أوهام الإمارات في جنوب اليمن
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا -
دخل المحتل الإماراتي إلى عدن وبعض محافظات الجنوب اليمني تحت ستار التحالف باعتباره شريكاً للمملكة السعودية في عدوانها تحت ستار "إعادة شرعية" الدنبوع عبد ربه منصور هادي، ولكن سرعان ما انتهت فصول هذه المسرحية المفضوحة، لتبدأ سيناريوهات الاحتلال للموانئ والجزر والمرافق الحيوية تتضح شيئاً فشيئاً، ما دفع الإمارات للبحث عن عناوين مغرية ومقنعة للقطيع الذي يعمل معها، وقدمت نفسها نصيراً للقضية الجنوبية، ومدافعة عن شعب الجنوب وتطلعاته بالحصول على دولة مستقلة، عناوين كبيرة وشعارات زائفة الهدف منها إحكام القبضة على الموارد واستغلال الثروات ونهب خيرات البلاد تحت هذه العناوين.
لم يصدق أبناء عدن والجنوب عموماً هذه الشعارات فاتجهت الإمارات لتأسيس كيان ممول أطلقت عليه "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وأسست وحدات عسكرية وأمنية متعددة مولتها بالكامل واستقطبت فيها العاطلين عن العمل ومن دفعتهم الظروف الاقتصادية للعمل معها، ومضت في مشروعها التآمري، بالتزامن مع الإيهام والتضليل بمشروع الدولة الجنوبية التي لا تملك أي مقومات للدولة، ولا أي مشروعية للانفصال عن اليمن، ولكنها شعارات فقط.
وعند البحث عن المكاسب أو الإنجازات التي حققتها الإمارات للمغررين والمخدوعين، لا نجد سوى مئات القتلى الذين لقوا مصرعهم وهم يقاتلون في صفوف الإمارات، ومئات المعتقلين والمخفيين قسراً في سجونها الخاصة، وخدمات متردية وتضخم اقتصادي، ووهم الشعارات التي يمكن تفنيدها في السياق التالي:

أولاً: وهم الدولة
وهنا تروج الإمارات لمرتزقتها أنها تدعمهم لعودة ما تسمى "دولة الجنوب العربي"، مع العلم أنه لم يكن هناك دولة اسمها الجنوب العربي وما كان موجوداً إبان الاستعمار البريطاني للجزء الجنوبي من اليمن هو اتحاد ضم 12 سلطنة ومشيخة عام 1962، ثم ضُمت إليه ولاية عدن عام 1963، ثم سلطنات الواحدي الحضرمية عام 1964، ولم تنضم باقي سلطنات حضرموت له إضافة إلى سلطنة يافع العليا، هذا الاتحاد أسسته بريطانيا وانتهى عام 1967 عقب ثورة 14 أكتوبر التي أدت لرحيل الاستعمار البريطاني وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
كما أن إعادة تقسيم اليمن ليس بالأمر السهل أو الممكن نتيجة لتمسك الأغلبية الشعبية الجنوبية بالوحدة كخيار مصيري، ونتيجة لعوامل قانونية ودستورية تحمي الوحدة وتصونها، فالنظام الدولي يقوم على مبدأ سيادة الدول ووحدة أراضيها، ويمنع القانون الدولي الانفصال من جانب واحد، والدليل على ذلك رفض مجلس الأمن الدولي الاعتراف بدولة الجنوب التي تم الإعلان عنها خلال حرب 1994، وتعامل قرارا مجلس الأمن رقم (924) و(931) مع ما حدث في صيف 94 على أنه نزاع داخلي ضمن الجمهورية اليمنية، وفي جميع قرارات مجلس الأمن الخاصة باليمن، وهي أكثر من 10 قرارات، وبعضها تحت الفصل السابع، شدد مجلس الأمن الدولي على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، وهذا مؤشر على الرفض الدولي لفكرة الانفصال والتعاطي مع اليمن باعتباره دولة واحدة تحتكم إلى الدستور اليمني الذي جرى الاستفتاء عليه في مايو 1991، وحصل على موافقة 98.3 في المائة، وتنص المادة الأولى منه، التي لم يطلها التغيير في التعديلات اللاحقة، على أن الجمهورية اليمنية هي وحدة لا تتجزأ، ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منها.
وإلى جانب العوائق القانونية والدستورية للانفصال، هناك حقيقة ثابتة لا يمكن تجاوزها وهي وحدة الهوية والثقافة والعادات والتقاليد إذ يتطلب الانفصال الفعلي وجود انفصال أو حتى اختلاف ثقافي واجتماعي، كاللغة أو الدين أو البنية الاجتماعية، بين الشمال والجنوب، واليمن الحضاري الثقافي واحد لا يقبل التجزئة، ولا يعترف بأي حدود سياسية داخل الجغرافيا اليمنية.

ثانياً: وهم التنمية والتطوير
حيث كان يروج مرتزقة الإمارات أن أولاد زايد سيحولون عدن إلى دبي، ولكن الواقع يقول بأنها باتت اليوم أشبه بمدينة أشباح، وفي ظل انعدام أبسط الخدمات كالكهرباء والمياه والتعليم والصحة تتحدث التقارير الاقتصادية عن سيطرة الإمارات على مطارات وموانئ المحافظات الجنوبية والشرقية واحتكار توريد المشتقات النفطية، وكذلك احتكار رحلات الطيران إلى جزيرة سقطرى السياحية وغيرها، والضغط على حكومة الفنادق للاستحواذ على عقود وصفقات تأهيل المنشآت الحكومية وصيانة المطارات واحتكار قطاعات خدمية مثل الاتصالات والإنترنت والطيران والنقل وغيرها، بل تضغط، وبقوة، لإعادة شركة موانئ دبي لإدارة ميناء عدن بهدف تخريبه مرة أخرى لمصلحة جبل علي في الإمارات.
مطلع العام الجاري اعترفت حكومة الفنادق أنها أقرت عقدا لإنشاء ميناء بحري جديد سيخصص للنشاط التجاري التعديني بمحافظة المهرة باستثمارات إماراتية قيمتها 100 مليون دولار، ويتضمن العقد الموقع مع شركة "أجهام" الإماراتية لإنشاء الميناء البحري في منطقة رأس شروين بنظام التشييد والتشغيل ونقل الملكية (بي.أو.تي).

ثالثاً: وهم الحماية والاستقرار الأمني
صحيح أن الإمارات تنفق أموالاً طائلة في الجانب الأمني والعسكري في عدن والمحافظات المجاورة ولكن تشكيلاتها الأمنية والعسكرية منوطة بها مهمة واحدة وهي تأمين سرقة الإمارات للثروات وقتل وتصفية كل من يعترض طريقها وقائمة الاغتيالات الإماراتية في عدن وشبوة وحضرموت والضالع تضم مئات المدنيين والعسكريين والسياسيين والنشطاء وحتى رجال الدين وجريمة تصفية الشيخ الباني صبيحة يوم عيد الفطر المنصرم من قبل مليشيا الإمارات في شبوة لاتزال حاضرة في ذاكرة الجنوبيين.
أما السجون والمعتقلات السرية للإمارات فلم تعد سرية وتحدثت عما يدور فيها من تعذيب حتى وكالات الأنباء العالمية، وفي ظل استمرار تجاهل حكومة الفنادق والأمم المتحدة ومكتبها في عدن، لملف المخفيين قسرا في سجون الانتقالي، هناك ما يزيد عن 60 مخفياً قسراً ممن كانوا موالين للإمارات ومجلسها الانتقالي لا في عدن فقط، غير مئات المختطفين والمخفيين من أبناء المحافظات الشمالية الذين تم اختطافهم من المحلات والأسواق والشوارع مضى على بعضهم ما يزيد عن خمس سنوات من الإخفاء دون محاكمة أو إدانة، كما لا ننسى أن الإمارات التي تدعم حرية الرأي والتعبير وتمول القنوات التي تحمي مصالحها في عدن هي ذاتها الإمارات التي اعتقلت الصحفي أحمد ماهر منذ عدة أشهر وزجت به في غياهب السجن بتهمة نشر تغريدات تعارض سياسة المجلس الانتقالي.
كيف ستقنع الإمارات أبناء عدن أنها جاءت بمليشياتها لحمايتهم وهم يشاهدون جرائمها بحق ذويهم المختطفين والمخفيين، وكيف يمكن لعاقل أن يرى في المجرم منقذاً، وكيف تبرر حكومة الفنادق ثقتها بالإمارات وشراكتها معها وهي تدرك أنها لم تتوان عن استخدام سلاح الجو لقصف القوات الموالية للدنبوع داخل مدينة عدن، واستهدفت وزراء الحكومة فور وصولهم مطار عدن، وطردت حكومة بن دغر من داخل قصر معاشيق وضغطت على الدنبوع لإقالته وإحالته للتحقيق لأنه تجاوز حدوده بتصريح صحفي يعطل مصالحها في سقطرى ونفت وشردت عددا من الوزراء ومنعتهم من دخول عدن وأجبرت البعض الآخر على تقديم استقالاتهم، وتبتز آخرين بما لديها من أفلام وصور فاضحة وثقتها لهم في فنادق دبي؟
هل هذه هي الإمارات التي يقول لكم الأراجوز عيدروس الزبيدي إنها ستمنحكم دولة مستقلة ذات سيادة كاملة وتخلصكم من احتلال الشمال؟

أترك تعليقاً

التعليقات