أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

إن الجماهير الشعبية التي عدد الصماد فئاتها في خطابه بالسبعين إيماناً بدور الشعب، هذه الطبقات والفئات تضم منتجي الخيرات (الخدمات المادية) والمعارف الروحية والعلمية، التي تضطلع فعلاً بدور حاسم في صناعة التاريخ. كما أنها القوة الفاصلة في الميدان السياسي أيضا. وجاءت كلمة الرئيس الصماد هذه التي عدد بها الفئات الاجتماعية لتطلق مشروع بناء الدولة، وليؤكد لهم ذلك التعداد أن هذه القوى الاجتماعية هي المعنية ببناء الدولة وفق شِعار "يد تحمي ويد تبني".
 ولأن المجتمع اليمني في معظمه مجتمع ريفي زراعي، فمن هنا يأتي تأثير القبائل والفلاحين الفعَّال في هذه المرحلة التاريخية الهامة، وهي الجماهير الريفية الكادحة التي تسخر منها بقية القوى السياسية، وخاصة القوى التي ترى في الحقوق الشخصية المدنية والفردية غاية لنضالها ووجودها. 

الشراكة الوطنية والمسؤولية التاريخية 
 لا يكاد يخلو خطاب للرئيس الشهيد صالح الصماد من دعوة موجهة إلى القوى السياسية اليمنية إلى الشراكة الوطنية، التي هي امتداد للإيمان بالشعب ودوره في صناعة التاريخ وحقه في التطور والاستقلال، هذه الشراكة التي هي أحد ثوابت اتفاق السلم والشراكة الذي كان الصماد أحد صُنّاعِه، والذي أكد لمختلف القوى اليمنية أن ثورة 21 أيلول لم تأت حاقدة ومنتقمة من أحد كما فعل الإخوان المسلمون في مصر. والشراكة الوطنية في الوقت ذاته ليست مجرد قناعة بل ضرورة موضوعية يتطلبها الواقع الداخلي اليمني من أجل خوض معركة مواجهة العدوان بكل اقتدار، ومن أجل سحب الذرائع عن دول التحالف المعتدية، وموضوعيتها وضرورتها هي التي رسختها كقناعة سياسية. وانطلاقاً من هذه الثوابت والحاجات المُلحة ظل الرئيس الشهيد صالح الصماد يدعو إلى الشراكة الوطنية، وبمسؤولية وطنية عالية من موقعه كرئيس للجمهورية، مُمهداً الطريق والسبل أمام مختلف القوى اليمنية للالتحام بالصف الوطني. وقدم من أجل ذلك العديد من المبادرات، وأصدر قانون العفو العام كإبداء لحسن النية. مخلصاً كل القوى اليمنية إلى الحوار الوطني وإلى تقديم مخاوفها من أجل نجاح الشراكة وعودتهم إلى الصف الوطني، مُستشعراً مسؤوليته تجاه المرتزقة اليمنيين والآسف على مصيرهم. 
استوعب الرئيس الصماد المسؤولية التاريخية والظرف التاريخي الذي يمر به الشعب اليمني، والذي يحتاج فيه إلى كل الطاقات اليمنية وإلى وحدة الصفوف المحلية وتماسك الجبهة الوطنية، من أجل الدفاع عن وطن كل اليمنيين، وعن مستقبل الشعب وسيادته ووحدة أراضيه الجمهورية، وبذل كل جهوده من أجل استنهاض وطنية عموم القوى اليمنية للقيام بمسؤوليتها في الدفاع عن الوطن اليمني، مؤكداً الحقيقة التاريخية عن أن العدوان لا يستهدف مكوناً بذاته وفصيلاً بعينه، بل يستهدف الوطن اليمني وسيادته ووحدته وحضارته، مُستدلاً بواقع المشاريع الضيقة المنافية للوطنية اليمنية وللشراكة والديمقراطية والتي ظهرت إبان العدوان وفي مناطق سيطرته. 

مدنية الدولة وقضايا الحقوق والحريات 
لم تغب قضايا الدولة المدنية والحقوق والحريات عن خطابات الرئيس الشهيد صالح علي الصماد، برغم طغيان الروح العسكرية في هذه المرحلة عالميا وإقليميا ومحلياً. وقناعة الرئيس الشهيد بالدولة المدنية تعكس شخصيته غير العسكرية، وتعكس أيضاً طبيعته التربوية القائمة على الإقناع، لا على القسر والفرض. كما أنه رئيس قادم من خارج منظومة الجيش.
 وإذا كانت الأجهزة الاستخباراتية هي الأساس القمعي الذي قامت عليه السلطة سابقاً وفرضت عبره الطابع العسكري للحكم، وقمعت به الحقوق المدنية بشقيها الاجتماعي والسياسي الديمقراطي، فإن الرئيس الصماد جاء برؤية مغايرة للطبيعة السابقة للأجهزة الاستخباراتية، لتقوم على أسس وطنية مدنية جديدة بعيداً عن الطابع الفاشي القمعي السابق، متصالحة مع الشعب والجماهير، لتؤدي مهامها الدستورية الفعلية في حماية الحقوق الدستورية والأمن القومي للبلد. حيث يحدد الصماد أن تكون "عملية التعامل مع الناس وفق الدستور والقوانين، وأيضا احترام كرامة الناس والتعامل معهم بتكريم، مما يجعل الناس يرتاحون لذكر جهاز الأمن السياسي وجهاز الأمن القومي، عندما نحس أنهما جهازان يعملان على بث الأمن والطمأنينة، بعد أن كانا سابقاً يخدمان أجندة... "البعض كان يتهيب من ذكر اسم الجهاز إذا ذُكر له الأمن السياسي. نحن نريد أن يرتاح الناس، أن تُبث الطمأنينة عندما يُذكر جهاز الأمن المركزي السياسي، لما يقوم به من دور في بث الأمن والاستقرار". وهذه الرؤية الجديدة التي أرادها الصماد للأجهزة الاستخباراتية تُعد انقلابا تاما على مفهوم الأمن السياسي أو الأمن الوطني سابقاً، الذي كان سائداً قبل التعددية الحزبية في اليمن الشمالي وكان جزءاً من المنظومة الأمنية الغربية موجهاً ضد الأحزاب السياسية وبشكل رئيسي ضد القوى اليسارية والقومية والإسلامية الثورية. فيما يرى الرئيس الصماد أن هذا الجهاز، وبعد أن تطهر من المرتزقة، يجب أن يرتقي نشاطه إلى حماية أمن البلاد من الجماعات الإرهابية والاختراقات الاستخباراتية ورعاية الحقوق والحريات الدستورية. 
منذ خطاب أداء القسم الدستوري، أكد الرئيس الصماد تمسكه بالنهج السلمي الديمقراطي، واحترام حقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الجمهورية اليمنية. ولم تظل هذا التأكيدات مجرد متطلب عرفي في خطاب اليمين الدستوري، إذ ظل الرئيس الصماد يؤكد هذه الحقوق والحريات المدنية في كل خطاباته، وفي ممارسته وإفراجه عن المعتقلين السياسيين والإعلاميين. وهذه الحريات المدنية مشروطة في فكر الصماد بأن تكون وطنية في جوهر ممارستها، بما يحمي البلد وتنوعه وتماسكه الاجتماعي. 
 في مختلف لقاءات الرئيس الصماد مع الأجهزة الأمنية، أكد ضرورة أن تقوم هذه الأجهزة بدورها في حماية الحقوق المدنية، وفق رؤيته الوطنية المدنية للبناء على الصعيد الأمني، حيث وعى الرئيس الصماد أن الأجهزة الأمنية التي هي تماس مباشر مع المواطنين في الحياة اليومية، هي التي تعكس للمواطن صورة الدولة، مما يتطلب رعاية رجل الأمن ليؤدي عمله على أكمل وجه. وفي إطار هذا التوجه المدني في الارتقاء بعمل الأجهزة الأمنية، دعا الرئيس الصماد وزارة الداخلية إلى إقامة ورش عمل ودورات تدريبية لرجال الأمن حول مهامّهم، وحول الضوابط الأخلاقية والإجرائية التي ينبغي مراعاتها في العمل الأمني.
وقد حمل الرئيس الصماد على عاتقه مهمة ترسيخ السلوك القانوني في الأجهزة الأمنية، وإعادة بنائها على أُسس جديدة تستفيد من القوانين واللوائح القديمة غير المفعلة للأجهزة الأمنية، مع الجهود المخلصة الثورية والجهادية التي يقوم بها رجال اللجان الشعبية، والذين يتجاوزون في بعض الأحيان الأسس القانونية في سلوكهم العملي. وخاطب الرئيس الشهيد صالح الصماد اللجان الشعبية قائلاً: "إن مهامكم التي قمتم بها خلال الفترة الماضية تأتي من منطلق الثقافة الإيمانية التي تربيتم عليها في البذل والعطاء، ومن أجل الوطن، وانضمامكم لهذه المؤسسة وانضباطكم في إطارها ليس مكافأة لكم، فما تستحقون من الأجر والثواب ليس بِرَسمنَتِكُم، وانضمامكم وانضباطكم في هذه المؤسسة يأتي امتداداً لمهامكم الوطنية في توحيد الجهود، وتقديم النموذج الراقي للرجل المؤمن الذي يحافظ على قيمه وأخلاقه في أي مكان كان، ويقدم نموذجاً يحتذى به في كل سلوكياته العملية".
رؤية الصماد للدولة المدنية والحقوق والحريات تبتعد في مضمونها عن الدولة المدنية كما يُقدمها الليبراليون الذين يرون فيها دولة خدماتية معبرة عن مصالح من يملكون شراء هذه السلع والخدمات ويملكون التمتع بالحريات الاجتماعية، فيما أخذت الدولة المدنية في فكر الرئيس الشهيد صالح الصماد طابعاً ديمقراطياً، أي في ضرورة أن تكون الحقوق والخدمات المدنية لكل الشعب، وهو ما عبر عنه في مقولة: "دولة للشعب وليس شعب للدولة"، التي قالها قبل 10 أيام من استشهاده في لقائه من السلطة المحلية بمحافظة ذمار، وهو خطاب مهم على صعيد استشفاف رؤية الريس الشهيد الصماد لهوية الدولة وجوهر مهامها.

قضايا السلطة والاقتصاد والشفافية ومكافحة الفساد 
 في الحديث عن الإصلاح الاقتصادي والسياسي ومكافحة الفساد تجلت رؤى الرئيس الشهيد صالح علي الصماد الكامنة في شِعاره "يدي تبني ويد تحمي"، وتتحدد بشكل رئيسي في جانب البناء التراكمي على ما هو موجود، وإصلاح الخلل فيه ومكافحة الفساد، ليتحقق للشعب النمو والرفاه والسعادة.

أترك تعليقاً

التعليقات