محمد ناجي أحمد

زار (أمين الريحاني)، أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها، العديد من ملوك وأمراء وسلاطين ومشائخ المنطقة العربية، وقد كانت زياراته مواكبة لتقسيم المنطقة العربية والشرق الأوسط بين فرنسا وبريطانيا وروسيا. وكان ولوج الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه المنطقة محل تنافس وصراع بارد بينها وبين بريطانيا وفرنسا، مما جعل العديد من العملاء البريطانيين يعملون للطرفين، وإن كان إخلاصهم الفعلي ومصالحهم مع الأمريكيين الذين وفروا لهم من الإغراءات ما جعلهم ينحازون لها. ومن أولئك (جون فيلبي) مستشار الملك عبد العزيز بن سعود، وأمين الريحاني، الذي عرف في ما بعد بالعديد من الكتب أهمها (ملوك العرب) و(قلب العراق)، وقد كان صديقاً مقرباً لابن سعود، وكتب عنه كتاباً فيه من التحيز والتملق الشيء الكثير.
لقد كانت زيارات ومقابلات (أمين الريحاني) للملوك والأمراء والسلاطين، تركز على موقفهم من بريطانيا وتركيا، ولمن سيكون إخلاصهم أثناء الحرب العالمية الأولى. فصاحب كتاب (الحكم العثماني في اليمن) الدكتور فاروق عثمان، يورد بعض الأسئلة والأجوبة التي وجهها (الريحاني) لحاكم عسير (محمد بن علي بن أحمد الإدريسي)، وقد استشف منها الريحاني أن علاقة الإدريسي مع الإنجليز مبنية على مصالحه وتوسعه في النفوذ، فحين ضربت بريطانيا ميناء (اللحية) لضرب الأتراك، تضرر من ذلك تجار المنطقة، فكان اعتراض الإدريسي على البريطانيين. أي أن الإدريسي كان يوظف تحالفاته مع الإيطاليين ومع الأتراك تارة ومع البريطانيين تارة أخرى بما يعزز من سلطته وجغرافيته، ومصالحه، لهذا لم يكن بإخلاص عبد العزيز بن سعود الذي كان يحرص على مصالح بريطانيا قبل مصالحه. وكذلك كانت مقابلات (الريحاني) مع سلطان الحواشب علي بن مانع الحوشبي، ومع سلطان لحج، وغيرهما، ومن تلك المقابلات والمناقشة معهم ثم مع الإمام يحيى، تحددت سياسة بريطانيا وأمريكا، ووضعت خارطة طريقها ونهجها في المنطقة.
لقد كانت أسئلة أمين الريحاني استقصاء محترفاً بنى عليه الاستعمار وعلى غيره من التقارير التي نشطت آنذاك، سياسته ومصالحه في المنطقة.
كتب (أمين الريحاني) في كتابه (قلب العراق) عن الخلاف الذي كان بين (ساطع الحصري) مدير المعارف في العراق ووزير المعارف (عبد المهدي المنتفكي)، عام 1927م، ومن توابع ذلك الصراع الذي أخذ منحى طائفياً، كان قرار فصل محمد مهدي الجواهري من التدريس في مدارس العراق، حين تم تعيينه في المدارس الابتدائية أواخر العشرينيات، وقد كان القرار من الوزير أن يكون الجواهري معلماً في المدارس الثانوية، لكن مدير المعارف (ساطع الحصري) اعترض بحجة عدم امتلاك (الجواهري) شهادة تتيح له التدريس في الثانوية.
كان (الريحاني) منتصراً في كتابه (قلب العراق) لساطع الحصري، فما كان من (الجواهري) إلاّ أن كتب مقالاً بعنوان (جاسوس خطير في أوتيل تايكرس)، وذلك بعد انقلاب (بكر صدقي) عام 1935م، عندها ذهب (أمين الريحاني) إلى بغداد لتغطية أخبار الانقلاب، لكن اتصال الجواهري به إلى الفندق، وإعلامه بعزمه على كتابة المقالة بذلك العنوان، جعل (الريحاني) يبيت الليل ثم يغادر العراق ظهيرة اليوم الثاني.
اتصل به الجواهري إلى الفندق قائلاً له: (مرحباً أستاذ أمين الريحاني، هل تعرف من الذي يكلمك؟ إنه محمد مهدي الجواهري)، مذكراً إياه بتعصبه مع (ساطع الحصري)، وزعمه بأنه فارسي وشعوبي.
يكتب الجواهري في (ذكرياتي) [الجزء الأول -دار الرافدين -1988م] (وللحقيقة أقول إنني كتبت عن (أمين الريحاني) أنه جاسوس مخيف، لمجرد هاجس الريبة في أمر هذا الرجل (العربي الأصل، الأمريكي الجنسية)، فيما يتنقل بحجة الكتابة عن ملوك العرب، إذ هو يندس في هذا البلد العربي أو ذاك، ويلتقي بهذه الحجة بكل ما فيها من محافل ومجالس حافلة، شاءت أم أبت،
اتصل به الجواهري إلى الفندق قائلاً له: (مرحباً أستاذ أمين الريحاني، هل تعرف من الذي يكلمك؟ إنه محمد مهدي الجواهري)، مذكراً إياه بتعصبه مع (ساطع الحصري)، وزعمه بأنه فارسي وشعوبي.
يكتب الجواهري في (ذكرياتي) [الجزء الأول -دار الرافدين -1988م] (وللحقيقة أقول إنني كتبت عن (أمين الريحاني) أنه جاسوس مخيف، لمجرد هاجس الريبة في أمر هذا الرجل (العربي الأصل، الأمريكي الجنسية)، فيما يتنقل بحجة الكتابة عن ملوك العرب، إذ هو يندس في هذا البلد العربي أو ذاك، ويلتقي بهذه الحجة بكل ما فيها من محافل ومجالس حافلة، شاءت أم أبت، وبما يصل حد التخمة من أسرار ودفائن وكوامن) [ص228]. ويورد ما نشرته إذاعة الكويت الرسمية من أسرار التزاحم الأمريكي على ما تحت رمال الجزيرة من بحر يتلاطم بالذهب، وأن الريحاني كان في صميم هذا الصراع الاستعماري الاستخباري. مستشهداً بكتاب (صقر الجزيرة) لـ(رغيب العطار) المنحاز للعائلة السعودية، الذي يرد فيه من (أعانوا عبد العزيز بن سعود على الإطاحة بالعرش الهاشمي، وعلى وجه التعيين عرش الملك علي بن الحسين) ابن الشريف حسين بمكة. ويورد الجواهري في مذكراته نص تقرير كتبه (أمين الريحاني) لعبد العزيز بن سعود، مقتبساً إياه من كتاب (صقر الجزيرة)، وفيه يتضح الدور الاستخباري، وتثبيطه للأمير علي بن الحسين عن مواجهة ابن سعود، وبذره الشكوك في أقرب المخلصين له.
وكان لـ(أمين الريحاني) في ذات المرحلة دور استخباري في اليمن، حين زار اليمن، وطلب منه الشريف حسين أن يوصل رغبته للإمام يحيى بعقد اتفاق معه لمواجهة ابن سعود، وقبل أن يتم التوقيع على الاتفاق، كانت مُسوَّدة الاتفاق قد تسربت إلى ابن سعود، إما عن طريق البريطانيين، أو عن طريق (الريحاني) مباشرة. وقد أدى ذلك إلى أن يخطط ابن سعود وينفذ في واحد يوليو 1923م، لمجزرة الحجاج اليمنيين في منطقة عسير بـ(تنومة وسدوان الأعلى وسدوان الأسفل)، وراح ضحيتها 3 آلاف شهيد، بينهم 900 ذبحوا وجزت رؤوسهم، والبقية قتلوا بالرصاص.

أترك تعليقاً

التعليقات