أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
عقب حرب 94 تم تصفية المضامين السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أقرت في دستور الوحدة، واشتدت تبعية البلاد الاقتصادية والسياسية للغرب عقب تطبيق «الإصلاحات الاقتصادية» التخريبية في حقيقتها وجوهرها، التي رهنت اليمن للدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا.
في تلك المرحلة من اشتداد الاستبداد السياسي وتوسع الطبقة الفقيرة في أوساط الجماهير الريفية والمدينية، وتسيد الفساد وتفريخ الأحزاب والنقابات، واشتداد التناقض الاجتماعي بين الريف والمدينة، جاء السيد حسين بدر الدين الحوثي بمشروعه الإحيائي الديني (المسيرة القرآنية) كأبرز حدث في بلادنا في القرن الواحد والعشرين، بما ترتب عليه من أحداث وتداعيات مستمرة ومؤثرة في سير تطور بلادنا.
حمل خطاب الحوثي أبعاداً اجتماعية اقتصادية على المستوى الداخلي، وأبعاداً وطنية في شأن السيادة اليمنية على المستوى الخارجي، وبعداً إسلامياً قومياً أممياً ضد الهيمنة الاستعمارية الأمريكية واليهودية الصهيونية. وقد مثل هذا الخطاب الثوري تهديداً لسلطة النخبة الطبقية المسيطرة الخادمة لمصالح الاحتكارات الغربية في اليمن. ويُعد الشهيد حُسين الحوثي قائداً ومفكراً مقاوماً صاحب مسؤولية دينية ووطنية وقومية وإنسانية وذا معرفة بمخططات القوى الاستعمارية والصهيونية المعادية. وقد انطلق في مشروعه الثقافي مواجهاً الهيمنة الاستعمارية وداعياً لوحدة التيارات والتوجهات الإسلامية على أساس القرآن الكريم، وكان موقفه في مواجهة الهيمنة الأمريكية واضحاً وشجاعاً، في مرحلة رضوخ الأنظمة العربية الرسمية للهيمنة الأمريكية، بالتزامن مع الهجمة الاستعمارية القادمة تحت شِعار «محاربة الإرهاب».
إن ميزة التحرك الذي قاده الحوثي عن غيره، تكمن في المسؤولية التي تحلى بها من منطلقات دينية قرآنية وطنية وإنسانية، والشجاعة التي تحلى بها في الوقوف خلافاً للسائد وضد التوجهات الرسمية التي تدفع إلى الرضوخ والاستسلام للهيمنة الأمريكية وتدخلاتها والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهي تنظيرات كانت ترى في أمريكا نموذج «ذروة الحضارة ونهاية التاريخ»، الدولة التي تعتلي عرش العولمة وتفرض رؤاها وقيمها ومشاريعها، وتطبع العالم بطابعها، كقوة لا يُمكن الوقوف أمام توسعها، خاصة بعد هزيمة المعسكر الشرقي والاتحاد السوفييتي.
كما تميزت شخصية حسين الحوثي مقارنة ببقية المفكرين الإسلاميين المعاصرين بكونه استوعب الأحداث من حوله مُهتدياً بالقرآن الكريم وشد الناس إلى القرآن كمشروع استنهاض ثقافي وعملي في مواجهة التحديات الاستعمارية. وتعد المقولة المعرفية التي جاء بها حسين الحوثي: «عين على القرآن وعين على الواقع»، حجر الزاوية في فهم هذا الرجل وفهم مشروعه. وتكمن أهمية هذه المقولة، التي وضعها حسين الحوثي. في مواجهة التحديات الاستعمارية، في اعتماد الواقع كمصدر للمعرفة، مما يعطي للمتابع رؤية ومقدرة على التطور لعكس الواقع كما هو في حركته ويُبعد هذه الرؤية السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية أو الثقافية عن جمود وتخلف التقييم بعدم مطابقته للواقع، وفي الوقت ذاته تلتزم هذه الرؤية المتجددة المنعكسة في الواقع بالقرآن كموجهات روحية وعقائدية ومنهجية ترشد الموقف والسلوك إزاء هذه المستجدات.

الحوثي ومسألة الاستعمار الجديد
احتلت قضية الاستعمار ومخاطره على العالم العربي- الإسلامي مساحة كبيرة في فكر حسين الحوثي، ويكتسب خطابه وفكره عن الاستعمار مضموناً ثورياً وطنياً، وتعد محاضرة «خطر دخول أمريكا اليمن» وثيقة تاريخية هامة في هذا السياق، على الرغم من أن اهتمام حسين الحوثي فيما يتعلق بقضية الاستعمار يتعدى الواقع الوطني اليمني إلى بحث الظاهرة في الواقع الدولي والعربي-الإسلامي، وهو الاهتمام الذي يأخذ طابعاً أممياً ثورياً واضحاً في خطاب السيد عبد الملك الحوثي: «إن وطنية الفكر وثوريته ليست مرتبطة بمنظومة مفاهيم متخصصة، بل هي قضية الشخصية الوطنية ذاتها، قضية وجود هذا الإنسان في عالمه وموقفه العملي والفكري من الصراع في عالمه، لأن وجوده الإنساني مشروط بقدرته على الصمود في وجه القوى التي تريد محو شخصيته وبنية وجوده الإنساني».
انطلق الحوثي في تناوله للمسألة الأمريكية من أسس موضوعية اجتماعية اقتصادية ومن مُعطيات ملموسة دولية وإقليمية تتجلى فيها النزعة العُدْوَانية للولايات المتحدة الأمريكية. ونجد النص القرآني في فكر الحوثي خطاب هدى عملياً، أي «مُرشداً للعمل»، والتحرك الفاعل التحويلي تجاه هذه الظواهر والمخاطر الحقيقية الملموسة وفي مقدمتها البُعد الاقتصادي الذي هو محل التوحش الاستعماري على الدول المضطهدة وشبه المُستعمرة. وقد أولى حسين الحوثي أهمية للجانب الاقتصادي وتطرق للشركات الأمريكية والنهب الاقتصادي وضرب الصناعة الوطنية وتأبيد التخلف الإنتاجي والمعرفي، والاستغلال على الصعيد الاحتكاري وفتح فروع قطاعات الإنتاج الأجنبية في البلد. وهو تحليل ملموس في نقد الرأسمالية. والمدهش هو مقدرة الحوثي على تبسيط هذا التحليل العميق وتوجيهه إلى جماهير ريفية دون أن ينتقص ذلك من علميته. كما وضح حسين الحوثي جوهر منظور التنمية اللبرالي المتوحش المُعبر عن مصالح الشركات الاحتكارية، المناهض للسيادة والاستقلال الوطنيين.
إن النتيجة النهائية في تحليل الحوثي تذهب إلى تحديد أزمتنا في وجود عوائق أمام وصولنا إلى الاكتفاء الذاتي في الصناعة والزراعة، وبصياغة أخرى يتأبد تخلفنا الحضاري في إعاقة دول الاستعمار -وفي مقدمتها أمريكا الإمبريالية- لتطور البنية الاجتماعية الاقتصادية إلى أطوار أعلى داخل التشكيلة الرأسمالية ذاتها؛ فبإعاقة تطور البنية الاقتصادية الاجتماعية تتجدد السيطرة الاستعمارية، ويتأبد خضوع البلد للسيطرة، ويتأبد بالتالي تخلف البلد وتبعيته. وبشكل آخر فإن أزمة التخلف في رأي الحوثي هي نتيجة تبعية العلاقات الاقتصادية للسيطرة الغربية التي تجعلنا سوقاً استهلاكية، فإذا تحرر البلد من هذه السيطرة المادية والفكرية تحرر من التخلف والتبعية.

