الحمار الذي أصبح وزيراً
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
يحكى أنه كان في إحدى الممالك الصغيرة في قديم الزمان، يعيش ملك يعشق الصيد في الغابات الواقعة ضمن مملكته، وكان لهذا الملك وزير مختص بحالة الطقس، فإذا ما أراد الملك أن يخرج يوماً للصيد كان يسأل الوزير عن حالة الطقس بعد أن يأمره بالنظر إلى حالة الفلك والنجوم.
فيذهب معالي الوزير ليضرب الودع ويقرأ مسارات النجوم حتى يعود للملك بالخبر اليقين، وعلى أساس المعطيات المتوفرة يخرج الملك أو يلزم قصره، ثم جاء يوم ورغب الملك أن يخرج فيه للصيد برفقة زوجته الملكة وابنته الأميرة، حتى تشاهدا براعته في الصيد، ويروح عنهما، "يعني يشتي يبرز ويهضرب قدامهن".
فأمر الوزير أن يخبره بحالة الطقس حتى يرتب للخروج، فقال له الوزير دون دراسة أو اطلاع على وضع الكواكب والنجوم، الطقس رائع اليوم يا مولاي ومناسب جداً للخروج، فخرج الملك في موكبه بصحبة الأميرة والملكة، ولما أوغلوا في قلب الغابة انقلب الجو فجأة، فأخذت الرياح تعصف بالموكب والأعاصير والسحب تتزاحم مثقلة بما تحمله، وسرعان ما هطلت الأمطار وانتشرت الأتربة، فجزع موكب الملك وسقطت الأميرة والملكة في الطين والوحل، الأمر الذي أثار غضب الملك وجعله ينقم على وزيره، الذي لم يكن يعرف بأمر سوء الطقس وانقلابه، نتيجة إبلاغ الملك بالنتيجة بطريقة متسرعة، في مخالفة للمعايير التي كانت تسير عليها الأمور في كل مرة.
وبينما كان الملك عائداً إلى قصره، رأى على أطراف الغابة كوخا لحطاب فقير يخرج منه الدخان فطرق الباب، وفتح له الحطاب فسأله الملك: "لماذا لم تخرج لجمع الحطب أيها الحطاب؟"، فأجاب الحطاب قائلاً: "يا مولاي كيف أخرج للعمل في يوم عاصف كهذا؟ لقد كنت أعرف أن الطقس اليوم سيكون سيئاً، لذا لزمت بيتي"، فتعجب الملك كيف يعرف الحطاب الفقير أمراً كهذا! وسرعان ما سأل الحطاب كيف يعرف ذلك، فأجابه: من حماري هذا! فقال الملك بدهشة وهو ينظر إلى الحمار: "كيف ذلك؟".
قال الحطاب للملك: "كل يوم عندما أصبح أنظر إلى حماري، فإن كانت أذناه واقفتين عرفت أن الجو سيئ وملبد بالغيوم، وإن كانت أذناه نازلتين عرفت أن الجو لطيف وجميل". فاستدعى الملك وزيره ونظر إليه بانزعاج وقال له: "أنت مفصول". وأمر بمنح الحطاب مكافأة كبيرة وأخذ منه حماره، وعندما عاد الملك إلى القصر أصدر مرسوماً ملكياً يقضي بتعيين الحمار وزيراً للطقس بدلاً من الوزير المقصر في عمله، ومنذ ذلك الوقت صارت الحمير تتقلد المناصب الرفيعة في المملكة، لاعتقاد قاصر لدى الملك أنها تفهم أكثر من المسؤولين الذين لا يعملون بجد ولا يقدرون ما هم فيه من نعمة، وما هي المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
ممكن أن نتفق مع ما ذهب إليه الملك من زاوية استبدال المقصرين في أعمالهم، ولكن من زاوية أخرى لا بد من معالجة الخلل وفق قواعد منطقية وبعيدة عن الأهواء، لأن الحمار، وإن كان أثبت للملك من خلال الحطاب معرفته بحالة الطقس بطريقة غريبة وغير منطقية، إلا أن مكانه ليس في موقع المسؤولية ولا بأي شكل من الأشكال.
في بلادنا ثمة مسؤولون مقصرون أكثر من صاحبنا وزير الطقس، والحطابون على قفى من يشيل يقومونبالواجب وزيادة، ويتم استبدالهم بمن لا يفقه ولا يفهم أبسط أبجديات العمل الذي يناط بهم، وهنا تتجسد فكرة التصحيح بالخطأ، وهذا لن يحل إشكالاً أو يعالج مشكلة، وكم نرى في حياتنا اليومية، قرارات بتعيين وتكليف مسؤولين يتحولون منذ لحظة تعيينهم إلى عبء وعمالة فائضة دون جدوى.
الأهواء وحالة المزاج يجب ألا تتدخل في مسألة التعيين والعزل من الوظيفة التي ترتبط بحياة الناس، ومعاملاتهم، ويجب أن يكون القانون هو صاحب القرار الفصل في محاسبة المخطئ وتقويمه إن كان لايزال المجال متاحاً لتنبيهه وتحذيره وإنذاره، وإحالته للتحقيق في ما قصر لينال جزاءه، على الأقل ليكون درساً لمن هم حوله، لتسود ثقافة الثواب والعقاب وهي كفيلة بالحد من الأخطاء المتكررة، وعندما نصل إلى مرحلة الاستبدال ليس حلاً أن نصدق الحطاب في ما قاله ونبحث في أسماء الحاشية والمقربين والمرضي عنهم، ويكون البحث عن البديل وفق المعايير والضوابط المطلوبة، لتجنب الوقوع في الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الملك بعد تعيينه الحمار، مفترضاً أن كلام الحطاب دقيق وصحيح.
الحمير لا تقدم حلولاً وإن بدا لكم أنها أشطر من غيرها، وهي عبء مضاعف عليكم ومسمار يدق في نعش سلطة الأهواء والأمزجة وقصر النظر، مهما كانت الحيثيات والمبررات التي يستحيل أن تقنع عاقلاً أن ما يجري هو الصح أو الأفضل، وكيف للحمار أن يدير شؤون العامة ويفصل في قضايا الناس ويحدث ويطور المنظومة التي يعمل فيها وهو لا يفقه إلا بالعشب والعلف، ومشهور عن الحمير أنها تأكل كثيراً ولا تشبع، وتزعجنا بنهيقها اليومي عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي ولا يختلف اثنان أن نهيقها من أنكر الأصوات مهما حسنته أو جملته فهذا هو الواقع والحقيقة الثابتة، ولا أقصد حماراً بعينه، وعلى القطيع أن يتحسس آذانه بيده أو قدمه لا فرق، والله المستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات