محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -

في حوار مع القناة «الإسرائيلية» العاشرة، وتحديدا في الأول من نوفمبر الحالي، صرح السفير الأمريكي لدى «إسرائيل» أنه إذا فاز دونالد ترامب بدورة رئاسية ثانية في الانتخابات الأمريكية فإن «الشرق الأوسط» سيشهد تغييرات جوهرية وجذرية مهمة على حد زعمه، مؤكدا في هذا السياق أن هناك حوالي عشرة أنظمة عربية حاكمة باتت جاهزة ومهيأة تماما لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع «إسرائيل».
وبلا جدال فإن ديكتاتور الرياض الحالي محمد بن سلمان والأفندم عبدربه منصور هادي، هما أو لنقل كانا على رأس هؤلاء العشرة المرشحين والجاهزين للتطبيع، وبالذات (أفندمنا الفضيحة) عبدربه منصور هادي، الذي لا حول له ولا قوة، والذي لا يحتاج في الواقع إلى تمرين تمهيدي لإجادة فن التطبيع بقدر حاجته في هذه الحالة إلى مرسوم ملكي سامٍ وضئيل جدا يوجه إليه من جناب مولاه محمد بن سلمان ليطير بعدها إلى أورشليم دون أن يتلقى حتى دعوة رسمية، متخطيا كل الأعراف والأصول الدبلوماسية... الخ.
إلا أن السؤال المطروح والمحير بقوة في هذه الحالة يتمحور ربما وبشكل أساسي حول أين سيكون يا ترى موقع السفارة «الإسرائيلية» في اليمن في حال حدوث التطبيع المحتمل بين هادي وابن عمه نتنياهو؟!
فالأفندم عبده هادي وإن كان يتصف بميزة فريدة من نوعها، كونه الرئيس الوحيد ربما على مستوى العالم أجمع المصنوع على عجالة شديدة وإن بمواصفات سعودية خليجية، إلا أنه يظل في الوقت ذاته الرئيس الوحيد أيضاً وعلى مستوى العالم أجمع الذي لا يحكم فعليا شبرا واحدا من بلاده، فهو رئيس بلا دولة، وسلطوي بدون شرعية، ومالك قرار هلامي لا تسري فاعليته حتى على نساء بلاطه، إن جاز التعبير.
فصنعاء ومناطق الشمال الأوسط والغربي وشمال الشمال خاضعة كليا لسلطة الحوثيين، فيما مناطق الشمال الشرقي مثل مأرب والجنوب الغربي كبقايا محافظة تعز المكلومة وغيرها خاضعة لتحالف اليمين الديني والعشائري ممثلا بجلاوزة علي محسن الأحمر وعصابات الإصلاح الذين تتوزع ولاءاتهم بالتناوب ما بين قطر وتركيا، من دون هادي طبعا، وهو الحال ذاته الذي ينطبق أيضا على مناطق الجنوب والجنوب الشرقي والخاضعة من جهتها هي الأخرى وإن بأشكال متفاوتة لهيمنة «صبية محمد بن زايد» الكثر على اختلاف انتماءاتهم، مثل المجلس الانتقالي والنخب المليشياوية الشبوانية منها والحضرمية... الخ، الأمر الذي يضع هادي وسيده محمد بن سلمان أمام خيار وحيد لا ثاني له، وهو تخصيص جناح في فندق «إنتر كونتيننتال» في الرياض، مقر إقامة هادي وحاشيته المقربة طبعا، ومن ضمنهم الجنرال علي محسن، كمقر دائم لسفارة «أبناء العم» الجدد القادمين من المحظوظة أورشليم.
صحيح أن حراكيي الجنوب وبالذات المجلس الانتقالي باتوا يطمحون هم أيضا للحصول على بعض الحظوة لدى السيد نتنياهو، ولأسباب عدة بالتأكيد أبرزها إرضاء ولي نعمتهم محمد بن زايد، وتماشيا مع موضة الحداثة التطبيعية من ناحية أخرى، بالإضافة إلى تطلعاتهم القومية المريضة في الحصول على دعم ومباركة الثنائي (ترامب ـ نتنياهو) لمشروعهم الانفصالي، خصوصا مع ما أبداه قادة الانتقالي من استعداد بديهي لمنح «الوالد نتتياهو» موطئ قدم راسخاً في جزيرة سقطرى، ربما كتقدمة مجانية ولتطمين العم نتنياهو و»إسرائيل» معا بانتفاء خطر الانتقاليين الجنوبيين الوشيك على أمن ووجود أرض الميعاد!
هذا يعني أن طموح حراكيي الجنوب المحتل يظل محصورا بطبيعة الحال بتطلعاتهم الانفصالية، أي أن يكون التطبيع مع دولة الجنوب العربي، وبشكل موازٍ لمشروع هادي التطبيعي. وهذا إنجاز بحد ذاته من وجهة نظري (كخادم لا تهمني صراعات القبائل)، وهو أن يصبح للخالة الودودة «إسرائيل» سفارتان دفعة واحدة في بلادنا، واحدة جوار مضجع هادي في الرياض، والأخرى في بلاط الانتقالي في عدن.
وعموما، وبما أنني كما أسلفت خادم ولا تهمني بالمطلق صراعات القبائل وتوجهاتهم أينما كانوا، فإن ما يشغل بالي حيال هذه المسألة ليس ما إذا كان سيتم أولا عقد نكاح هادي ـ نتنياهو أو نتنياهو ـ بن سلمان، ولا أيضاً حول أين سيقام عش الزوجية الخاص بالأفندم هادي ونتنياهو في حال إعلانه لا قدر الله، بقدر ما تشغلني مسألة غاية في الأهمية، وهي ما إذا كان بن سلمان سيبادر من جهته برفع درجة ومستوى التصنيف الوظيفي للأفندم هادي وأعضاء حكومته المرابطة في الرياض من مستواها الحالي والمتدني للغاية بوصفهم موظفين من الدرجة العاشرة، ربما بنظر النظام السعودي، إلى مستوى أرقى ولو من باب التماشي مع الضرورات التطبيعية وحفظا على الأقل لماء وجه هادي وحكومته الأضحوكة في حضرة الوالد نتنياهو ومسؤولي حكومته الودودة «أيدهم الله».
وذلك انطلاقا من واقع معايشتي الشخصية والفعلية خلال النصف الثاني من العام الفائت 2019 لحال وواقع مسؤولي حكومة هادي الأشاوس وطريقة تعامل المسؤولين السعوديين معهم بمختلف مستوياتهم ومراتبهم، سواء كانوا وزراء أم مستشارين رئاسيين... الخ.
كان الشيء الذي لاحظته بقوة والذي مسني في الصميم خلال فترة إقامتي الفارهة لحوالي 3 أشهر في ضيافة النظام السعودي ذاته وفي أحد الفنادق الفخمة ذات الخمسة نجوم (فندق سويس انترناشيونال) الكائن في طريق الملك فهد بمدينة الرياض والذي كنت أتشاركه مع نصف دزينة تقريبا من وزراء حكومة (هادي ـ معين عبدالملك)، هو أن امتيازات التخمة والرفاهية تلك التي كنا نعيشها ونتمتع بها، أي النغنغة بالبلدي، كانت تشكّل عمليا أحد أهم البدائل الواقعية لإحساسنا الذاتي بالكرامة الوطنية والشخصية، وذلك بالنظر إلى حقيقة كون الوضع والمستوى الشخصي والوظيفي لوزراء وأعضاء حكومة هادي لم يكن يرتقي من الناحية الفعلية حتى إلى مستوى رؤساء أقسام إدارية في بلادنا، أي أنهم مجردون في الواقع، ليس فحسب من أبسط الشروط والامتيازات الوظيفية التي ينبغي توافرها بحكم مناصبهم الحكومية الرفيعة، بل وافتقارهم الفعلي لسمات الكرامة الشخصية والوطنية، بالنظر إلى افتقارهم للطواقم الإدارية المساعدة وللمرافقة الشخصية وحتى لسيارات خردة تقلهم في مشاويرهم الرسمية والخاصة على الأقل.
ولعلي لا أزال أتذكر موقفا حدث معي في الأسبوع الأول من أكتوبر العام الفائت 2019 وقبل عودتي لليمن بيومين، حيث كنت مدعوا على الغداء من قبل رئيس حكومة هادي الأسبق الرفيق الدكتور أحمد عبيد بن دغر في جناحه الملكي الفخم بفندق «إنتر كونتيننتال» المملوك للحكومة السعودية وسط الرياض، حيث فوجئت عند وصولي بأنني لم أكن الوحيد المدعو لمأدبة بن دغر، حيث كان قد سبقني كل من الرفيق مروان دماج، وزير الثقافة، وعبدالله لملس، وزير التربية آنذاك، ومحافظ عدن الحالي، وسالم بن بريك، وزير المالية، وأحمد غالب المعبقي، مستشار رئاسة هادي، وجميعهم باستثناء المعبقي يتشاركون الإقامة معي في الفندق نفسه الذي أقيم فيه... الخ.