الحوثي ومسألة الحرب على «الإرهاب»
يُعد حسين الحوثي في طليعة مَن تنبهوا للتوجهات الاستعمارية الجديدة، التي تحركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية باسم «مكافحة الإرهاب»، وكذلك زيف حربها على تنظيم أسامة بن لادن وكشف أبعادها بعد أشهر من أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، ليأتي غزو العراق في العام 2003 مصداقاً لتحليله. ومع تطور نشاطه الفكري والتثقيفي بدأت الحرب العُدْوَانية الأولى على صعدة -تكليلاً لممارسات القمع ضد نشاطهم التثقيفي السلمي الذي استمر ثلاثة أعوام- بعد عودة الرئيس اليمني علي صالح من أمريكا آنذاك، ليستشهد حسين الحوثي على إثرها في 10 أيلول/ سبتمبر 2004.
حديث حسين الحوثي عن الاستعمار الجديد استند إلى شواهد تاريخية ماثلة، لا يُمكن لمن يدقق فيها أن يكذبه، وهي أخطار متسقة مع الخطاب القرآني حول العُدْوَانية اليهودية، وتكشف محاضراته عن شخصية فذة تستشعر مهمة المقاومة والنهوض وذات اهتمام عالٍ بالوضع السياسي العالمي، ورصد دقيق لمجريات الأحداث والتحولات، فمن مشاهدة الأحداث وتحليلها استنتج الشهيد حسين الحوثي جوهرها المحرك الاستعماري باعتبارها سياسة عدوانية واحدة، وقام بتعميم هذه النتائج على الواقع اليمني المهدد بخطر الاستعمار الأمريكي، وقد ركز حسين الحوثي على أن النظر إلى الأحداث ككل لا يتجزأ، من موقع من يعي أنه جزء من واقع الصراع العالمي، لا مقيماً خارج هذا الوجود الاجتماعي التاريخي، خاصة وأن الاستعمار والخطر الإمبريالي والصهيوني هو عالمي بطبيعة، والمجتمعات العربية الإسلامية في مقدمة المستهدفين فيه.

سعى حسين الحوثي إلى رفع الوعي الاجتماعي ليتجاوز المشاهدات والأحكام اليومية السطحية ويرتقي بها إلى مستوى التحليل العميق الاستراتيجي، لإدراك الخطر الاستعماري ومواجهته، وعدم قبول أي تبريرات له. ويذهب الحوثي إلى أبعد من ذلك بتناول ما قد يُقال على سبيل التبريرات حين دخول أمريكا اليمن، فيتصدى لها سلفاً، ومنها تفنيد فكرة أن الدولة هي المسؤول الوحيد عن الدفاع عن الوطن أو مخولة ضمن مهامها الدستورية بقبول التدخل الأجنبي.
وفي سياق رده على الوعي اليومي، تصدى حسين الحوثي لفكرة أن وجود «الإرهاب» في اليمن يبرر التدخل الأمريكي، وأن اليمنيين «بإرهابهم» حفزوا أمريكا، مستنداً إلى التجربة التاريخية وهي حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي رعت ذهاب المقاتلين اليمنيين لـ»الجهاد» ضد الاتحاد السوفييتي.
شدد الحوثي على تقديم تحديد ملموس للمسلمين، والمجتمعات الإسلامية المعرضة للخطر، بحيث يستشعر من يسمع الحديث حول الأخطار التي تهدد العرب والمسلمين أن الخطر واقع عيله، بخلاف الخطاب الشائع في تناول المسلمين كمفهوم مجرد. رافق إسقاط الحوثي للخطر والمجتمع المهدد بالخطر من التجريد إلى الملموس تحديد المقاوم وصاحب المصلحة من المواجهة. ويعتبر حسين الحوثي أن الشعوب هي صاحبة القضية والمسؤولة الأولى في التصدي لهذه المشاريع الاستعمارية، رغم أن الخطر أيضاً يهدد الأنظمة والزعامات الموالية لأمريكا وليس الشعوب فحسب. وضغط الحوثي في عملية التثقيف من أجل خلق قناعات راسخة بحتمية التحرك والبذل في سبيل الله والوطن باعتبار ذلك أقل كلفة من أن يُساق الإنسان في سبيل خدمة الباطل والاستعمار، كما هي سنة التاريخ بحق من آثروا الحياد وخانوا أوطانهم.
وفي تناول مفهوم الإرهاب فإن حسين الحوثي يُحلل بُعديه الاستعماريين، فإذا كان البُعد الأول يعتمد على دخول الإرهابيين الوهابيين بعلم أمريكا وملاحقتها لهم وإقامة العلاقة مع الدولة والشخصيات على هذا الأساس وصولاً إلى الهيمنة على هذه الدول، فإن البُعد الآخر للإرهاب -وهو ما يجري في الواقع- استخدام أمريكا و«إسرائيل» تهمة الإرهاب لضرب حركات المقاومة وحركات التحرر وكل من يحمل موقفاً أو رأياً معارضاً للهيمنة الاستعمارية والصهيونية.
وشدد الحوثي على مسألة عدم قبول الذرائع الأمريكية، حتى لو قامت أمريكا بعمليات ملاحقة الإرهاب والوهابيين وهم الخصوم الرئيسيون للزيدية (المجتمع الذي تحركت فيه المسيرة القرآنية في بدايتها). وقد سجل حسين الحوثي في هذا موقفاً وطنياً ودينياً مبدئياً واستراتيجياً في التعامل مع الخطر الأمريكي، بل امتد هذا الموقف إلى رفض قبول التدخل الأمريكي ولو كان يستهدف شخصية كعبدالمجيد الزنداني الذي يتزعم التيار الوهابي المعادي للزيدية والمسيرة القرآنية. ومازال «أنصار الله» على هذا الموقف الوطني والاستراتيجي رافضين التعاطي مع سياسة التدخل الأمريكية.

