أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
يعاني الاقتصاد الأمريكي من أزمات اقتصادية وحالة ركود منذ سبعينيات القرن الماضي ثم تزايدت من بعد أزمة 2008 وتضاعفت هذه الأزمة مع جائحة كورونا 2020، فالاقتصاد الأمريكي الذي هو في حالة مرض لم يستطع تجاوز علاته والتعافي، وكلما حاول الخروج من أزمة وقع في أخرى، وبداية من العالم الحالي 2023 انعكست هذه الأزمة على القطاع المصرفي الذي يتأرجح مع حالات إفلاس، بداية من إفلاس بنك “سيليكون فالي”، و”وسيغنتشر”، و”سيلفرجيت كابيتال بنك” وكاد يلحق بها بنك “فيرست ريبابليك” لولا إنعاشه بودائع من قبل بنوك أخرى.
في الأوضاع الراهنة تشتد الأزمة المالية، وتبرز في هذا الصدد أزمة الديون، التي ربما تتحول إلى أزمة دستورية، إذ اعتبرت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين (7 مايو 2023) أن استخدام الرئيس جو بايدن، للتعديل الـ14 بالدستور الأمريكي لتفادي إعلان الإفلاس دون الرجوع إلى الكونغرس، سيثير أزمة دستورية في البلاد. وشددت على أن أولوية الحكومة تبقى ضمان قيام الكونغرس “بعمله” من خلال رفع سقف الدين الوطني، ويأتي ذلك، فيما يضغط الجمهوريون على الرئيس جو بايدن، لإبرام صفقة لتوفير تخفيضات في الإنفاق، مقابل رفع حد الاقتراض الوطني.
تم تحديد سقف الدين العام للولايات المتحدة من الناحية القانونية، ولا يمكن رفعه إلا عبر تمرير تشريع في الكونغرس، يوقعه الرئيس ليصبح قانونا.
في أواخر أبريل الماضي، صوت مجلس النواب، بقيادة الجمهوريين، الذين يستعدون لمواجهة مع الرئيس جو بايدن، لرفع حد الاقتراض، ولكن فقط مع تخفيضات جذرية لكبح ما يراه الحزب إنفاقا مفرطا.
رفض بايدن حتى الآن التفاوض، مشيراً إلى أن سقف الدين قد تم رفعه عشرات المرات على مر السنين بما في ذلك في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، ولكن الجمهوريين يصرون على أن رفض بايدن مناقشة الموضوع هو العقبة الرئيسة.
جدير بالذكر أن يلين كانت قد حذرت من أن أموال الولايات المتحدة قد تنفد للوفاء بالتزاماتها المالية في الأول من يونيو المقبل، مع تداعيات عميقة على الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية.
سيكون لتخلف الولايات المتحدة عن السداد ورفض رفع سقف الدين في أي أزمة دورية مستقبلية عواقب مدمرة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، فسيؤدي عدم رفع سقف الدين إلى احتمال عدم دفع رواتب موظفي الحكومة أو المقاولين المتعاقدين معها، وكذلك قد تتوقف عن منح القروض الممنوحة للشركات الصغيرة أو طلاب الجامعات، والتوقف عن دفع الفواتير الحكومية.
كما يتوقع أن يتسبب التخلف عن السداد في انزلاق الولايات المتحدة إلى ركود اقتصادي، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى فقدان ملايين الوظائف والإلقاء بهم إلى رصيف البطالة كما حدث في السبعينيات.
أما على الساحة الدولية فسيكون للتخلف عن السداد تداعيات اقتصادية خطيرة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات العالمية وزعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي الذي قد يذهب إلى الركود.
سيدفع الركود إلى تخفيض التبادلات التجارية الخارجية، مما يعني خسارة البلدان الناشئة التي تعتمد اقتصادياً على التصدير للولايات المتحدة، كما أن التضخم سيزيد من كلفة استيراد الولايات المتحدة من الخارج، وهو ما يعني ركودا في التبادلات التجارية العالمية.
أما المخاوف الداهمة للولايات المتحدة الأمريكية، فهي المتعلقة بصراعها التجاري مع الصين الشعبية، التي باتت أكثر قدرة على التأثير في الاقتصاد الأمريكي، وتنافسها العسكري مع روسيا، ففي حالة تخلفها عن تسديد الديون سيضعف إنفاقها العسكري لتخسر أمام روسيا، وسيضعف إنتاجها المحلي لتخسر أمام الصين، فهي في موقف صعب؛ فعدم رفع سقف الدين وتسديدها مشكلة خطيرة، والاستمرار في رفع سقف الدين مشكلة أخطر على المدى الطويل.
وتتعاظم الأزمة المالية الأمريكية مع السعي الحثيث من دول مجموعة البريكس + فنزويلا وإيران (وفي هذا الطريق زعمت أن تمضي السعودية ومصر ولم تبدآ بعد) نحو اعتماد العملات المحلية في التبادلات التجارية وبيع النفط على الصعيد العالمي، وسواءً ظهرت عملة موحدة لبريكس أو تم اعتماد «الين الصيني» أو اعتماد العملات المحلية ففي كل الأحوال هناك تهديد جدي على مستقبل سيادة الدولار كوسيط عالمي في التبادل التجاري والقروض، إذ بات مسدود الآفاق.

