أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

الحرب على بلادنا قبل كل شيء هي حرب الرأسمالية الاحتكارية الأمريكية لا حرب السعودية ولا علاقة جوهرية لها بمصير هادي وحكومته العميلة، مصير هذه الحرب العدوانية مرتبط بالمصلحة الرأسمالية المباشرة للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي في بيع الأسلحة والمنظومات الدفاعية وتأجير الأقمار الصناعية، ومتعلقة بصورة غير مباشرة بالمنظومة الرأسمالية الأمريكية المالية والبترولية والصناعية غير العسكرية القائمة على نهب الموارد وتصريف السلع.
عند الحديث عن عملية صنع القرار في أمريكا خصوصاً قرار الحرب، فإن عمل اللوبيهات هو أول ما يتبادر إلى الذهن، وفي مقدمة هذه اللوبيهات المجمع الصناعي العسكري المتغلغل في مفاصل المؤسسات السياسية والتربوية والإعلامية والثقافية والفنية، وهو شديد الترابط باللوبيات النفطية واللوبي الصهيوني، وهم من يصنعون السياسة الخارجية الأمريكية، بالذات تجاه العالم العربي والإسلامي.
المؤسسة العسكرية الأمريكية هي أكبر زبون للمجمع الصناعي العسكري في أمريكا، ومنذ بداية العدوان على اليمن اشتغلت مصانع السلاح الأمريكية بكل طاقاتها، وقد مارس المجمع الصناعي العسكري الأمريكي نفوذا حاسماً لاستمرار الحرب على اليمن.

سيادة المجمع الصناعي العسكري أحد مظاهر الإمبريالية
التدخل باستخدام القوة العسكرية المباشرة عنصر بارز في السياسة الخارجية الأمريكية. ينطوي التدخل العسكري الخارجي على حقيقة متعلقة بالفائض الرأسمالي، فالعمليات العسكرية والإنتاج العسكري يعدان من أهم وسائل إعدام الفائض المالي في أمريكا بواسطة الصرفيات الحكومية لصالح القطاع الصناعي العسكري، حيث تذهب الأموال المتراكمة لصالح تمويل الحروب فيما يُحرم منها الشعب، وتتجمع الأموال الناتجة عن الاستثمار في قطاع الصناعات العسكرية بيد قلة تبحث دوماً عن فرصة جديدة للاستثمار خارج حدود الولايات المتحدة بشكل دوري، وهذا لا يمكن إلا أن يقترن بسياسة عدوانية استعمارية على المستوى الخارجي.
هذه العلاقة ما بين السياسي والعسكري وتغلب العسكري الصناعي على السياسي هي من أبرز مظاهر الرأسمالية الاحتكارية الأمريكية في طورها الإمبريالي، حيث الاندماج ما بين الرأسمال المالي والرأسمال الصناعي مع الحكومة أو الدولة، تحولها إلى جهاز طبقي يخدم هذه الاحتكارات بصورة مباشرة. فالحكومة الأمريكية هي فعلاً واقعة تحت تأثير مصالح المجمع الصناعي العسكري، وهذا المجمع منذ الخمسينيات يبذل جهده للضغط على مؤسسات صنع القرار الرسمية وغير الرسمية، فضلاً عن مراكز البحوث والإعلام والسينما، هو من جهة يصنع الحروب ومن جهة ثانية يدافع عنها سياسيا ويبررها إعلاميا وفنيا وثقافياً.