الحروب الست على صعدة
استوعبت النخبة العميلة الحاكمة في صنعاء المضامين الثورية العادلة في خطاب الحوثي الذي يتناقض مع مصالحها الملحقة بالمصالح والوجود الأمريكي، فشنت الحرب ضد «المسيرة القرآنية»، ونشاط الحوثي الثقافي السلمي الحضاري الذي تجنب الصدام مع السلطة موجهاً نشاطه بصورة مباشرة ضد العدو الرئيسي المتمثل بالولايات المتحدة، وأكد على دستورية وقانونية ما يمارسه من حق في التعبير.
تعد حروب صعدة (2004-2010) محطة مهمة في السياق التاريخي اليمني الراهن، وصولاً إلى ثورتي 11 شباط/ فبراير 2011 و21 أيلول/ سبتمبر 2014. ليس المقصود بحروب صعدة وقضية صعدة، أنها قضية مقتصرة على محافظة، فهي قضية وطنية عامة ابتدأت في صعدة وكان المستهدف الرئيسي فيها هم أنصار الله، إلا أنها قضية كل الوطن، كما هو عليه حال حرب 94 رغم أن المستهدف فيها طرف محدد في الجنوب له تطور سياسي مستقل إلا أن القضية بتداعياتها وما ترتب عليها قضية يمنية عامة لا قضية الجنوبيين وحدهم.
كانت سياسة الجمهورية اليمنية الاستبدادية في إدارة الحكم والاحتكارية في تملك الثروة، والتكفيرية من حيث الثقافة، وغير الوطنية في العلاقة مع أمريكا، هي السياسة التي أدت إلى شن ست حروب ظالمة على صعدة، وهي التي صنعت قرار الحرب، والتي اشتركت بها ودعمتها مختلف النخب الحاكمة من نخبة رجال «دين السلطة» ونخب مشيخية وعسكرية وتجارية وإدارية حكومية متسلطة وفاسدة.
فالعوامل الموضوعية التي دفعت السلطة إلى شن الحروب على صعدة، تكمن في أساس النظام الاجتماعي السياسي الاقتصادي القائم، دون تجاهل حقيقة أن القرار الأمريكي هو الأساس في حروب صعدة، وأن تناقض خطاب حسين الحوثي مع السياسة الأمريكية عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 هو ما دفع الولايات المتحدة لشن الحرب على صعدة لإسكات هذا الصوت، وأن نشاط الحوثي مثل إحراجاً لنظام علي صالح العميل للولايات المتحدة الأمريكية وأداتها في ما سمته «محاربة الإرهاب في اليمن».
مثل الاستبداد ومحاولة العودة إلى ما قبل وحدة وديمقراطية عام 90م الرابطة الموضوعية بين الحروب على صعدة وحرب صيف 94م؛ فقبل حروب صعدة كانت السلطة التي انتصرت في حرب 1994م قد أرسلت إحدى أدواتها الإجرامية لاغتيال السيد بدر الدين الحوثي (في عزلة مران من مديرية حيدان بصعدة) ومحاولة اغتياله بقصف منزله، واعتقلت قرابة 50 شخصاً من طلابه، ووضعت تحركاته تحت الرقابة الأمنية. وكان حسين الحوثي، عضو مجلس النواب اليمني آنذاك والذي ترشح عن «حزب الحق» في محافظة صعدة، قد عقد مؤتمراً جماهيرياً لأبناء المحافظة رفضاً لتوجهات الحرب وتأييداً لوثيقة العهد والاتفاق، وقد قرأ بيان المؤتمر الجماهيري الذي بثه تلفزيون عدن آنذاك. وقد تعرض حزب الحق والمكونات التي كانت حليفة للحزب الاشتراكي للكثير من المضايقات بعد حرب 94م، حيث كانت تهدف النخبة الحاكمة في صنعاء إلى أن تعود بالواقع إلى ما قبل التعددية السياسية وإلى عهد فرض الوهابية وقمع المدارس المذهبية ومحاربة الزيدية بشكل أخص، بذريعة «التشيع والرافضة والإمامة وحماية الجمهورية»، وهي الشعارات التي ترددت كذرائع في حروب صعدة.

