أنس القاضي

#أنس_القاضي / #لا_ميديا -

ليست إشكالية طبعة فرع بنك عدن أنها «جديدة» بل أنها تطبع بصورة غير منضبطة وبما يؤدي إلى تدهور قيمة الريال اليمني، كجزء من الحرب الاقتصادية على بلادنا في ظل العدوان الشامل، إذ يفترض في طباعة الأوراق النقدية أن تكون بقدر ما لدى البنك المركزي من احتياطي نقدي أجنبي أو ذهبي، أي أن تعبر كل ورقة نقدية عما توازيها من قيم موجودة لدى البنك. أما طباعة العملة مثل طباعة الدفاتر بدون أي معايير وضوابط اقتصادية فهي جريمة حرب إذا لم يتم إيقافها بحظر تداولها سوف تنهار قيمة العملة اليمنية، حينها لن ينفع المواطن كيلو أوراق نقدية جديدة لشراء ما يوازيه من الخبز!

الحروب والأسلحة المالية 
طباعة العملات بدون غطاء تتسبب عادة في اختلال الوظائف الاقتصادية للعملة، وذلك في الأحوال العادية، والأمر أكثر تخريباً حين تتم الطباعة من قبل العدو، بقصد الحرب الاقتصادية كحرب قائمة في ذاتها، كما باتت عليه في هذا العصر. 
تعود أولى تجارب الحروب المالية (حروب العملات) إلى القرن السابع عشر، جرت بين الولايات الأمريكية النزاعة إلى الاستقلال وبين الحكومة الاستعمارية البريطانية التي احتكرت حق إصدار العملة. 
في الحرب العالمية الثانية عادت حروب العملات مجدداً، وقد أستخدمها النازيون ضد كل من فرنسا وبريطانيا عبر تزوير عملات هذين البلدين والتوجه نحو ضخها إلى أسواقهما المحلية لضرب الأسس الاقتصادية لهما. إلا أن الحرب المالية كانت تستخدم آنذاك كأحد مجالات الاستهداف الثانوية المساعدة للحرب العسكرية الكلاسيكية، فيما هي اليوم حرب في ذاتها وتطبقها أمريكا راهنا في وضع السلم ضد إيران وفنزويلا وغيرهما. 
تحالف العدوان العاجز عن الاستمرار في كفاءته العسكرية المعادية، منطقياً سيضاعف الاعتماد على مختلف مجالات الاستهداف في حروب الجيل الخامس، ومنها الحرب المالية لمحاولة إركاع اليمن وتحسين موقعه التفاوضي. وبما أن القوات المسلحة اليمنية قادرة على استهداف العدو في عمقه؛ فمن المهم أن توظف هذه القوة ويلوح بها لإفشال الحرب المالية.
في حرب الخليج استخدمت الحرب المالية (العملة) من قبل نظام صدام حسين ضد إيران، كما استُخدمت ضد سوريا مؤخراً، وقد استفادت سوريا من التجربتين الروسية والإيرانية في الحد من هذه الحرب. 
بدأت الحرب المالية على اليمن منذ العام 2016 عبر اجراءات عديدة، وكان التهديد الأمريكي للوفد الوطني بضرب العملة الوطنية اليمنية تعبيراً واضحاً عن هذه النزعة الجديدة في الحروب. وقد طبع بنك عدن من العملة خلال سنتين أكثر مما تم إصداره في اليمن خلال ما يزيد عن 40 عامًا، ليصل المبلغ المطبوع إلى تريليون و700 مليار ريال. 
على الرغم مِن أن اجراءات البنك المركزي اليمني جاءت متأخرة في الدفاع المالي عن البلد إلا أن الاجراءات كضرورة اقتصادية ملحة من الضروري السير فيها بكل حزم، وكذلك المضي بها كضرورة سياسية لإثبات السيادة اليمنية لصنعاء في مناطق سيطرتها، وستمثل ضربة قوية للطابور الخامس في الداخل الذي ارتبك مع هذه الخطوة بعد صمت 4 سنوات، وستمثل رسالة إنذار لتجار الاحتكارات النفطية والغذائية. 
وجود الكثافة السكانية ومعظم الأنشطة الاقتصادية المالية اليمنية في مناطق السيطرة الوطنية هذا العامل الديموغرافي يجب الاستفادة منه إلى أقصى المستويات، لأن الطرف الآخر يملك النقد المطبوع ويفتقر إلى الكثافة السكانية، وهو مُضطر أن يسوق لعملته وسلعه النفطية في المناطق الوطنية.
النتيجة المباشرة للسير في هذا القرار هي التخفيف من حدوث التضخم الناتج عن استخدام العملات "الجديدة" في المضاربات المالية على العملة الأجنبية (الدولار والسعودي). كما أن الحكومة العميلة ستضطر إلى التوقف عن طباعة عملات جديدة، فمناطق سيطرتها محدودة التداول ولا يُمكن الاكتفاء بتسويق العملة في تلك المناطق، وإن حدث ستنفجر مشكلة معيشية في المناطق المحتلة. 

الحرب الاقتصادية وحرب العملة 
الحرب الاقتصادية مصطلح يستخدم لوصف السياسة الاقتصادية التي يتم اتباعها كجزء من عملية عسكرية خلال زمن الحرب. تهدف الحرب الاقتصادية إلى الاستيلاء على عصب الموارد الاقتصادية في الدولة من أجل تمكين الجيش من العمل بالكفاءة الكاملة أو حرمان العدو من الحصول على هذه الموارد. تشمل الحرب الاقتصادية الاستيلاء على الأصول المالية للعدو ومنع التصدير، وتزوير العملات وضخها لمناطق العدو.
 الحرب الاقتصادية المالية كأحد مجالات حروب الجيل الخامس يُمكن أن تُشن في زمن السلم دون أن تكون هناك أي حروب عسكرية، من خلال المنافسة على الأسواق. والإغراق السلعي هو واحدة من وسائل الحرب الاقتصادية. ومن أبرز وسائل تلك الحرب لجوء الدول إلى فرض عقوبات اقتصادية، وهو ما يعد جزءاً رئيسياً من العقيدة العسكرية الأمريكية، فقد كان الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون (1913-1921) يعتقد بأن فرض العقوبات الاقتصادية من أهم أدوات السياسة الخارجية. 
ومن الأمثلة على ذلك العقوبات الأمريكية والأوروبية على إيران وكوريا الشمالية وروسيا، والعقوبات الأمريكية على كوبا التي امتدت إلى نصف قرن، وكذلك العقوبات على فنزويلا. وعلى الرغم من أن هذه العقوبات تستهدف ظاهرا السلطات الحاكمة إلا أنها تؤثر على أداء مؤسسات الدولة العامة والخاصة وتنعكس على المجتمع.
قامت تركيا والسعودية بطباعة الليرة السورية بكميات مهولة في الحرب الجارية ضد سوريا. إلا أن دمشق استفادت من خبرات موسكو في الحرب العالمية الثانية وخبرات طهران في حرب الخليج الأولى حين استخدم فيها العراق سلاح تزوير العملة الإيرانية وتوزيعها في الأراضي الحدودية المتداخلة بين البلدين والجيشين. 

تاريخ حرب العملات
في القرن السابع عشر كانت بريطانيا مصرة على السيطرة على كل المستعمرات الأمريكية والمصادر الطبيعية فيها. وللقيام بذلك حدد الإنكليز المعروض من المال وأقروا أن من غير القانوني للمستعمرات القيام بصك أو طباعة نقود معدنية خاصة بهم. وبدلاً من ذلك أُجبِرَت المستعمرات على التجارة باستخدام أوراق العملات الإنكليزية.
استمرت التوترات بين أميركا وبريطانيا بالتصاعد حتى اندلاع الثورة في عام 1775، حيث أعلن قادة المستعمرات استقلالهم كحكومات فيدرالية وأنشؤوا عملة جديدة دعيت بـ"العملة القارية" لتمويل جانبهم من الحرب. لكن كل حكومة فيدرالية طبعت المزيد مما كانت تحتاجه، دون الارتكاز على معيار أو أصول، ما جعل العملة القارية تشهد تضخماً سريعاً وأصبحت بلا قيمة بالكامل، ما أدى إلى تثبيط الحكومة عن استخدام الأوراق المالية لمدة قرن تقريباً.
 في ستينيات القرن التاسع عشر أصدرت الولايات المتحدة أكثر من 400 مليون دولار واعتبرتها وسيلة دفع قانوني لتمويل الحرب الأهلية، حيث دعمت الحكومة هذه العملة وصرحت بأنه يمكن استخدامها لإعادة دفع الديون العامة والخاصة، ولكن قيمتها تغيرت، وتم إصدار الدولارات الكونفدرالية أيضاً خلال القرن التاسع عشر والتي أصبحت بلا قيمة نهاية الحرب.

تجربة الحرب المالية النازية 
في الحرب العالمية الثانية قامت ألمانيا النازية باحتلال أجزاء كبيرة من فرنسا، وأقامت حكومة عميلة في "فيشي" ونقلت إليها مجلس النواب والبنك المركزي بهدف إضفاء الشرعية على الحكومة العميلة. وتأسيسا على ذلك حاولت ألمانيا إغراق العاصمة باريس والمناطق التابعة لها بالفرنك الفرنسي الذي تم تزويره بدقة عالية في إطار الحرب الاقتصادية المُكمِّلة للغزو النازي.

أترك تعليقاً

التعليقات