العدوان على اليمن ينشط مصانع السلاح الأمريكية
دور الجيش الأمريكي خارج بلاده بات يمثل منشطاً مهماً للإنتاج الصناعي العسكري ولعملية تصريف هذا الإنتاج في أسواق الجيوش الحليفة والمناطق الساخنة وبخاصة منطقة العالم العربي والإسلامي، السلك الحربي الأمريكي يعمل على توظيف مئات الآلاف من الأمريكيين الشباب والعاطلين عن العمل، وهذا يسهم في تخفيف المشاكل الاجتماعية الاقتصادية الناتجة عن البطالة على حساب دماء بقية الشعوب.
كان ترامب واضحاً في تعليقه على صفقات السلاح مع السعودية في العام 2017م بالقول إنها ستوفر 500 ألف فرصة عمل في أمريكا، ورغم وجود خلافات حول دقة الرقم الذي قدمه ترامب، إلا أنه لم يجافِ الصواب حين ربط صفقات السلاح للسعودية بتوفير فرص عمل في أمريكا، وبمعنى آخر ربط الحرب على بلادنا بتدوير تروس مصانع السلاح في الداخل الأمريكي.
ففي 20 مايو 2017، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باسم الولايات المتحدة صفقات مع السعودية بلغت قيمتها 350 مليار دولار أمريكي. وتُعد هذه الصفقة أكبر صفقة في التاريخ بين البلدين، وقد ذهب جزء كبير منها إلى الجانب العسكري الأمني.

ترامب والمجمع الصناعي العسكري
ولم تكن مصادفة أن وزير الدفاع الأمريكي مارك آسبر الذي عينه ترامب، كان مسؤولا تنفيذياً كبيراً في شركة «رايثون»، وهي من كبريات الشركات المتخصصة في أنظمة الدفاع الأمريكية، وهو في هذا الموقع لم يكن ممثلاً عن الحزب الجمهوري ولا ممثلاً عن الجهاز الرئاسي التنفيذي في إدارة ترامب أكثر من كونه ممثلاً عن مصالح جنرالات المجمع الصناعي العسكري، وعلى الدوام كان كبار جنرالات أمريكا في الجيش والأمن الداخلي وأجهزة الاستخبارات والأمن القومي هم أنفسهم كبار مُلاك شركات السلاح، يؤيدون السياسة الأمريكية الاستعمارية ليبيعوا للحكومة أسلحتهم!
ورغم أن ترامب دخل في صدامات مع جنرالات المجمع الصناعي العسكري وغير وزير دفاعه ومستشار الأمن القومي لأكثر من مرة بسبب سياسته المضطربة، إلا أنه كان خير رئيس معبر عن مصالح المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وفي تسويق منتجات الشركات العسكرية الأمريكية في دول الخليج، وقد استطاع المجمع الصناعي العسكري الأمريكي عبر ترامب في فض اتفاقيات الحد من الأسلحة التي تم التوصل إليها مع روسيا منذ ستينيات القرن الماضي، وكذلك التراجع عن الاتفاقية بشأن الملف النووي الإيرني، ومن شأن التراجع عن هذه الاتفاقية عودة سباق التسلح، وبالتالي عودة النشاط الاقتصادي للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
في نوفمبر 2020م خلال لقاء جمعه مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، قال وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، إن «المجمع الصناعي العسكري الأمريكي سينقذ الشرق الأوسط»، في تلميح إلى صفقات السلاح التي أبرمتها أمريكا مع كل من السعودية والإمارات في المنطقة.

السياسة الخارجية الأمريكية عسكرية!
إن فرضية وقوف المؤسسة العسكرية الصناعية الحربية الأمريكية وراء أغلب القرارات العدوانية فرضية لا شك فيها، وفي العدوان على اليمن اتضحت هذه الحقيقة، ووصلت الوقاحة بالرئيس الأمريكي إلى أن يعرض على وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان منتجات أمريكا العسكرية في قائمة مشابهة لقوائم الطعام التي تقدمها المطاعم لزبائنها، وهذه سابقة تظهر فيها بجلاء مدى الترابط بين السياسة والتجارة العسكرية في أمريكا، ومدى هيمنة المجمع الصناعي الأمريكي على الحياة السياسية في تلك البلاد.
بنية المجمع الصناعي العسكري الأمريكي لا تنحصر فقط بالأدوار السياسية التي يقوم بها، إذ للمجمع الصناعي الأمريكي نفوذ آخر بجانب نفوذه في المؤسسات السياسية، وهو نفوذه الاقتصادي الحاسم، حيث يقدم القطاع الصناعي الحربي العدواني المردود الاقتصادي الهائل الذي يترجم بالحجم الاقتصادي الذي يشكله في القطاع الصناعي الأمريكي وفي تجارة السلاح الدولية، الأمر الذي يجعل هذه الشركات تتمتع بقدرة اقتصادية هائلة ليس فقط على الصعيد الداخلي، ولكن أيضا في العلاقات الدولية. كما أن للبرامج والمساعدات العسكرية الواسعة التي تقدمها المؤسسة العسكرية الأمريكية دوراً مميزاً في دعم الدبلوماسية الأمريكية، ومن ثم دعم خيارات المؤسسة العسكرية ذاتها.

المجمع الصناعي يحكم الحياة الأمريكية
برزت منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي قوة القطاع الصناعي العسكري وتغلغله في البنتاغون والحكومة الأمريكية عموماً. وعلى الرغم من ازدياد المعارضة من قبل القطاعات الرأسمالية الأخرى المنافسة للصناعة العسكرية، إلا أن نفوذ هذا القطاع الحربي مازال كبيراً ويتم غالباً على حساب القطاعات الاقتصادية الأخرى.
تتألف البنية الحربية الصناعية من طيف واسع من المصالح والهويات التي تتقاسم شراكة موضوعية هدفها تحقيق المصالح الأساسية لكل منها، وهي مصالح تتحقق فقط من خلال الحرب والعدوان.
إن هذه الشراكة الإجرامية تتمحور أساسا بين 3 مستويات أساسية، يضم المستوى الأول، أصحاب الصناعات الحربية، بينما يضم المستوى الثاني، المسؤولين الحكوميين المرتبطين مصلحياً واقتصادياً بالشركات الصناعية الحربية، فيما يضم المستوى الثالث، بعضاً من نواب السلطة التشريعية الذين يستفيدون من الإنفاق الحربي.
تتمثل قدرة المجمع الصناعي العسكري في التأثير على مجرى الحياة السياسية انطلاقاً من قدرتهم على تقديم المساعدات المالية الضخمة لرجال السلطتين التشريعية والتنفيذية أملاً في وصول مرشحين يأخذون على عاتقهم حماية مصالح هذه الشركات وتعزيزها بالحرب والعدوان.
كانت أحداث الـ11 من سبتمبر فرصة مناسبة للمجمع الصناعي العسكري لتوسيع دائرة نفوذه السياسي من خلال تعزيز نظرية العدو الخارجي (الإسلامي)، بعد انتهاء نظرية العدو الخارجي (الشيوعي).

آخر صفقات ترامب
ولم ينته العام 2020 إلا وقد وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على بيع 3000 قنبلة ذكية للسعودية، قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. وذكرت وكالة «رويترز»، أن قيمة الصفقة التي تعتزم واشنطن إتمامها مع الرياض تصل إلى 290 مليار دولار أمريكي. وقد فشل الكونجرس في إيقاف تمرير الصفقة، وفي السياق ذاته في نوفمبر 2020 أبلغت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكونغرس رسمياً بموافقتها على بيع أسلحة متقدمة لدولة الإمارات بقيمة 23 مليار دولار، تشمل مقاتلات «إف 35» وطائرات مسيرة مسلحة، وذلك عقب تطبيع الإمارات مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية، هذه الصفقات تسهم مباشرة في العدوان على اليمن، وتأتي في هذا المسار وضمن مساعي المجمع الصناعي الأمريكي لتسخين المنطقة، وأي كانت توجهات الرئيس القادم جون بايدن إزاء هذه الصفقات، حيث إنه يبدي ظاهريا رفضاً لهذا النهج، ولكن أياً كانت مواقفه الشخصية، فإن أية خطوات لإيقاف هذه الصفقات وإعاقة تنفيذها من شأن هذا الأمر أن يواجه بمقاومة المجمع الصناعي العسكري.

أترك تعليقاً

التعليقات