أهداف الحرب
كانت الحرب الأولى تهدف إلى إسكات صوت السيد حسين الحوثي المناهض للهيمنة الأمريكية، فهو الهدف الأول لهذه الحرب، وهو بشكل أساسي هدف الولايات المتحدة الأمريكية، فيما احتفظت كل نخبة من النخب الحاكمة بهدفها الخاص، وهي أهداف مترابطة فيما بينها وتحت السقف والهدف الأمريكي الأول.
فقد كان هناك خمسة أطراف، كل طرف لديه هدف خاص به تحت سقف الهدف الأمريكي الأول، وهذه الأطراف هي: الرئيس علي عبد الله صالح، التجمع اليمني للإصلاح، النخبة القبلية، النخبة العسكرية والمدنية في الدولة، اللواء علي محسن الأحمر وحلفاؤه العسكريون.

الطرف الأول: الرئيس علي عبد الله صالح:
كان يسعى من خلال هذه الحرب إلى استجلاب الدعم الأمريكي الخليجي، المالي والسياسي والعسكري لسلطته، باعتباره «المخلص» في محاربة الإرهاب، ومواجهة القوى المعادية للولايات المتحدة الأمريكية والحركة الوهابية، فيما تمثل الهدف الثاني في قمع المعارضة وتعزيز سطوته في مواجهة الشعب ومنافسيه والمعارضة الانتهازية.

الطرف الثاني: «التجمع اليمني للإصلاح»:
كان يهدف الإخوان من خلال الحرب إلى القضاء على الآخر الثقافي المختلف، وإزالة المنافس الثقافي الإسلامي لهم في الساحة السياسية، كما كانوا مرتبطين بشكل أوثق بالمملكة السعودية الداعمة لهذه الحرب.

الطرف الثالث: النخب القبلية:
كانت ترى أن السيد حسين الحوثي ينافسها في المكانة الاجتماعية ويجتذب الناس إليه على حساب نفوذها القبلي، فكان ضرب المركز الاجتماعي الجديد لحسين الحوثي القادم من أسرة بسيطة وصاحبة حضور علمي متميز، فيما تمثل الهدف الثاني لهذه النخب القبلية في السلب والنهب والغنائم والحصول على الأسلحة والدعم الحكومي اليمني والسعودي.

