الإسلام الرحمني: الغائب الحاضر
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثمة فرقٌ كبيرٌ بين إسلام المسلمين التاريخي، المجسد بالحكومات والدول والكيانات التي حكمت واقعنا، وبين الإسلام الرحمني الذي لايزال مغيبا عن الواقع، مسجونا في سجون التفسيرات المنغلقة الجامدة، ومحكوما بالخطابة الطوباوية ذات الوعي المغشوش، والامتلاء الكاذب. والتي كرسها دوماً كهوة بين الناس وإسلام الرحمن الإسلام الطبقي التاريخي، الذي هو: الحامل لمشروع الفساد والإفساد، العامل على مسخ الفطرة، وقلب المفاهيم، وتجميد العقول، وتطويع الإرادات، وتشويه الحقائق، وتعميم الخرافات، وتغيير معالم الدين القويم، ورعاية الوجود الطبقي، القائم على العصبية والجهل، ليصير المجتمع إلى واقع مليء بالتناقضات والنزاعات، التي تجعله ما بين غني وفقير، شريف ووضيع، قوي وضعيف، ظالم ومظلوم، ولا مجال لحدوث أي تغيير في هكذا تراتبية في المواضع والمقامات هذه إذ على الفقير والضعيف والمظلوم أن يرضوا بواقعهم، ويتكيفوا مع الحالات والأوضاع التي هم عليها، فالدنيا ليست لهم، ولينتظروا القيامة، كي يحصلوا على كل نعيم، جزاء صبرهم، وإذا ما حاول أحدهم التمرد على واقعه، كان خارجا عن الدين، شاقا لعصا الطاعة بين المسلمين، ينازع خليفة الله قميصه الذي ألبسه له سبحانه! فيصبح الدين بهذا المعنى أداة تخدير واستعباد.
وهو بهذه المقومات والعوامل يختلف أيما اختلاف عن الإسلام الرحمني، الذي هو الحاضر كتعاليم، والغائب كنهج يضبط التوجه، ويحكم السلوك، ويحفظ للحركي على هداه قيمه ومبادئه، إنه الإسلام القائم على منهج الله، الساعي لإقامة القسط بين الناس، المؤمن بالمساواة، فلا طبقة أحق من طبقة، ولا عرق أفضل من عرق، ولا حاكم فوق المحكومين، يحق له أن يفعل ما يشاء، ولا يحق لأحد الاعتراض على فعله، بل الكل عبيد لله، مربوبون له، ثم ليس هنالك من إمكانية لضياع حق الضعيف، نتيجة قوة ومكانة خصمه، ولا إلغاء لوجود الفقراء، كي تصبح الساحة للأغنياء، يظلمون، ويبغون ويفسدون، ويستحوذون على أقوات ومعايش الناس، فالعدالة أساس الحكم، وأولوية الحاكم، الذي لا يطلب العدل بالجور، ولا يسقط في ظله حق من حقوق الناس، على المستوى الخاص والعام، حتى لو كان ذلك الحق قد مضى على سلبه زمن طويل، وبنى به مغتصبه القصور، وتزوج به النساء، وملك به الضياع والعقارات، فمن ضاق به العدل، فإن الجور عليه أضيق، وهو فوق ذلك يشجع على تنامي الوعي، ويدعم التنوير، ويحث على النقد، ويحارب الجهل والخرافة، ويحفظ للناس كراماتهم، ويضمن حرياتهم الفكرية، ويرعى شؤونهم ومصالحهم. إنه يرى الذات الواقعة في كنفه، بعين الإنسانية التي تضمن له وجودا حقيقيا، وهو أيضاً ذو إرادة وفكر، يحق له المشاركة في القرار، حر في ما يقول ويختار، مادام قوله واختياره لا يضر بالناس، ولا يهدم حقا، ولا يدعم باطلا.
وهو يدعو أيضاً إلى التوزيع العادل للثروة، فلا مكان فيه لوجود الأقلية المترفة والمرفهة، على حساب الأكثرية المسحوقة والتي تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم، لأنه يعتبر تنامي المال بيد طبقة معينة في المجتمع، ما هو إلا نتيجة تضييع الحقوق لبقية أبنائه، الذين يستغلهم الجشعون والطماعون من عبدة الدينار والدرهم، ويدمرون اقتصادهم ويتحكمون بلقمة عيشهم.

أترك تعليقاً

التعليقات