ضرع الـ«بقيق» يُدر دماً
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

الشبكة النفطية السعودية إحدى أبرز نقاط ضعف المملكة، وذلك لاتصال جميع خطوطها ومرور النفط بعمليات الاستخراج والتصفية والتصدير كلها، داخل جغرافيا المملكة السعودية، ومعظم هذه المجمعات والمصافي والخطوط على سطح الأرض وموانئها البحرية معروفة، وهو الأمر الذي جعلها ضمن أبرز أهداف القوات المسلحة اليمنية الـ300، كهدف عسكري اقتصادي سياسي في آن. وكان السيد قائد الثورة قد وعد بقطع (ضرع) البقرة الحلوب الذي من أجل ديمومة دره تقف الولايات المتحدة إلى جانب المملكة السعودية في العدوان الامبريالي الاستعماري الخليجي التوسعي. وفي عملية الأمس تم استهداف درة تاج منشآت النفط السعودية وهي «مجمع بقيق»، بالإضافة إلى مصفاة «خريصي» الهامة، شرقي السعودية. 

النفط السعودي يتحرك في 17 ألف كيلومتر  من الأنابيب خارج الأرض وفي البحر، تمتد من المورد إلى المصفاة، ومن المصفاة إلى الموانئ البرية والبحرية، داخل المملكة وخارجها. والكثير من هذه الأنابيب فوق سطح الأرض، والجزء الموجود تحت الأرض يقع على عمق متر، وتحتفظ المملكة بمخزون ضخم من الأنابيب، الأمر الذي يجعل تعدد العمليات في نطاق واسع ولفترات متباعدة في جميع أنحاء الشبكة النفطية أمراً قاتلاً. 

الضرع الأمريكي في خطر
تهديد النفط السعودي يعني بدرجة رئيسية تهديد الولايات المتحدة الأمريكية؛ ففي الفترة الممتدة من 1930 إلى العام 1960م ظلت الولايات المتحدة تشعر بالأمان باعتبار أن النفط السعودي سيكون دائما لها وهو تحت الرمال، كما لو كانت وجدته في إحدى ولاياتها الأمريكية.
بدأ القلق الأمريكي على النفط في أزمة عام 1973، وتحول القلق إلى ذعر في 1980 خلال الحرب بين إيران والعراق، عندما بدا وكأن إيران ستجر الحرب إلى الجانب العربي من الخليج. هذا الكابوس أدى إلى انخفاض في معدل نمو الاقتصاد في العالم، وباشر خبراء الكوارث داخل الحكومة الأميركية وخارجها يوجهون أسئلة مقلقة عن التهديدات التي قد تصيب النفط السعودي.

الضربة القاتلة في «بقيق» 
فجر أمس، قامت القوات المسلحة اليمنية وفي طليعتها القوة الجوفضائية (الصاروخية الباليستية الجوية المسيرة) باستهداف المجمع النفطي في بقيق، حيث علت سُحب الدخان مما دفع النظام السعودي إلى نقل أهالي منطقة بقيق إلى الدمام بعد عجزه عن إخماد الحرائق، وفي تقييمنا، فإن هذا الاستهداف يُعتبر ضربة قاتلة لهذا المجمع النفطي، من الصَعب السيطرة عليه وإعادة العمل مجدداً إلى هذا المجمع النفطي قبل 7 أشهر وبنسبة 40? من قدراته السابقة. هذا في أحسن الأحوال وفي الظروف العادية؛ أما مع استمرار العدوان ووجود سلاح الجوفضائي اليمني فقرار إعادة إصلاح المجمع النفطي ليس بالقرار المنطقي. 

تداعيات الضربة اليمنية 
كان قد خلص مخططو الكوارث في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن المجمع الخام في «بقيق» هو النقطة الأكثر ضعفا في النظام النفطي السعودي. فبسبعة ملايين برميل تنتج يومياً في «بقيق»، يعتبر هذا الموقع «غودزيلا» المرافق النفطية.
عموما، رأى الباحثون بأن أي هجوم على «بقيق» سيؤدي إلى أضرار جسيمة في صهاريج التخزين والأجسام شبه الكروية الكبيرة المستخدمة للحد من الضغط على النفط خلال عملية التكرير، وأضرار متوسطة على الأبراج حيث تتم إزالة النفط من الكبريت. 
في حالة ضرب بقيق، كما حدث أمس، فإن استعادة عمل الأجسام شبه الكروية سيتطلب تركيب سلسلة من الصمامات المؤقتة، وصهاريج التخزين سيكون لديها القدرة على العودة للإنتاج الكامل في وقت من الأوقات.
الكبريت والنفط يسيران جنبا إلى جنب. حتى إزالة الكبريت، فلا قيمة لتصديره بدون هذه العملية التي تسمى السلفرة الهيدروجينية. والسلفرة الهيدروجينية تجري في عشرة أبراج اسطوانية طويلة في «بقيق». يتنقى النفط من الكبريت الذي يصعد إلى الجزء العلوي من الهيكل في حالة غاز «كبريتيد الهيدروجين». 
البرج رقم «7» الذي يستخدم للسلفرة، يعتبر واحداً من أهم عشرة مبان في «بقيق». وفي سفوح جبال الرماح غرب «بقيق»، تقبع مضخة هي أول محطة في خط أنابيب النفط تنتج ما يقرب من مليون برميل يوميا من الخام، من «بقيق» عبر شبه الجزيرة إلى البحر الأحمر والميناء البحري في «ينبع».
أي هجوم متوسط القوة وناجح على منشأة «بقيق» يسمح بتسريب 700 جزء في المليون من مادة كبريتيد الهيدروجين ومن شأنه ردع عملية الإصلاح وعرقلتها لمدة أشهر، واستهداف أمس بعشر طائرات مسيرة كفيل بالقيام بذلك. 
 كما أن العملية المسيرة أمس على «بقيق» ستبطئ إنتاج 6.8 مليون برميل يومياً، وما يقرب من 415 مليون برميل في شهرين، أي ما يعادل حوالي ثلث الاستهلاك اليومي لأميركا من النفط الخام.
ينقسم النظام النفطي السعودي بين المناطق المنتجة الشمالية والجنوبية. أما مراكز الشمال فهي تتغذى من عدة مواقع، ومن ثم يتم إيصال المخزون إلى واحدة من اثنتين من المحطات المتطرفة على طول الخليج الجعيمة ورأس تنورة، ومن منصات التحميل البحرية والمراسي العائمة الموجودة في المياه العميقة. ويتم ضخ كل النفط المنتج في الجنوب إلى «بقيق»، أي حوالي أربعين كيلومتراً داخل الطرف الشمالي للخليج الفارسي البحرين، للتجهيز، ومن ثم ارساله إلى جعيمة أو رأس تنورة. واستهداف الأمس سيؤثر على الضخ باتجاه رأس تنورة والمنطقة الغربية، إذ تبين أن الاستهداف دمر أبراج التثبيت في المنشأة (STABILIZING TOWERS). 
بعد 7 أشهر من الهجوم ومع الإصلاح الدؤوب (المفترض)، سوف يعود إنتاج «بقيق» بنسبة 40? فقط، لكن هذا متعذر مع استمرار العدوان واستمرار خطر الردع اليمني. 

أترك تعليقاً

التعليقات