الطرف الرابع:النخبة العسكرية والمدنية في الدولة:
كانت ترى في الحرب فرصة مناسبة من أجل الإثراء السريع، ففي الحرب توضع الموازنات العسكرية الاستثنائية ويفتح باب النفقات المالية المهولة والتي تذهب في غالبيتها للنخبة المدنية والعسكرية في أجهزة الدولة ولا يصل منها إلى الجنود سوى الفتات.

الطرف الخامس: اللواء علي محسن الأحمر وحلفاؤه العسكريون:
كان يجد في الحرب فرصة من أجل تثبيت حضوره العسكري في المنطقة الشمالية التي تقع ضمن جغرافيا إمرته العسكرية، ومن خلالها كان يسعى إلى تثبيت مواقعه العسكرية في إطار التنافس مع المشير علي عبد الله صالح.
رغم أن حروب صعدة (2004م-2010) جاءت في ظروف جديدة وبدوافع جديدة إلا أنها كانت مرتبطة في السياق التاريخي بقضية الوحدة اليمنية والتحالفات السياسية التي تشكلت آنذاك، وما ترتب على الوحدة من حرية ظهور المدارس المذهبية والتعددية السياسية والإعلامية التي كانت مقموعة، ولم تكن مصادفة أن الحزب الاشتراكي اليمني ضحية حرب صيف 94م كان له موقف واضح وثابت ضد حروب صعدة.
في هذه الحرب بادرت السلطة مستعينة بالقوى الإجرامية في أوساط الجيش والقبيلة والحركة الوهابية، ففي حروب صعدة تم إعادة تجميع القوى التي خاضت حرب 94م، وهذه القوى الإجرامية هي اليوم جزء من قوى العُدْوَان على اليمن الذي بدأ بصورة مباشرة في 26 آذار/ مارس 2015. وقد لقيت حروب صعدة معارضة من القوى والهيئات الوطنية آنذاك، كما جرى حينها في العاصمة صنعاء اعتصام في مقر اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني تعبيراً اجتماعياً عن رفض هذه الحرب التي لم يؤيدها سوى حزب «الإصلاح».
كانت السلطة في صنعاء تحارب من أجل استمرار مصالحها السائدة، ومستجيبة للرغبة الأمريكية، ومستفيدة من الدعم المالي والعسكري الأمريكي السعودي، حيث كان كل طرف من أطراف السلطة يطمح إلى إضعاف الطرف الآخر من خلال هذه الحروب. وهكذا اجتمعت في الحرب على صعدة إرادات ومصالح مختلفة لكنها متفقة، وكلها كانت تذوب في حضور الإرادة الأمريكية العُدْوَانية التي أصدرت قرار الحرب وشجعت علي صالح على خوضها وأوعزت للمملكة السعودية التدخل لمساندة نظام علي صالح، حيث توافقت في هذه الحروب الظالمة مصالح كل من نخبة سلطة الاستبداد الداخلية وقوى العُدْوَان الأجنبية الأمريكية السعودية التي شاركت بصورة مباشرة في الحرب السادسة (2009م- 2010) وتطلعات الحركة التكفيرية الوهابية، والمشايخ الرجعيين والنخب الحكومية العسكرية والأمنية والتي تجني الثروات من الحرب من خلال التلاعب بالميزانيات والأسلحة والنفقات ومن خلال الحصول على الدعم الخارجي المباشر.
كما مثلت حروب صعدة فرصة للنخبة لتثبيت هيمنتها الاجتماعية السياسية عسكرياً ومناهضة الأشكال السياسية التي كانت تبرز في أوساط المجتمع -حاملة نبرة معارضة للفساد والاستبداد- بدعوى أن البلاد تمر بظرف حرب. كل هذه العوامل الموضوعية والذاتية تضافرت وصنعت قرار الحرب على صعدة، وكانت هي السبب في إعاقة عمل لجان الوساطة، الأولى والثانية والثالثة، بل إن تشكيل لجان الوساطة كان جزءاً من مناورة هذه النخب الحاكمة من أجل تبرير الحرب الإجرامية. وفي كل الأحوال فإن لجان الوساطة التي كانت تتلقى إحباطاً لمساعيها من قبل القيادة العسكرية الحكومية المشاركة في حروب صعدة تُعد شاهداً تاريخياً على عدوانية النخبة الحاكمة، وعلى مظلومية الشهيد حُسين بدر الدين الحوثي الذي قُتل مظلوماً، لتلحق هذه الحرب خمس جولات حرب أخرى.
في الجانب الآخر كانت حالة التعاطف مع أنصار الله من مجتمع صعدة وما حولها ومن القوى السياسية تتوسع كل يوم حتى أصبحت الحرب مأزقاً للسلطة التي باتت تواجه «الحوثيين» كتحدٍّ أمام المجتمع والقوى السياسية، فيما رأت السعودية فيها تحدياً أمام إيران، ووجدتها أمريكا تحدياً أمام العالم وأمام بقية حلفائها في المنطقة المتعهدة بحمايتهم. وهكذا أصبحت الحرب قضية جدية لمختلف الأطراف التي تريد الانتصار بها وتعزيز حضورها أمام المنافسين والخصوم. فالانتصار في هذه الحرب الظالمة أصبح مطلباً ملحاً ومصيرياً لمختلف هذه القوى، التي خسرتها في نهاية المطاف رغم ما ارتكبته من جرائم، وما زالت تداعيات خسارة هذه القوى قائمة حتى اليوم.