أزمة الديون
تواجه الرأسمالية العالمية -وفي الدرجة الأولى الولايات المتحدة قطب الرأسمالية العالمية- مشكلة ديون خطيرة تُعد من أبرز أزماتها، وهي لصيقة بأزمة التضخم حيث تشترك أزمة الديون بكثير من الخصائص مع أزمة التضخم، والأزمتان معاً هما من الأزمات النقدية التي تعاني منها الرأسمالية العالمية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مرتبطة بالأزمة الهيكلية للرأسمالية.
أزمة الديون أحد إفرازات النظام الاستغلالي والربوي الرأسمالي فهي ظاهرة قديمة، إلا أنها اليوم ترتبط بعناصر اقتصادية مختلفة، ويمكن تلخيصها بعجز دولة ما عن تسديد ديونها لأن نفقاتها أكبر من مواردها، وهو ما يدفعها إلى الاقتراض مجدداً وتضاف إلى القروض الفوائد، ومع الركود أو انكماش الإنتاج وزيادة الإنفاق يصبح من غير الممكن اللحاق بالديون وتسديدها، وهذا هو حال الولايات المتحدة الأمريكية، التي تزداد ديونها بصورة دورية مع زيادة إنفاقها إثر توسعها الاستعماري في العالم.
الأزمة الخطيرة الراهنة، وصفها البنك الدولي في تقرير العام 2022 بأنها «الأوسع قاعدة» بين أزمات الديون خلال الخمسين عاما الماضية، وكانت آخر أزمة عالمية هي الأزمة المالية وأزمة الرهون العقارية التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008 ثم عمت العالم، وقبلها كانت أزمة التضخم في العام 1970 قد بدأت من الولايات المتحدة ثم عمت العالم، ومازالت تداعيات أزمة السبعينيات وأزمة العام 2008 مستمرة حتى اليوم في الاقتصاد العالمي، فيما يدخل العالم اليوم أزمة جديدة، والأزمات في الرأسمالية دورية فهي جزء من آلية عملها.

