محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
 ثلاث أغان أو أناشيد ثورية ملهمة.. هي ما تحفزني فكريا على الدوام وتمنحني الإلهام الكافي للإبداع في الكتابات الثورية، أولها النشيد الشيوعي العالمي القائل «لن يأتيني أحد بالخلاص.. لا الرب.. ولا الملك.. ولا الأبطال.. بل سنتوصل إلى تحرير أنفسنا بأيدينا بالذات»، والتي صدحت بها ولاتزال حناجر الأحرار من صنائع البروليتاريا في شتى أصقاع العالم.
وثانيها أغنية الموالاة التي صدحت بها حنجرة الفنانة الإيطالية المولد -الفرنسية النشأة «رينا كيتي» في أربعينيات القرن الفائت لتحفز بإيقاعها الثوري الملتهب همم المقاومين الشيوعيين في مواجهة النازيين في فرنسا المحتلة آنذاك من قبل هتلر ورايخه الثالث وتحديدا خلال الفترة من يونيو 1940 وحتى يونيو 1944م، وانتهاء بزامل الشهيد لطف القحوم «يا قلم يا بياضة»، والذي شكل ولايزال أيقونة ملهمة ومحفزة للآلاف من مجاهدينا لبذل أرواحهم رخيصة في معركة الدفاع المقدس عن الأرض والعرض والكرامة والشرف.
الأناشيد الثلاثة، وبرغم الفارق الزمني والتاريخي بينها، وفارق اللغة والثقافة، عدا عن الفوارق الظرفية والأيديولوجية والحسية.. إلخ، إلا أن جميعها تعكس في الإجمال المدى الذي يمكن لأدوات الظلم والتسلط والغطرسة الإخضاعية أن تخلفه على صعيد تحفيز توق وقدرات الشعوب والمجتمعات المستضعفة للانعتاق من براثن أعدائها وجلاديها.. عبر الاستبسال في صوغ مصيرها على قاعدة الرفض المطلق والتضحية السخية بالدماء والأرواح بما توافر لها من إمكانيات في سبيل الذود عن بلادها واستقلالها عبر المقاومة المفتوحة للطغيان، مهما تنوعت أشكاله وأدواته وذرائعه، ومهما أوغل في غيه وبطشه وهمجيته.
فنازية هتلر ورايخه الفاشي، لم تكن لتختلف البتة عن نازية إمبراطوريتي اليانكي و«أورشليم» ومهرجي الرياض وأبوظبي.. إذا لم تكن نازية هؤلاء الأخيرين أكثر فتكا وخطرا بالفعل وأشد فظاعة وبربرية ربما من نازية هتلر واشتراكيته القومية، كون نازية الألمان في الحرب العالمية الثانية كانت في الأساس واضحة ومحددة الأسس والمعالم الأيديولوجية والفكرية، خلافا للنازيين الجدد في واشنطن و»أورشليم» والرياض وأبوظبي، المبطنة والمغلفة كما هو معلوم بالعديد من الشعارات المدنية والحضارية المضللة، ما يجعلها أشد خطورة وبربرية من سابقتها.
إذ يمكن في هذا الصدد مقارنة طرق ووسائل القتل المتبعة من قبل هتلر ونازييه في أربعينيات القرن الماضي في حق النساء والأطفال والمدنيين من الطوائف والأعراق المستهدفة، كاليهود والغجر والسود والخصوم السياسيين، والتي انحصرت في جانبها الأعم بغرف الغاز، وفي جوانب أخرى بالإعدام الفوري بالرصاص كما حدث ليهود أوروبا الشرقية وجمهوريات البلطيق تحديداً، كوسائل قتل فورية وملطفة ورحيمة إن جاز التعبير، وذلك قياسا بعشوائية وبربرية القذائف الفراغية والعنقودية والحارقة التي أفرط نازيو التحالف «الصهيو -أمريكي -سعودي -إماراتي» في استخدامها خلال أغلب سني العدوان لتمزيق وبعثرة جثث ضحاياها في بلادنا من النساء والأطفال والمدنيين إلى أشلاء غير قابلة للجمع التشريحي أو حتى لإمكانية التعرف الشخصي والجيني، كما حدث في حالات كثيرة، منها أطفال الحافلة المدرسية في صعدة وكذا سجن صعدة الاحتياطي وأسواق الماشية في حرض وتهامة وقاعات العزاء والأعراس في صنعاء وتعز وغيرها من المدن التي استهدفتها عنجهية التحالف الفاشي آنف الذكر.
ومع هذا تبقى هذه الأناشيد الثلاثة المحفزة لي أشبه بأيقونة من الأفكار المنبثقة من الوعي الجماهيري البسيط وغير المنظم أصلاً لتوفر في مجملها نوعا من الأساس النظري المتكامل لنضال الشعوب المقهورة والمستضعفة في سبيل الذود عن حقوقها وحرياتها وكرامتها الوطنية واستقلالها القومي المسلوب.
وبالطريقة ذاتها التي لخصتها الرفيقة القائدة والشهيدة الأممية الملهمة روزا لوكسمبورغ، في تشخيصها لعوامل الوعي الثوري الناشئ وسط الجماهير المتعبة، حينما قالت: «إن طالب المرءُ بشيء فعليه أن يفعلَ شيئًا ليُحقّق ذلك المطلب.. فالرجال كما الشعوب لا يصنعون التاريخ بإرادتهم المحضة، لكنهم يصنعون تاريخهم الخاص نتيجة بعض الظروف والمسببات التي تتشكل في الوعي الاجتماعي كأمر حتمي مقرون بمكنون السيرورة التاريخية الناضجة.. والدافعة للالتحام مع الظروف المادية لمتطلبات الانعتاق.. لتتحول معا إلى ما يشبه الشرارة المتقدة والدافعة لقوة وعي الجماهير الشعبية الساعية للخلاص».
ويبقى السؤال هنا ماثلا حول قدرة النازيين الجدد والقدامى معا على فهم مكنون هذا الطوفان الثوري الشعبي العارم والمقاوم لعنجهيتهم والمنبثق أساسا من عمق آلام ومعاناة المضطهدين البسطاء أينما وجدوا دون الحاجة إلى آبار نفط وبارجات عملاقة وعنجهية فكرية، فقط الإرادة مهما كانت ضئيلة.

أترك تعليقاً

التعليقات