أنس القاضي

أنـس القاضـي / لا ميديا - 

ملخص لما سبق:
بعد فوز "سلفادور أليندي" بالرئاسة في تشيلي عام 1970، أطلق مشروع الإنقاذ الوطني، الذي تضمن رفع أجور الموظفين وتأميم القطاعات الإنتاجية الرئيسية، فاستاءت الولايات المتحدة من قرارات التأميم، وعملت على ممارسة الضغط الاقتصــادي ضــد تشـــيلي، وحرضت الهيئات الإقليمية ضدها، وخوَّفت المستثمرين من ضخ أموالهم في الاقتصاد التشيلي.
ثــــم اتخـــذت المؤامــــرات الأمريكية منحى تصاعدياً ضد تشيلي. وعندما فشلت كل هذه المؤامرات في التأثير على النظام الوطني، لجأ الأمريكان إلى التخطيط للانقلاب على النظام الوطني في تشيلي واغتيال الرئيس سلفادور أليندي.

وقد جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "هنري كيسنجر" ما يلي: "لا أفهم لم يجب أن نجلس جانباً ونراقب دولة تسير في طريق الشيوعية نتيجة لعدم تحمل شعبها المسؤولية، المواضيع أكثر أهمية من أن تترك للناخبين التشيليين ليقرروها بأنفسهم".
وهكذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية إبعاد الرئيس أليندي عن السلطة، وكان رجلها المختار لهذه المهمة هو قائد الجيش الجنرال العميل "أوغستو بينوشيه"، الذي تمكن من الاستيلاء على الحكم بانقلاب في 11 سبتمبر 1973.
بعد عام من الانقلاب على الرئيس أليندي، كشف مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "وليام كولب" الدور الذي لعبته المخابرات الأمريكية للتخلص من الرئيس أليندي، وذكر أن حكومة الرئيس نيكسون أنفقت 8 ملايين دولار على نشاط المخابرات الأمريكية في شيلي في الفترة من عام 1970 إلى 1973م، وذلك لعرقلة أعمال حكومة أليندي.
في صبيحة يوم الانقلاب الدموي، تحركت القوات المسلحة التشيلية بأوامر من قيادة الجيش العميلة للولايات المتحدة الأمريكية، لتسيطر على المناطق الاستراتيجية في تشيلي. وحين رفض الرئيس المنتخب التنازل عن السلطة تحركت القوات المسلحة نحو القصر الجمهوري، وبدأ قصف القصر بالدبابات والمدفعية والطائرات، واستمر إطلاق النار حتى تمت تصفية الرئيس وكل من فضلوا البقاء معه في القصر الرئاسي. واستمر القتال لبضعة أيام أُخرى في الأحياء العمالية والورش والمصانع بين الجيش من ناحية والعمال وبقية الفئات الاجتماعية التي انتخبت أليندي.

قراصنة الاغتيال الاقتصادي للأمم في الإكوادور
لا يختلف العدوان العسكري عن الاقتصادي في نتائجه وأهدافه النهائية. إذ يأتي العدوان الاقتصادي عبر الاتفاقيات المجحفة ونتائج شروط صناديق الإقراض والسياسات المالية المعادية للخدمات الاجتماعية، والبيئة، والاقتصاد الإنتاجي، وهو ما يعترف به الخبير الاقتصادي الأمريكي "جون بركنز"، أحد قراصنة الاقتصاد الذين وظفتهم الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يقول في كتابه "الاغتيال الاقْتصَادي للأُمَـم": "بسبب ما فعلته أنا وغيري من القراصنة الاقتصاديين، ساءت حال الإكوادور كثيراً عما كانت عليه قبل أن نسحبها إلى معجزات الاقتصاد الحديث والبنوك والهندسة، فمنذ عام 1970 وخلال الفترة التي عرفت تجاوزاً بمرحلة الازدهار البترولي، ارتفعت نسبة الفقر في الإكوادور من 50% إلى 70%، وازدادت البطالة من 15% إلى 70%، وازداد الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وفي الوقت نفسه تدنت حصة الطبقات الفقيرة من المصادر القومية من 20% إلى 6%. وللآسف ليست الإكوادور استثناء، فتقريباً كل بلد وضعناه نحن قراصنة الاقتصاد تحت مظلة الإمبراطورية المالية، واجه المصير نفسه، فمنذ 2004 بلغت ديون العالم الثالث أكثر من 2.5 تريليون دولار، كما يمثل عبء خدمة الديون أكثر من 375 مليار دولار سنوياً، وهو أكثر مما ينفقه العالم الثالث على التعليم والصحة، وأكثر 20 مرة مما تتلقاه البلدان النامية من معونات أجنبية".

جواتيمالا مثالاً للتدخلات العدوانية الأمريكية في أمريكا اللاتينية
في 1944 قامت ثورة شعبية في جواتيمالا الواقعة في أمريكا الوسطى، وعلى إثر هذه الثورة قامت حكومة وطنية ديمقراطية، وبدأت بشائر التنمية الاقتصادية المستقلة، أثار انتصار الثورة الجواتيمالية سخط حكام واشنطن، ووصف الوضع الثوري في جواتيمالا بأنه معادٍ للمصالح الأمريكية، مما استدعى انقلاباً عسكرياً دعمته إدارة الرئيس "كارتر"، عام 1952، فسُفكت الدماء، وعم الفساد في جواتيمالا، وعادت القوى العميلة لأمريكا إلى الحكم ثانيةً.
لم يكن ذنب الشعب في جواتيمالا أنه انتخب ديمقراطياً رئيساً تقدميا، ولم يزعج أمريكا هذا، ما أزعجها، أن قرارات هذه الحكومة قضت بإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين، وهو ما تصادم بصورة مباشرة مع أحد الاحتكارات الأمريكية، وهي شركة الفواكه المتحدة، فأخذت أمريكا على عاتقها مهمة إسقاط النظام وإعادة نظام الإقطاع الذي ينسجم مع مصالح احتكاراتها. ولأن الاشتراكية كانت تهمة، فكان الإرهاب الشيوعي والمد السوفياتي ذريعة أمريكا لتدخلاتها، كما تتذرع حالياً بالإرهاب الإسلامي. ففي مطلع 1954 كتبت مجلة "التايم" الأمريكية، أن سفارة الولايات المتحدة في جواتيمالا ترى أن واشنطن لا يمكنها السماح ببقاء جمهورية اشتراكية في المنطقة الواقعة بين تكساس وبنما، وأنهُ سوف يتعين عليها، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق مع حكومة جواتيمالا، التدخل لتعيد هذا البلد إلى الطريق الصحيح، ويجري في الوقت الراهن تطبيق هذه الصيغة بالكامل على حكومة "السندنيستا" في نيكاراجوا التي يطالبونها بـ"العودة إلى الطريق الصحيح".
لم تكتف أمريكا بالتهديد، بل فرضت عليها حصاراً اقتصاديا، وتحريضاً دينياً من الكنائس (كالتكفير الوهابي) تزعمه كبير أساقفة نيويورك "فرانسيس سليمان". وشائعات عن وجود مطارات سوفيتية في غابات جواتيمالا، كما سلطت أمريكا على جواتيمالا حملات تشويه معادية استمرت حتى إنضاج الظروف وتهيئتها للحرب، وفي الفترة ذاتها كانت تبتز اقتصادياً الدول المشكلة لمنظمة الدول الأمريكية، وفرضت عليها التصويت على قانون يجرم الاشتراكية، ويعتبرها نظاماً يتناقض مع ديمقراطية دول أمريكا. و"بعد أشهر قليلة من انعقاد المؤتمر العاشر لمنظمة الدول الأمريكية، قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية، بشن هجوم على جواتيمالا من أراضي "هندوراس"، مستعينة في عملها هذا بجيش من المرتزقة، وتمت الإطاحة بحكومة الرئيس أريبنز في 29 يونيو 1945، وتولت الحكم على مدى 30 عاما تالية نظم دكتاتورية موالية للولايات المتحدة، قتلت ما يربو على 100 ألف من الجواتيماليين من أجل مصالح أمريكا وأذنابها المحليين، وألغيت قوانين الإصلاح الزراعي وغيره من الإصلاحات التقدمية.
ويوضح التصور الإمبريالي الأمريكي لدور منظمة الدول الأمريكية، طبيعتها العدوانية المناهضة لكل جديد ثوري وديمقراطي يمثل الشعب، وكل تقدم اجتماعي واستقلال وطني، هذا التصور مازالَ استراتيجية أمريكية وخطوطها الحمراء تجاه كل قوى وطنية في أي بلد، فقد يختلف من بلد لآخر المكون الثوري أو الفكر الثوري، إلا أن ثوريته ومعارضته للسياسة الأمريكية الاستعمارية هو المحظور.
"ففي أغسطس 1982 اعتمدت أمريكا اقتراحاً تقدم به السيناتور سينز، وانطوى هذا الاقتراح على تحدٍّ للمجتمع الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وجاء في القرار: أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بما يلزم لمنع انتشار النظم الماركسية في أمريكا اللاتينية، وأنها سوف تستخدم القوة أو تهدد باستخدامها تحقيقا لهذا الغرض، وانطوى هذا القرار على المعاني التالية: -اعتبار أي أنشطة تقوم بها حركات التحرر الوطنية في القارة الأمريكية أعمالا تندرج تحت الأنشطة العدوانية الكوبية المُستخدمة للقوة. - اعتبار أي إجراءات مناهضة للإمبريالية مثل الإضرابات والمظاهرات والقرارات الصادرة عن البرلمانات أو غيرها من السلطات التي لا تقرها أمريكا، أعمالا تندرج تحت "الأنشطة الهدامة" من قبل كوبا. - اعتبار أي حوادث عنف في المنطقة أعمالا تندرج تحت الإرهاب الدولي الذي تموله وتديره كوبا".

مرتزقة الكونترا في نيكاراغوا
تاريخ نيكاراغوا أيضاً شهد احتلالات إمبريالية وانقلابات وحروباً أهلية مثل بلدان المستعمرات الجديدة الأخرى. وقد أُهدرت دماء 200 ألف نيكاراغوي خلال 100 سنة من أجل مصالح الاحتكارات الأمريكية، والمسؤولة عن هدر هذه الدماء هي مشاة البحرية الأمريكية "المارينز" حتى أواسط القرن العشرين، هذه السنوات كانت مرحلة احتلال علني للولايات المتحدة الأمريكية. حتى ظهور الكونترا، وهو جيش مرتزقة تم تشكيله من جماعات يمينية مدعومة من الولايات المتحدة، نشطت من عام 1979 إلى أوائل التسعينيات، في مواجهة الحكومة الوطنية، وقد اتخذت جماعات المرتزقة أسماء وطنية، من المجلس العسكري، وقوة الديمقراطية النيكاراغوية (الدفاع الوطني)، وصولاً إلى "المقاومة النيكاراغوية".

المقاومة مستمرة 
لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على القيام بتدخلات عسكرية مباشرة في دول أمريكا اللاتينية كما كانت عليه سابقاً، فاتجهت إلى تنفيذ تدخلاتها عبر دعم الجماعات المعارضة في البرلمان لسحب الثقة من الرؤساء المعارضين للولايات المتحدة، كما حدث مع رئيسة البرازيل "ديلما روسيف"، ورئيسة الأرجنتين "كرستينا"، ومحاولة فاشلة مع رئيس فنزويلا "مادورو"، وفيما تعود الأرجنتين إلى اليسار المقاوم مع فوز مرشح اليسار البيروني "فرنانديز"، وتبرز المكسيك كدولة مناهضة للإمبريالية الأمريكية، وتُفرج البرازيل عن الرئيس الأسبق والرمز اليساري "لولا دا سيلفا"، تتسع قاعدة العداء لأمريكا، حيث تنتج هذه التدخلات الأمريكية ردة فعل وطنية يسارية في دول أمريكا اللاتينية التي تقاوم الإمبريالية الأمريكية في "قارتها".

أترك تعليقاً

التعليقات