أزمة ديون الولايات المتحدة الأمريكية
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة على تضييق الهوة بين دينها وناتجها الإجمالي، ولهذا تضع حداً أقصى وسقفاً لديونها يمنع تجاوزه، وفي كل مرة يجري رفع السقف، وصولا إلى العصر الراهن حيث تفوق دين الولايات المتحدة الأمريكية على ناتجها الإجمالي، وهو ما يُشير إلى أزمة اقتصادية حادة في الولايات المتحدة، ويُدرك ذلك من تتبع محطات رفع الولايات المتحدة لسقف ديونها.
قبل عام 1917، كان الكونجرس يأذن للحكومة باقتراض مبلغ ثابت من المال لفترة محددة، وعندما يتم سداد القرض لا يمكن للحكومة الاقتراض مرة أخرى ما لم يُسمح لها بذلك، تغير هذا بعد أن تم تشريع قانون جديد في عام 1917 وضع سقفا للديون وسمح بتمديد مستمر لعملية الاقتراض دون موافقة الكونغرس.
سن الكونغرس هذا الإجراء بالسماح للرئيس آنذاك وودرو ويلسون بإنفاق الأموال التي اعتبرها ضرورية لخوض الحرب العالمية الأولى.. ومع ذلك، لم يرغب الكونغرس في كتابة شيك على بياض للرئيس، لذلك حدد الاقتراض بـ11.5 مليار دولار، واشترط أن يكون هناك تشريع جديد في حال الرغبة بزيادة المبلغ.. ومنذ ذلك الحين، تم رفع سقف الدين عشرات المرات، وتم تعليق العمل به في عدة مناسبات، كان آخرها في أغسطس 2019، عندما علق الكونغرس الحد الاقصى حتى 31 تموز/ يوليو 2021.
تقوم الولايات المتحدة بالاستدانة بتقديم سندات خزينة عبر وزارة الخزانة الأمريكية وينظر إلى سندات الحكومة الأمريكية على أنها من بين أكثر الاستثمارات أماناً وموثوقية في العالم، وتعد الصين الشعبية الدائن الأول للولايات المتحدة بمقدار 3 تريليونات دولار.
تعيد أزمة المديونية الأمريكية الحالية، الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008، والتي بدأت من الولايات المتحدة واجتاحت العالم وأفلست في طريقها بـ19 بنكاً أمريكيا وأنقذت غيرها من أموال دافعي الضرائب أي من مدخرات الشعب.
منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي هناك صعود في هرم الديون الأمريكية، والذي وصل اليوم إلى ما يقرب من 30.6 تريليون دولار.
أثيرت مسألة تجاوز السقف القديم للاستدانة المحدد بـ8.4 تريليون دولار في سبتمبر من العام 2021 حين أوشكت الولايات المتحدة على الاقتراب من خطوة وقف تسديد الديون، ففي سبتمبر من ذلك العام، طالبت وزيرة الخزانة الأمريكية، «جانيت يلين»، الكونغرس برفع سقف الدين، لافتة إلى ضرورة ذلك لتجنب «أزمة مالية تاريخية». وهذا السقف هو الرسمي للاستدانة فيما واقعياً الديون أكبر من ذلك.
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن جانيت يلين قولها إن «الولايات المتحدة لطالما رفعت سقف الدين قبل تجاوز حده الأقصى»، مؤكدة أن «واشنطن لم تتخلف عن السداد قط ولا مرة».
وحذرت أن من شأن التخلف عن السداد أن يؤدي -على الأرجح- إلى أزمة مالية تاريخية، كاشفة أنه «بإمكان التخلف عن السداد أن يؤدي إلى رفع معدلات الفائدة وتراجع أسعار الأسهم بشكل حاد، وغير ذلك من الاضطرابات المالية»، حيث أعيد تطبيق سقف الدين، الذي لا يمكن إلا للكونغرس زيادته، بعد تعليقه لسنتين، إذ إن سقف الدين آنذاك كان يحظر على الولايات المتحدة استدانة أكثر من الحد الأقصى حينها البالغ 28.4 تريليون دولار.
وفي مقالها الأخير بالصحيفة، لفتت «يلين» إلى «قائمة من الكوارث المالية المحتملة التي قد تلحق بالبلاد» في حال لم يرفع سقف الدين ولم تتمكن الولايات المتحدة من سداد ديونها مع حلول المهل المحددة، موضحة أنه «في غضون أيام، سيفتقر ملايين الأمريكيين إلى النقود.. وقد تنقطع شيكات الضمان الاجتماعي عن نحو 50 مليون مسن، وقد تتوقف رواتب الجنود»، مضيفة أن «الولايات المتحدة ستخرج من هذه الأزمة كأمة أضعف مؤقتا». وهو تقييم موضوعي إن لم تكن قد قللت من التداعيات.
في نهاية المطاف وافق مجلس النواب الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون على مشروع قانون أقره مجلس الشيوخ لرفع حد الاقتراض الحكومي مؤقتا إلى 28.9 تريليون دولار، مما يحول دون خطر التخلف عن سداد الديون حتى مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2022 وأقر بذلك المجلس زيادة 480 مليار دولار في سقف الدين.

عودة الأزمة
عاد الحديث عن أزمة الديون مجدداً هذا العام (7 مايو 2023)، مع تحذير وزيرة الخزانة الأمريكية من تحول الأزمة المالية إلى أزمة دستورية، تأتي الأزمة الراهنة فيما يضغط الجمهوريون على الرئيس جو بايدن، لإبرام صفقة لتوفير تخفيضات في الإنفاق، مقابل رفع حد الاقتراض الوطني، لكن «يلين» أصرت على أن العبء لايزال يقع على المشرعين الأمريكيين.
قالت في برنامج حواري على شبكة «إيه بي سي»: «ببساطة، من غير المقبول أن يهدّد الكونغرس بكارثة اقتصادية للأُسر الأمريكية والنظام المالي العالمي، كتكلفة لرفع سقف الدين».
وقد تم تحديد سقف الدين العام للولايات المتحدة من الناحية القانونية، ولا يمكن رفعه إلا عبر تمرير تشريع في الكونغرس، يوقعه الرئيس ليصبح قانونا.
وفي أواخر أبريل، صوت مجلس النواب، بقيادة الجمهوريين، الذين يستعدون لمواجهة مع الرئيس جو بايدن، لرفع حد الاقتراض، ولكن فقط مع تخفيضات جذرية لكبح ما يراه الحزب إنفاقا مفرطا.
ورفض بايدن حتى الآن التفاوض، مشيرا إلى أن سقف الدين قد تم رفعه عشرات المرات على مر السنين بما في ذلك في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، ولكن الجمهوريين يصرون على أن رفض بايدن مناقشة الموضوع هو العقبة الرئيسة.

التداعيات على الاقتصاد الأمريكي
جدير بالذكر أن يلين كانت قد حذرت من أن أموال الولايات المتحدة قد تنفد للوفاء بالتزاماتها المالية في الأول من يونيو المقبل، مع تداعيات عميقة على الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية.
سيكون لتخلف الولايات المتحدة عن السداد ورفض رفع سقف الدين في أي أزمة دورية مستقبلية عواقب مدمرة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، فسيؤدي عدم رفع سقف الدين إلى احتمال عدم دفع رواتب موظفي الحكومة أو المقاولين المتعاقدين معها، وكذلك قد تتوقف عن منح القروض الممنوحة للشركات الصغيرة أو طلاب الجامعات، والتوقف عن دفع الفواتير الحكومية.
كما يتوقع أن يتسبب التخلف عن السداد في انزلاق الولايات المتحدة إلى ركود اقتصادي، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى فقدان ملايين الوظائف والإلقاء بهم إلى رصيف البطالة كما حدث في السبعينيات.

التأثيرات على الاقتصاد العالمي
أما على الساحة الدولية فسيكون للتخلف عن السداد تداعيات اقتصادية خطيرة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات العالمية وزعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي الذي قد يذهب إلى الركود، فدول العالم تعرف بالتجربة أن الأزمة التي تتفجر في الولايات المتحدة تأخذ معها بقية دول العالم الرأسمالي، بداية منذ أزمة الكساد العظيم في الثلاثينيات وصولاً إلى أزمة الرهن العقاري والفقاعة المالية في العام 2008.
سيدفع الركود إلى تخفيض التبادلات التجارية الخارجية، مما يعني خسارة البلدان الناشئة التي تعتمد اقتصادياً على التصدير للولايات المتحدة، كما أن التضخم سيزيد من كلفة استيراد الولايات المتحدة من الخارج، وهو ما يعني ركودا في التبادلات التجارية العالمية.
من جهة أخرى ستؤدي خسارة الدولار لقيمته إلى ضرب احتياطات النقد للبلدان الأخرى، وضعف قدرتها الشرائية.

الأزمة الأمريكية في ظل صراع الأقطاب العالمية
أما المخاوف الداهمة للولايات المتحدة الأمريكية، فهي المتعلقة بصراعها التجاري مع الصين الشعبية، التي باتت أكثر قدرة على التأثير في الاقتصاد الأمريكي، وتنافسها العسكري مع روسيا، ففي حالة تخلفها عن تسديد الديون سيضعف إنفاقها العسكري لتخسر أمام روسيا، وسيضعف إنتاجها المحلي لتخسر أمام الصين، فهي في موقف صعب؛ فعدم رفع سقف الدين وتسديدها مشكلة خطيرة، والاستمرار في رفع سقف الدين مشكلة أخطر على المدى الطويل، فكلما اتسعت الهوة بين النتاج المحلي الإجمالي وبين الدين العام كانت الولايات المتحدة أقرب إلى الإفلاس.
وهناك شك اليوم في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الاستدانة، فأكبر من يستثمر في سندات الخزانة الأمريكية هم حلفاؤها الغربيون أوروبا واليابان وهذه المراكز الغربية مع حالة الركود لم يعد لديها فائض من المال لاستثماره في سندات الخزانة الأمريكية، كما أن الصين التي هي في حالة صراع مع الولايات المتحدة خفضت من استثمارها في سندات الخزانة الأمريكية وكذلك الدول الغربية والعربية كما بينا سابقاً.

اشتداد العدوانية الأمريكية
في هذه الظروف الاقتصادية المأزومة تشتد العدوانية الأمريكية، وبحسب تعبير المحلل السياسي الروسي نازاروف: «تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى آكلة للحوم البشر، تأكل حلفاءها، كطريقة وحيدة لتأجيل الانهيار لفترة أطول قليلا، بإغراق العالم المحيط في فوضى دموية، بحيث تهرب رؤوس الأموال من جميع أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة، والتي لايزال كثيرون يعتبرونها «ملاذا آمنا». لكن هذا هو الآخر مجرد تأجيل، فالولايات المتحدة الأمريكية محكوم عليها بالانهيار، واقتصادها غير قابل للحياة. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن الأمر سيكون سهلا على بقية العالم، فالحديث يدور حول انهيار اقتصادي عالمي. إلا أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية فرصة للنجاة بتدمير كل مراكز القوة البديلة والاقتصادات الكبيرة، لربما تمنحها هذه المحاولة فرصة لبدء الدورة مرة أخرى. الولايات المتحدة الأمريكية كلب مسعور، يتعين إطلاق النار عليه، قبل أن يقتل العالم كله!».
فهي مستعدة لزعزعة الاستقرار عالمياً مادام نظام الأحادية القطبية لم يعد في صالحها، ومادامت أزمتها الاقتصادية تكاد تطيح بها، فالحروب العالمية تنقذ الرأسمالية من أزماتها بإعادة الاستقرار إلى السوق العالمية وحل التناقضات الاقتصادية بصورة عنيفة، عبر إزالة الديون بالقسر، وتفجير الفقاقيع المالية وانهيار البورصات وإتلاف واستهلاك فائض البضائع الكاسدة، ووضع اليد على ثروات الشعوب، وتقديم القروض والاستثمار في إعادة الإعمار عالمياً، وتاريخياً ظهرت الولايات المتحدة أقوى اقتصاديا عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية عندما خرج الخصوم والأصدقاء أضعف اقتصادياً مما أتاح لها التوسع الاقتصادي. من قراءة التطورات الدولية الراهنة التي تتسم بالنزعة العسكرية، فربما يتصور الأمريكيون أنهم قادرون على إشعال حرب كهذه عبر حلفائهم وأتباعهم وبين هذه الدول في النقاط الساخنة من العالم، فيما يظلون في منأىً عن التداعيات ويحضرون في الوقت المناسب للحسم وجني الثمار! إلا أن إمكانات ونتائج حدوث ذلك غير مضمونة.

أترك تعليقاً

التعليقات