تداعيات الحروب على صعدة
على النقيض من حرب 94 التي انتهت بانتصار نخبة سلطة الأقلية المسيطرة والحلف الإخواني المؤتمري، وبالتالي عززت حضور هذه القوى في المجتمع وأزاحت القوى الوطنية من المشهد، فإن نهاية حروب صعدة بهزيمة سلطة التحالف الطبقي الرجعي العميل وفي مقدمتهم اللواء علي محسن الأحمر والمشير علي عبد الله صالح، هذه النهاية فتحت آفاقاً كبيرة وأعادت الآمال للجماهير والقوى الوطنية بإمكانية التغيير وهزيمة تلك السلطة المسيطرة التي كانت تتجه إلى توريث السلطة والثروات العامة للجيل الثاني من «آل صالح» و»آل الأحمر» وأبناء القيادات الحكومة وكبار الموظفين في الدولة من وزراء ومدراء عموم وغيرهم.
كان انطلاق الحراك الجنوبي هو النتيجة الأولى لهزيمة السلطة في حروب صعدة، فقد انطلق الحراك الجنوبي في العام 2007 بالتزامن مع الانتصارات التي حققها أنصار الله بقيادة السيد عبد الملك الحوثي في الحرب الرابعة.
بعد تعرض النظام للهزائم في جبال وشعاب صعدة، ظهر ضعيفاً أمام المجتمع، وأمام المعارضة بشقيها الوطني والانتهازي، فيما كانت تتوسع سيطرة أنصار الله في صعدة وتنتشر دعوتهم في محيطها من حجة وعمران والجوف وصولاً إلى محافظة صنعاء، وهو ما لم يكن يتوقعه نظام صنعاء العميل آنذاك.
أدت الهزائم التي تعرض لها النظام إلى تعمق تبعيته وضعفه أمام الولايات المتحدة الأمريكية وأمام المملكة السعودية، فبدلاً من الإصغاء للشعب ذهب إلى الخارج ليقدم المزيد من التنازلات التي تمس بالسيادة الوطنية وخاصة على المستوى الأمني والعسكري بذريعة «محاربة الإرهاب».
وكانت ثورة 11 شباط/ فبراير2011 هي النتيجة الأهم لتداعيات حروب صعدة وتغلب أنصار الله فيها، فحين جاءت هذه الثورة كان نظام علي صالح قد فقد هيبته السلطوية وقوته العسكرية وسمعته السياسية، وهو ما شجع الجماهير اليَمَنية على الخروج بتلك الصورة غير المسبوقة في تاريخ الجمهورية اليمنية منذ العام 1990، وكان أنصار الله في صدارة القوى اليمنية التي شاركت بفاعلية في هذه الثورة، وحافظت على المد الثوري واستمرت مع بعض الحلفاء وصولاً إلى ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014.

أترك تعليقاً

التعليقات