المهم أنه وبعد الانتهاء من تناول الغداء انفرد بي الدكتور بن دغر في اجتماع ثنائي بغرفة جانبية لحوالي خمسة وأربعين دقيقة لأفاجأ عند مغادرتي بمجموعة الوزراء الذين سبقوني للشارع لا يزالون يقفون في شمس الرياض الحارقة يلوحون لسائقي التاكسيات الذين كنا نجد صعوبة بالغة في التفاهم اللغوي معهم كونهم من الهنود والبنغال... الخ.
وبعد حوالي الساعة أفلحنا أنا ووزراء هادي الثلاثة في استئجار تاكسي يعيدنا لفندقنا. كان يقوده لحسن حظنا مغترب يمني تمكنا من إفهامه وجهتنا وبواقع 20 ريالاً أجرة مشوار التاكسي والتي تقاسمناها أنا ومعاليهم بالتساوي بالطبع.
ولعل ذاك الموقف كان من بين العديد من الأسباب التي حفزتني فعلا لاتخاذ قرار العودة للوطن، إلى بلدي وإلى مدينتي وأهلي في منطقة الشمايتين دون أي إحساس بالندم. صحيح أن زيادة الوزن الذي اكتسبته في الرياض على المستوى البدني بواقع 22 كيلوجراماً سرعان ما فقدته وبصورة مضاعفة بعد أقل من أسبوعين فقط من عودتي الميمونة للبلاد مثلما فقدت أيضاً أمني الشخصي والأسري الذي لا يزال غائبا حتى اللحظة، إلا أن الشيء الوحيد الذي احتفظت ولا أزال أحتفظ به حتى اللحظة هو كرامتي التي لم تفلح «نغنغة الرياض وولائمها العامرة» في الانتقاص منها أو تهميشها ومصادرتها على غرار أولئك الذين ظلوا رهائن في فنادق جدة والرياض، رهائن للحاجة والولاء الانبطاحي والمنفعة الشخصية الممزوجة بهوان شعبنا وعذابه اللامتناهي.
خلاصة القول، إنه وبالنظر إلى تداعيات الهزيمة الساحقة التي مني بها كل من بن سلمان وبن زايد بخسارة أباهم الروحي دونالد ترامب لاستمراريته في البيت الأبيض، إلا أن هذا الإخفاق الذي مني به الثنائي الخليجي وترامب قد يكون حافزا لاندفاع تطبيعي محموم يبادر به بن سلمان وأعوانه في المنطقة العربية والأفريقية صوب أورشليم بغية الاستفادة القصوى من ناحية أولى، من نفوذ «إسرائيل» الدولي ومن تفوقها التكنولوجي والعسكري والاستخباراتي لحماية النظام السعودي وولي عهده من تبعات سياساته الاستحواذية ومغامراته العسكرية وجرائمه المرتكبة ضد الإنسانية على صعيد الداخل والخارج والتي لا يسعني المجال هنا لسرد وقائعها. وبغية تمكين الثنائي بن سلمان وبن زايد من الناحية الأخرى من امتلاك أدوات الدعم والقدرة اللازمين لمواجهة مشروع التحرر العربي والإسلامي الذي تحمله كل من إيران وسوريا واليمن صنعاء وحلفائهما... الخ.
ومسألة كتلك تعد هينة للغاية بالنسبة لابن سلمان، خاصة مع القدرة اللامتناهية التي برهن على امتلاكها لترسيخ الاعتقاد الشعبي والقومي العربي بشرعية التطبيع الذي سينال حظه الأوفر دون شك من فتاوي أرباب الدين والتي قد تكون جاهزة في الواقع ـ أي فتاوي رجال الدين ـ لتأكيد رغبة الرب ومشيئته، وربما دعمه ومباركته لمثل هذا الزواج المقدس بين العرب و»إسرائيل» والذي من يدري قد تكون من فوائده المستقبلية المحتملة أن تكون الزيجة الثامنة لي في حياتي مقرونة هذه المرة بإحدى «أمهات الفلاشا» في أورشليم لتعزيز عرقنا «المخدماني» بصورة قد تسهم في إحياء أمجاد أبرهة في حكم هذه البلاد... 
وللحديث بقية.

أترك تعليقاً

التعليقات