عصر المملوك هادي
 

محمد ناجي أحمد

في أواخر العصر المملوكي والعثماني، كانت المناصب تباع لهذا الوالي وهذا القائد وهذا القائم مقام بمقدار ما يدفع، ويتم تحريك الوظيفة وإعادة بيعها بحسب الأكثر قدرة على فرض الرشوات والإتاوات وتقديمها للأعلى منصباً، بهذا كان المماليك والعثمانيون يهرولون نحو شيخوخة سلطتهم وأفولها! في اليمن قرارات عبد ربه منصور هادي شبيهة بذلك، إلا أن طريقة الدفع هي خدمة المشروع الغربي وأدواته الخليجية، بل إن قرارات هادي فقدت رمزيتها المعنوية من حيث الكفاءة والقدرة حين أصبحت تعييناته لذوي البله وأطفال اللقاء المشترك الذين يسيرون في ركب التحالف السعودي الإماراتي!
الرجل يعبث برمزية الدولة والوظيفة العامة، فهذا جزء من مهمته، لكنه أيضاً يعبث بما تبقى من يسار وقوميين حين يحولهم إلى بيادق في خدمة مشروع غربي صهيوني... تتماثل كل المهام الموصلة لهذا الهدف من تغيير للجغرافيا السياسية والاقتصادية والثقافية ومسح للتاريخ وتفكيك للروابط العربية العربية وصولاً إلى بناء شرق أوسط امبراطوريته إسرائيل بولايات عربية عاصمتها الدولية أمريكا والإقليمية إسرائيل، ووسائلها ثروة نفطية وغاز عربي واستهلاك للتكنولوجيا والسلاح والمعلوماتية بما لايصنع تنمية مستقلة، ويجعل السيادة شركات متعدية الجنسيات!
من هنا يمكن فهم إعادة رسم الحغرافيا السياسية والثقافية والاقتصادية. وما استجلاب أسطورة عبهلة (الأسود العنسي) وإعادة تخيلها وفقاً لمقتضيات المرحلة، إلا علامات في هذه الخريطة التي يسعون لجعلها مطلباً شعبياً ونضالياً شبيهاً بقصص يسردونها عن (الكرامة والدفاع عن العرض والمنطقة والمذهب)!
فالغاية الأمريكية واضحة، وهي تغيير الروابط الجغرافية والتاريخية، لتكون هناك كما يقول غالي شكري (جغرافيا أخرى غير التي عشناها وتعلمناها، وتاريخ غير الذي نعرفه. وما أيسر الوسائل التي تقنع الناس بالجغرافيا الجديدة والتاريخ الجديد. وكأننا لم نكن (عرباً) في يوم من الأيام. ولا تعود (إسرائيل) ولاية أمريكية في الشرق الأوسط، بل امبراطورية تتكون من ولايات عربية عاصمتها الدولية واشنطن، وعاصمتها الإقليمية تل أبيب).
مشروع الشرق الأوسط الأمريكي يقوم على أساس قبول كل قطر عربي على حدة بإسرائيل في نظام شرق أوسطي لايرتبط فيه المشرق بالمغرب ولا دول الخليج بغيرها، وإنما يتجه كل قطر ودويلة عربية إلى الصلح المباسر مع إسرائيل، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية. وتتحول القضية الفلسطينية إلى مشكلة فرعية، وليست قضية صراع عربي / إسرائيلي. وترويض الفلسطينيين لقبول ما دون الحد الأدنى بقوة وغلبة الأمر الواقع!

أترك تعليقاً

التعليقات