أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

مع مجيء فيروس «كورونا»، فإن الاقتصاد العالمي والأمريكي يعاني من ركود واحتمالات استمرار الجائحة سوف تعمق من هذا الركود العظيم، الذي يأتي اليوم فيما الاقتصادي الإمبريالي لم يتعاف بعد من أزمة الركود المرتبطة بأزمة العام 2008.
أدى انتشار الفيروس في حوالي 189 دولة إلى تداعيات اقتصادية كبيرة تسببت في إرباك السوق المالية العالمية. 
انعكاساً لصدمات تلحق بالعرض والطلب تختلف عن الأزمات السابقة، أنتجت الجائحة المرضية الدولية ركوداً اقتصادياً في الدول الرأسمالية الكبرى، وما حمله ذلك من إفلاس الكثير من المصانع والمؤسسات الإنتاجية وتباطؤ الدورة الإنتاجية، واتساع نطاق بطالة القوى المنتجة سيؤجج النزاعات الطبقية، وما تحمله من مشاكل اجتماعية قادمة بين العمل والرأسمال.

ثانيا: الأزمة العامة
مع انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917، أنشق سدس مساحة الكرة الأرضية عن عالم الرأسمالية. تبع ذلك نهوض عُمَّالي داخل البلدان الرأسمالية نفسها، وكذلك نهوض شعوب العالم من أجل التحرر الوطني من الاستعمار العسكري ومن الاستعمار الرأسمالي الاقتصادي، مما أفضى إلى حراك شامل في عموم العالم بشكل جعل هذه الحركة المضادة للاستعمار وللرأسمالية منظومة واحدة. وهذا الحراك المنظومي الشامل أوجد ما يسمى الأزمة العامة للرأسمالية أزمتها في التوسع الأفقي إلى بلدان جديدة. وهذا لم يدم طويلاً، فقد استطاعت الاحتكارات متعددة الجنسيات من التوسع الأفقي في بلدان جديدة، إلا أن توسعها أدى إلى أزمة مضادة عمودية، أي أن الدول التي صدرت إليها الرأسمالية الأمريكية رؤوس أموالها وشغّلتها فيها، أصبحت الشركات في هذه الدول المُلحقة اقتصادياً تصدر وتنافس الشركات الأم في البلدان الكبرى. فعلى سبيل المثال، دول مثل الفلبين وتايوان وكوريا الجنوبية وتركيا وغيرها، تم تصدير الرأسمال الغربي إليها، هذه الدول اليوم تصدر سلعها إلى الدول الغربية، أي أنها تنافس الإمبريالية في عقر دارها، وهذه طبيعة الأزمة المضادة، وكثير من المنتجات الصينية واليابانية تغزو اليوم أسواق الولايات المتحدة الأمريكية التي لجأت إلى التخلي عن اتفاقية «الجات» وقامت بإجراءات حمائية. يضاعف من هذه الأزمة تأثير الثورة العلمية التكنيكية، التي رغم الاحتكار المفروض فهي تتسع في بلدان عديدة من الدول المتخلفة تقنياً، ولن يدوم تخلفها طويلاً فلم يعد بالإمكان محاصرة هذه الثورة التكنيكية والتقنية، فإذا لم يصل التكنيك أصبحت تهرب التقنية وتستنسخ كما تفعل كوبا وكوريا الشمالية وفك الحصار عن إيران سيسمح لها بالتقدم التكنيكي ما يعود بالنفع على حلفائها، وكذلك نشاط «محور البريكس» و«محور شنغهاي» سيكون له دور مستقبلي في كسر الاحتكار الغربي عن التكنيك الحديث.

ثالثاً: الأزمة البنيوية (الهيكلية)
تعني استنفاد كل البلدان الرأسمالية، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية نسبياً، من كنوزها الطاقية المعدنية المستهلكة منذ 500 عام، مما يجعلها ترتبط بدول العالم الاشتراكية السابق، وبالبلدان النامية التي تتعرض مؤقتا للابتزاز والنهب. وهذه الأزمة في الموارد التي برزت بشكل كبير منذ السبعينيات تعني انسداد الأفق الصناعي الاقتصادي للرأسمالية بدون هذه العلاقة مع الدول النامية والاشتراكية السابقة والاشتراكية الانتقالية التي ستمضي نحو التوازن. وستحقق البلدان هذا التوازن كلما اتسعت واكتملت الديمقراطية في البلدان الاشتراكية سابقا والبلدان النامية، فالديمقراطية التي تحقق تماسك اللحمة الاجتماعية بين مختلف المكونات والتيارات والثقافات والمناطق هي أساس صون الاستقلال الوطني ومنع النهب الإمبريالي.

رابعاً: الفقاقيع المالية
 تعاني الرأسمالية العالمية من بروز فوائد كبيرة في اللعب بالأسواق المالية وسائر مجالات المضاربة من العقارات حتى سعر صرف العملة، مما أدى إلى الهبوط بالاقتصاد الفعلي الإنتاجي وظهور اقتصادات مالية وهمية في أرقام البورصات، ولا يوجد على الأرض سلعة ملموسة تعطيها القيمة، وأثر هذا النزوع الطفيلي في بروز أزمة أخرى أكبر هي الأزمة المالية وفقاعاتها المتفجرة حتى الآن في الغرب وأمريكا بما في ذلك اليابان.
فيما مضى، ومن بعد تشكل النظام المالي العالمي المعروف، كان كل شيء طبيعيا في الولايات المتحدة الأمريكية طالما والأمريكيون يطبعون الدولار ويوسعون من سوقه الخارجية، يصدرونه ليزيح العملات المحلية الإقليمية ويحل محلها ويرفع من الناتج المحلي الإجمالي؛ إلَّا أن هذا التوسع وصل إلى أقصى حد ولم يعد هناك مجال للتوسع إلا في دولتي إيران وكوريا الشمالية. وحتى إذا ما توسع في هذين البلدين، فلن يكون ذلك كافيا لاستمرار هذا النظام المالي الذي يموت إذا لم يجد أسواقاً جديدة.
هذا النموذج المالي العالمي لم يعد له مستقبل فاعلية واستمرار مردودية توظيف القروض في انخفاض المشكلة الأساسية اليوم، وهي في عدم إعادة إنتاج رأس المال أي ليس في الامكان توظيف المال في قطاع حقيقي ينتج سلعاً وخدمات ملموسة.

خامساً: تأثير المجمع الصناعي العسكري في ميزانيات الدول
تأثير المجمع الصناعي العسكري في ميزانيات الدول يجعل معظم أموال الدول لا تذهب إلى القطاعات الصناعية الخادمة للتقدم الاجتماعي، بل نحو الصناعات العسكرية، وهذا يؤدي إلى نزوح العديد من البلدان الرأسمالية والبلدان النامية عن هذه المجمعات الصناعية، في ظل أخذ الدول الرأسمالية (غير المصنعة للسلاح) حاجتها من السلاح من الدول الاشتراكية السابقة كروسيا، أو الاشتراكية الانتقالية كالصين، وفي ظل أيضاً منافسة المجمعات العسكرية الرأسمالية للمجمعات العسكرية الرأسمالية الأم. كل ذلك يجري مع وتائر سريعة التضخم المالي والسلعي، ويؤثر فوضى حركة الأوراق المالية التي تعبر عن الفوضى في حركة الاقتدار الصناعي السلعي والتكنولوجي، التي أشرنا أعلاه إلى جوهر أزماتها من أزمات الركود والأزمة العامة والأزمة الهيكلية واللعب بالأسواق المالية.

سادساً: تعمق واتساع 
ونشوء العديد من الثورات العلمية التكنيكية في كل أنحاء العالم المتحضر
أدى تعمق واتساع ونشوء العديد من الثورات العلمية التكنيكية في كل أنحاء العالم المتحضر دوراً في اتساع شدة التناقض التناحري مع حركة أشكال الملكية الخاصة، ومجموع نشاطات حركة الطغم المالية، مما يهيئ لحشد اجتماعي واسع ضد الرأسمالية، لاسيما إذا ما تمكنت دول الاشتراكية الانتقالية الراهنة من تعميق الحرية والديمقراطية، وتوفير الحد الأدنى من الرخاء في هذه المجتمعات الانتقالية، مما يجعل من الرأسمالية تبحث مضطرة عن طريق جديد أكثر إنسانية للتطور والتقدم. هذه الأزمات الست تؤثر بعضها على بعض وتقود بعضها بعض في صيغة أزمة مركبة لا فكاك لها ولا مخرج لها ألا بالتغير المؤنسن.


المراجع:
ـ لينين مؤلف الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية - إبريل 1917 روسيا.
ـ فالتين كاتاسونوف: «فيروس كورونا» بدلا من الحرب العالمية... تأملات حول الدورة الاقتصادية - الفيروسية».
ـ تم الاستفادة من حلقة «رحلة في الذاكرة» قناة «روسيا اليوم» مع مستشار دولة ميخائيل خازين عن «تاريخ بداية واقتراب نهاية نظام بريتون وودز المالي العالمي»، جون 2020.
ـ المفاهيم العامة للأزمة استقيتها من مقال الأستاذ علي عبدالفتاح عن الأزمة، حيث يعرف الأزمة بما يلي: «الأزمة هي اختلال في عناصر منظومة الشيء حيث يعتبر كل شيء منظومة وليست أحادية صرفة، فضلا أن يكون الشيء ظاهرة، فما هي إذن الأزمة العادية؟ هي اختلال في القليل من عناصر الشيء، أما المروحة التي قد تصبح جذرية فإنها اختلال في نصف عناصر الشيء تقريبا، أما الجذرية النهائية فهي اختلال في معظم عناصر الشيء أو الظاهرة إن لم تكن في كلها، وهي ما بدأت تدخلها جميع الانظمة الرأسمالية ابتداءً من أواخر السبعينيات وبالذات في عامي 1980-1981 وصعودا إلى أيامنا هذه، حيث بدأت تنكشف على مستوى المواطن العادي شيئاً فشيئاً».

أترك تعليقاً

التعليقات