام.

بائع الكتب على الرصيف.. فيلسوف بلا منصة
لم يكن صاحب مكتبة الرصيف مجرد بائع. كان قارئاً خبيراً، وناقداً شفهياً، وأحياناً أديباً في الظل، يعرف ماذا يطلب طلاب الأدب، وماذا تحتاج المكتبات الجامعية، وكان يُنقّب في المستودعات والمكتبات المهملة ليملأ رصيفه بالنوادر، وعندما تتأخر عن موعدك المعتاد، يسألك: وينك؟ طلعت كتب على ذوقك!

محتوى الكتب.. من الذهب إلى الغبار العطري
تجد في مكتبة الرصيف كل شيء:
روايات نادرة، مجلات قديمة، دواوين مفقودة، كتب فلسفة بليت أطرافها، وتُقلب الصفحات وأنت واقف، والشمس فوقك؛ لكنك لا تبالي، فالرائحة وحدها تكفي لتوقظ قلبك من السُبات.

علاقة القارئ بالمكان.. صداقة تُنسج في الزحام
القارئ لا يشتري فحسب، بل يحجّ إلى الرصيف، يمضي وقته كأنه في متحف مفتوح، يتحدث مع البائع عن فلوبير، وعن المتنبي، وقد ينصح قارئاً آخر بكتاب أحبه، فمكتبة الرصيف كانت منبراً شعبياً للثقافة لا يعرف التصنع.

الطقس العام..
 حضارة وسط العابرين
المكان ضجيج، والسيارات تمرّ، والباعة يصرخون... لكن هناك، عند الرصيف، يمدّ أحدهم يده لكتابٍ عن نيتشه، وآخر يبحث عن أشعار السيّاب، في مشهد يُثبت أن الثقافة ليست نخبويّة أبداً، بل تعيش، ببساطة، بين الأقدام.

رمزية الرصيف.. المعرفة المتاحة بلا بوابات
مكتبة الرصيف كانت تقول: الكتاب ليس حكراً، بل حقّ، تبيعه بأرخص الأسعار، وتتيح لك قراءته وأنت واقف، دون أن يُحرجك أحد، وكانت فرصة لطلاب لا يملكون المال، ومتنفساً لهواة يجمعون الغرائب من بين الأوراق الصفراء.

المقارنة مع الزمن الحالي
اليوم، تقلّ مكتبات الرصيف، وتُضايقها البلديات، وتخنقها قوانين التنظيم، ويهرب الناس من wالكتب الثقيلة إلى التصفح الخفيف، وباتت الثقافة الرقمية تحتل الرصيف؛ لكن بقيت بعض الأرواح تحنّ، وتبحث عن كُتبٍ تملك "رائحة القارئ الذي سبقك".

الخاتمة:
في الزمن الجميل، كانت مكتبة الرصيف أكاديمية لا تنتظر شهادة، ومنبراً ثقافياً لا يحتاج إذناً، وكانت الكتب ممدّدة كأنها تروي سِيَرها بصوت الغبار، فهل نعود يوماً فنرى قارئاً واقفاً تحت شمس الظهيرة، يبتسم لأنه وجد "الكتاب الذي بحث عنه طويلاً".

أترك تعليقاً

التعليقات