عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
منذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أواخر أكتوبر 2022، والبلاد بدون رئيس جمهورية بعد أن فشلت مؤسسة البرلمان في حسم ملف الرئاسة، رغم انعقاد 11 جلسة حتى الآن، وسط انقسامات حادة بين القوى السياسية، يضاف إليها تباينات داخل كل فريق، هذه الانقسامات والتباينات أدخلت لبنان في أزمة حكم غير مسبوقة في ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي محدودة السلطات وبرلمان منقسم.
وفقاً للدستور اللبناني، يحتاج أي مرشح للوصول إلى كرسي الرئاسة إلى كسب ثلثي مجموع الأصوات في مجلس النواب الذي يبلغ عدد أعضائه 128 في الجولة الانتخابية الأولى، أو تأمين أغلبية الأصوات في الجولات اللاحقة إلى النصف زائد واحد، ربما يعتقد البعض أن الآلية واضحة ويتساءل ما الذي عرقل انتخاب الرئيس من قبل أعضاء البرلمان المخولين بذلك؟
وللإجابة على هذا التساؤل لا بد من قراءة متأنية لنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو 2022 والتي تدخلت فيها السفارة الأمريكية والقوى الغربية بدعم أطراف سياسية، وانتزعت عددا من مقاعد البرلمان لصالح من يطلق عليهم «التغييريين»، الأمر الذي أفرز أغلبية غير واضحة في مجلس النواب.
يدعم حزب الله وحلفاؤه، رئيس حزب المردة النائب سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية، غير أنهم لم يستطيعوا تأمين أغلبية مطلقة في البرلمان تسمح لهم بتأمين الأصوات الكافية لانتخاب فرنجية جراء التوترات التي طرأت على علاقتهم مع الحليف المسيحي الأول التيار الوطني الحر، الذي يرفض زعيمه النائب جبران باسيل ترشيح فرنجية، في الوقت الذي تقدم فيه القوى الأخرى؛ القوات اللبنانية وحزب الكتائب وحلفاؤهم، المسؤول في صندوق النقد الدولي والوزير السابق جهاد أزعور مرشحاً للرئاسة، الذي يقول عنه بعض اللبنانيين إنه رجل أمريكا للرئاسة اللبنانية.
للخلاف على منصب الرئاسة محوران هامان، الأول يمكننا أن نطلق عليه خلافا على الحكومة وتوزيع الحصص، منذ استقلال لبنان في العام 1943، كان لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة ليكون المنصب الأكثر نفوذا في الدولة، لكن هذه الصلاحيات صادرتها التعديلات الدستورية التي تلت «اتفاق الطائف» ليفقد الرئيس تصدره للسلطة الإجرائية التي كان يتولاها بمعاونة الوزراء، وفقا لأحكام المادة 17 من الدستور، ونصت المادة بعد تعديلها على أن السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء، ووفقا للمادة 18، كان لرئيس الجمهورية ومجلس النواب حق اقتراح القوانين، وبعد تعديل هذه المادة أصبح لمجلس النواب ومجلس الوزراء حق اقتراح القوانين، وبحسب المادة 55 من الدستور قبل التعديل، كان يحق لرئيس الجمهورية أن يتخذ قراراً معللاً بموافقة مجلس الوزراء، بحل مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة، لتتقلص هذه الصلاحية، ويكون لرئيس الجمهورية في الحالات المنصوص عنها في المادتين 65 و77 من الدستور الطلب إلى مجلس الوزراء، في المجمل أحيلت صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة ورئيسها، الأمر الذي يمثل محور الصراع على خمس مؤسسات هامة في البلد، وهي رئاسة الحكومة وتسمية وزرائها، ومن سيكون قائد الجيش، ومن سيكون حاكم المصرف المركزي، ومن سيكون رئيس مجلس القضاء الأعلى، ومن سيدير مؤسسة النفط والغاز.
قوى المعارضة والرافضون لتسمية سليمان فرنجية، لا يهمها من سيكون رئيس الجمهورية بقدر سعيها لتقديم مرشح يساعدها في الحصول على ما تسميه حصتها في هذه المؤسسات الهامة، الأمر ذاته ينطبق على الغرب الذين لا يمانعون وصول مرشح تدعمه المقاومة للرئاسة، ولكنهم يرفضون رفضاً قاطعاً أن تذهب أي من هذه المؤسسات لقوى المقاومة.
حزب الله أعلن عن موقفه من أزمة الرئاسة بوضوح عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله الذي قال إنهم لا يريدون رئيسا للجمهورية يغطي المقاومة أو يحميها، بل حقهم الطّبيعي أن يطالبوا برئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها ولا يتآمر عليها، وبحسب نصر الله فإن هذه الصفة للرئيس ليست للمزايدة، بل هذا طبيعي، لأن رئيساً لا يطعن المقاومة في الظهر، لا يأخذ البلد إلى حرب أهلية، ويريد الوفاق والحوار، ويساعد في حماية لبنان أمام التهديدات «الإسرائيلية»، وهنا ندرك أن عمق الأزمة الرئاسية تكشف أن النزاع ليس حول من سيكون الرئيس وإنما ما هو الخط الذي سيحكم لبنان؟ هل سيكون خط المقاومة، أم المشروع الغربي الذي يعمل بكل الوسائل لمنع أي تقارب بين لبنان وروسيا والصين وإيران، وجل مخاوفه هي تعاظم قوة المقاومة التي يرى فيها خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني.
أما المحور الثاني في الخلاف على كرسي الرئاسة، فهو صراع جبران باسيل مع سليمان فرنجية ولهذا الصراع ثلاثة أسباب رئيسية وظاهرة، الأول ذو طابع اجتماعي وهو الصراع مع «الإقطاع»، حيث يميل باسيل لتصفية البيوت الإقطاعية لتنمية إقطاع جديد في البلد يصعد على حساب أفول الإقطاعيات القديمة، ويرى باسيل أن وصول المرشح فرنجية إلى سدة الرئاسة يمثل خطرا على شعبيته، لأن فرنجية ابن منطقة زغرتا يعني ابن الشمال ووصول رئيس شمالي سيأكل من شعبية باسيل التي اشتغل عليها على مدى سنوات من ساحل البترون صعوداً إلى كسروان وجبل لبنان.
السبب الثاني المكانة الدولية والإقليمية والمحلية التي يحظى بها فرنجية، يعتبرها باسيل خطراً على مستقبله السياسي، فهو لا يريد رئيساً مسيحياً قوياً يمتلك نفوذاً داخلياً وخارجياً من خارج التيار الوطني الحر، وصديقا للرئيس نبيه بري رئيس البرلمان وعدو باسيل اللدود.
وهذا السبب مرتبط بالسبب الثالث الذي يمثل رغبة باسيل بالحصول على رئيس تحت جناحه، ضعيف الشخصية لا يحظى بأي دعم داخلي أو خارجي يديره هو ويحركه كما يريد، وهذا لا ينطبق على فرنجية، وعلى الرغم من الضمانات التي قدمها السيد حسن نصر الله لجبران باسيل بعدم تضرره من فرنجية إلا أن باسيل الشريك المسيحي للمقاومة يمضي في رفضه وعرقلته لوصول فرنجية إلى كرسي الرئاسة.

أترك تعليقاً

التعليقات