«الحكم الذاتي» الانتقالي
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، وبرعاية إماراتية مستمرة، فرض نفسه لاعباً في مسرح الصراع والعدوان على الساحة اليمنية، إلا أنه لم يصل إلى مستوى القدرة الذاتية على فرض خياراته والدفاع عنها، وهو في تركيبته يفتقد للديناميكية الداخلية التي توصله إلى هذا المستوى من القوة، ويظل قراره رهن الموقف الأجنبي المساعد والممانع. مغامراته السابقة أثبتت هذه الحقيقة، وبيانه الأخير يصطدم بهذا الواقع.
أعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي" مؤخراً "الإدارة الذاتية" و"حالة الطوارئ" في المناطق التي يسيطر عليها من جنوب الوطن، فيما قالت الحكومة العميلة إن "إعلان الانتقالي نيته إنشاء إدارة جنوبية هو استئناف لتمرده المسلح، وإعلان رفضه وانسحابه الكامل من اتفاق الرياض". ودعت الحكومة العميلة إلى تحرك أممي وعربي وإسلامي ضد ما سمته "انقلاب" المجلس الانتقالي، فليس الانتقالي فقط من يعاني الكساح ورهين الموقف الأجنبي، فهو يتساوى في هذا مع الحكومة العميلة المقيمة في فنادق الرياض.
تحول "الانتقالي" في شعاراته من استعادة الدولة و"الاستقلال"، إلى الإدارة الذاتية وليس حتى "الحكم الذاتي"، ارتداد حاد، وهي خطوة إلى الخلف أكثر واقعية من قفزاته السابقة في الهواء.
إعلان الانتقالي يكشف الفشل السعودي في تنفيذ اتفاق الرياض، وعدم وجود تناسق بينها وبين الإمارات، الأمر الذي يُنذر بتفجر الأوضاع عسكريا في جنوب البلاد، وحدوث المزيد من التصدعات في جبهة تحالف العدوان. هذه الخطوة بالنسبة للحكومة العميلة تعتبر بداية "انقلاب مكتمل الأركان" بعد التحركات العسكرية للانتقالي للسيطرة على المباني والمؤسسات السيادية التابعة للحكومة العميلة، والتي تخضع لحماية قوات سعودية في الغالب أو قوات تابعة للحكومة العميلة. وبالنسبة للانتقالي فإن هذه التحركات تعتبر محاولة فعلية لإقامة الإدارة الذاتية. ولا يمتلك المجلس الانتقالي الجنوبي ما يكفي من القدرات والإمكانيات والموارد لفرض الأمر الواقع في جنوب اليمن والاستمرار به والدفاع عنه في مواجهة الجميع.
قبائل وادي وصحراء محافظة حضرموت، التي تميل إلى السعودية، أعلنت رفضها إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، وأيدت موقف السلطة المحلية العميلة في حضرموت، الرافض لخطوة المجلس الانتقالي. ومثل هذا الموقف الرافض للانتقالي صدر عن كل من قيادة السلطات المحلية المعينة من قبل الحكومة العميلة في محافظات شبوة، أرخبيل سقطرى، والمهرة، وهو مؤشر ليس في صالح الانتقالي، إذ أبدى عجزه عن إحداث انشقاق في سُلطات المحافظات، وتراجع تأثيره السياسي محلياً عما كان عليه سابقاً، لصالح تصلب التأثير السعودي عبر الحكومة العميلة وبتجاوزها بصورة مباشرة مع النخب غير الوطنية في هذه المحافظات.

ردود الأفعال الدولية
أجمعت ردود الأفعال الدولية، الأمريكية والأوروبية والخليجية والأممية وجامعة الدول العربية، على تخطئة خطوة الانتقالي، ودعوته للعودة إلى ما قبل الإعلان. وهي دعوات لا يُمكن الوثوق بها. وإذا ما جئنا لقراءتها مع التشكيك بمصداقية خطابها الدبلوماسي، فما بين سطور هذه البيانات والمواقف يعطي الانتقالي فرصة إعادة التفاوض مع حكومة هادي ونيل مكاسب جزئية يُمكن العمل عليها مستقبلاً بما يوصل إلى الانفصال.

ضيق الأفق
دعوات الانتقالي مازالت حتى الآن محصورة في مناطق سيطرته العسكرية، وبشكل رئيس في محافظات عدن ولحج والضالع، مع وجود موقف جماهيري في هذه المحافظات ضد توجهات الانتقالي وساخط عليه، ولم تعم دعوة الانتقالي الجنوب اليمني كواقع سياسي، كما في نموذج حكم اللجنة الثورية العليا في صنعاء، التي حكمت معظم المحافظات اليمنية من بعد الإعلان الدستوري وفق شرعية ثورية، والتي قد يُسميها البعض انقلاباً، فالجوهري في تجربة ثورة 21 أيلول/ سبتمبر نفاذ الحكم والسيطرة، وهو الأمر الذي عجز عنه الانتقالي.
ستظل دعوة الانتقالي قيد الخلافات السياسية وضمن استقطابات الصراع، ولا يُمكن أن تنتج واقعاً جديداً بين ليلة وضحاها؛ فسياسة فرض الأمر الواقع في الانفصال لا تمنح الاعتراف الداخلي ولا الخارجي. والشاهد على ذلك الوضع في الصومال وكردستان العراق.
من المحتمل أن يُعطى الانتقالي بصورة غير رسمية الحكم الذاتي للمحافظات المُسيطر عليها بروابط مناطقية كالضالع ولحج وعدن، فواقع الأمر أن حضرموت والمهرة تشهدان الآن حكماً ذاتياً من قبل السلطة المحلية المعينة من قبل هادي بالتبعية المباشرة للسعودية.
ربما تكون الإدارة الذاتية خطوة باتجاه الانفصال، لكن ذلك غير واقعي وفق موازين القوة في الواقع، ولا يُمكن الحكم بشكل دقيق على الخطوة المستقبلية مادامت خطوة الحكم الذاتي لم تتضح بعد ولم ترسخ نجاحاً أو فشلاً، إلا في حال كانت خطوة الانتقالي هذه إخراجاً مُعداً مسبقاً للانفصال. مثل هذا الأمر غير مستبعد، فالولايات المتحدة وبريطانيا ستوافقان وتساعدان على خطوة كهذه، من أجل ضمان نهب النفط اليمني الجنوبي والسيطرة على الممرات الدولية. إلا أن علاقة هذه الدول بالحكومة العميلة وشخصياتها أكثر عمقاً من علاقتها بالزبيدي وبن بريك، وما زالت الصورة غير مكتملة في اليوم الثاني من إعلان الانتقالي وتحتاج إلى مزيد من المتابعة.

 خلفية الصراع
كان الانتقالي قد أعلن تشكيل هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي يوم 11 مايو 2017، بعد ما سماه "بيان عدن التاريخي"، باعتبار أنه المعبر عن "الحراك الجنوبي"، فيما لم يحظ بهذا الاعتراف من قبل القوى السياسية اليمنية والفصائل الحراكية الجنوبية. 
في العاشر من أغسطس 2019، سيطرت قوات المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيا على قصر معاشيق الرئاسي في عدن، في حين قالت الحكومة العميلة إن الانفصاليين الجنوبيين نفذوا انقلابا على الحكومة المعترف بها دوليا.

اتفاق الرياض
بعد نحو 3 أشهر من انقلاب عدن، وقعت الحكومة مع المجلس الانتقالي الجنوبي اتفاقا بالعاصمة السعودية الرياض في 5 نوفمبر 2019، نص على تشكيل حكومة كفاءات لا تتعدى 24 وزيرا، بحيث تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية. ونص الاتفاق كذلك على عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، والشروع في دمج كافة التشكيلات العسكرية ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، فضلا عن ترتيبات عسكرية وأمنية أخرى، وتبادل أسرى المعارك بين الطرفين. وحدد الاتفاق شهرين مهلة زمنية لتنفيذ بنوده. غير أن معظم هذه لم تنفذ، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين. والبيان الأخير للانتقالي يعلن فشل هذا الاتفاق الذي رعته الرياض.

أترك تعليقاً

التعليقات