عملاء «تل أبيب» في صنعاء
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -

بالأدلة والوثائق عرف اليمنيون سر العداء الصهيوني لثورة 21 أيلول، وهذا سيقودنا إلى تفسير الأسباب الحقيقية للعدوان، الذي يسعى بشتى الوسائل إلى تحقيق الأهداف «الإسرائيلية» في اليمن، بعد سقوط كل منظومات ودوائر العمالة والتطبيع التي كانت تمثل الأيادي الخفية لمشاريع «تل أبيب» والأطماع الخارجية في بلادنا.
ما كشفته القوات المسلحة اليمنية في الإحاطة التي قدمها العميد يحيى سريع، يؤكد للجميع صوابية الشعار الذي رفعه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، لأن اليمن كان -ولايزال- هدفاً من أهداف السياسات «الإسرائيلية» وميداناً من ميادين الأنشطة والتحركات الصهيونية، وظل -ولايزال- حاضراً في العقلية الاستراتيجية الصهيونية الأمريكية.
وعلى الرغم من ثقتي الكاملة أن ما تم كشفه ليس سوى جزء بسيط من الوثائق التي وقعت في أيدي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بعد القضاء على فتنة ديسمبر ورموزها من الخونة، إلَّا أن نشر مثل هذه الوثائق يخلق حالة من الوعي الشعبي والمجتمعي بحقيقة الصراع وأسباب العدوان والحصار ومشروعية الدفاع المقدس عن الوطن والقضية. ومما جاء في الوثائق المنشورة أن العلاقة بين سلطة صالح والكيان الصهيوني كانت على مستوى عالٍ من التواصل والتنسيق وتبادل الزيارات على مستويات عدة، ففي 14 يوليو 2007 وصل إلى صنعاء مستشار وزير الخارجية «الإسرائيلي» بروس كاشدان. وبحسب الوثائق، فإن الزيارة غير المعلنة استمرت 48 ساعة، التقى فيها المسؤول «الإسرائيلي» بقيادات عسكرية وأمنية من أقرباء الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.
غادر المسؤول «الإسرائيلي» مطار صنعاء الدولي في 16 يوليو 2007، وسط تكتم شديد، وتعتبر هذه الزيارة هي الثانية للمسؤول «الإسرائيلي»، فقد سبق أن جرت زيارة سابقة في الثاني من فبراير 2005، وكان يجري الترتيب لتلك الزيارات من قبل مسؤولين يمنيين، إضافة إلى دور الإمارات في ذلك، ولم تكن تلك الزيارات إلى صنعاء لمجرد الزيارة أو لتطبيع علاقات؛ بل كانت لبحث ملفات غاية في الأهمية، ومنها بحث التعاون بين السلطة القائمة في تلك الفترة وبين الكيان «الإسرائيلي» في المجال الأمني والعسكري والمجالات الزراعية والسياحية والتعاون التجاري والترويج لمنتجات «إسرائيلية» في السوق اليمنية، ومناقشة تنفيذ مشاريع مشتركة تحت عناوين مختلفة، والتهيئة للوصول إلى توقيع اتفاقية تسمح للطيران المدني «الإسرائيلي» بعبور أجواء اليمن، فضلاً عن العمل على تجنيس ما يقارب 60 ألف «إسرائيلي» بالجنسية اليمنية، منهم 15 ألفاً يحملون الجنسية الأمريكية.
العلاقة بين صالح و»الإسرائيليين» بدأت منتصف التسعينيات من القرن الماضي، حيث وصل في مطلع مارس 1996 وفد الكنيست «الإسرائيلي» إلى صنعاء، وحظي ذلك الوفد بحفاوة واستقبال ملفت، والتقى بقيادات عدة على رأسها صالح، إضافة إلى مسؤولين أمنيين ومدنيين، وخلال 5 أعوام من 1995 إلى 2000، جرت زيارات لوفود «إسرائيلية» إلى اليمن تحت غطاء السياحة تارة، والاستثمار التجاري والاقتصادي ومسؤولي المنظمات الدولية تارة أخرى، كما قام وزير سابق في نظام صالح بزيارة «تل أبيب» بتنسيق مسبق بين الجانبين.
وبحسب الوثائق، حقق الكيان الصهيوني من تلك الزيارات تأمين الحركة الملاحية للسفن «الإسرائيلية» في باب المندب وجنوب البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تعود آخر مواجهة أو توتر يمني «إسرائيلي» إلى عامي 1976 و1977، أي في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، واعتبر الكيان سلطة صالح بأنها سلطة صديقة، وجاءت تحذيرات القيادة «الإسرائيلية» للسفن «الإسرائيلية» عقب ثورة 21 أيلول من الاقتراب من الشواطئ اليمنية كونها أصبحت دولة غير صديقة.
كما نجح الكيان «الإسرائيلي» باستقطاب قيادات يمنية وتجار وناشطين ومواطنين وتجنيد البعض منهم للعمل لصالح الكيان «الإسرائيلي» وأجهزته الاستخباراتية، ورصد وجمع المعلومات عن اليمن، لاسيما الأنشطة الثقافية المعادية للكيان «الإسرائيلي» والأنشطة التضامنية مع فلسطين، وكذلك جوانب أخرى كالاقتصاد والزراعة والجانب العسكري.
لم يكن صالح وأقاربه فقط من يديرون ملف العلاقات مع «تل أبيب»، بل بمشاركة عدد من كبار المسؤولين في الدولة، على رأسهم علي محسن الأحمر وعبدالكريم الإرياني ووزراء ونواب في البرلمان ورجال أعمال، واستمر التنسيق بين عملاء «تل أبيب» في صنعاء والمسؤولين «الإسرائيليين» إلى ما بعد المبادرة الخليجية، حيث واصل «الدنبوع» ونظامه، بمن فيهم الإخوان، مواصلة ما بدأه صالح، ولولا انتصار ثورة 21 أيلول ووأد فتنة ديسمبر، لكانت اليمن تسابق الإمارات والبحرين في إعلان العلاقات والاحتفاء بما يسمونها اتفاقات السلام. والله المستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات