محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -

قبل أيام وأثناء متابعتي للقنوات الإخبارية في الفضائيات المتنوعة فوجئت بقناة الإخبارية السعودية الرسمية تبث ضمن نشرة الواحدة صباحا تقريرا مطولا استغرق حوالي الـ40 دقيقة كاملة حول الاستخدام الموفق لطاغيتهم المنفوخ محمد بن سلمان لمصطلح الترويكا في كلمة له ألقاها في اجتماع منتدى تبادل الاستثمار المنعقد في الرياض أواخر يناير 2021.
وقد بدأ التقرير بعبارة "وقد ركز سموه حفظه الله على مصطلح الترويكا، وشدد رعاه الله على أهمية الترويكا، مؤكدا أيده الله على أن الترويكا ستعمل على … و… و… الخ".
مع الإشارة في هذا الصدد الى أن تقرير الإخبارية السعودية تضمن شرحا وافيا ومفصلا عن أصل مصطلح الترويكا ومدلوله اللفظي واللغوي والسياسي والتنموي والإنساني... الخ، وكأن ابن سلمان هو مخترع الترويكا لفظا وشكلا ومضمونا.
يا إلهي، هل بلغ الاستخفاف بهؤلاء الأوباش المتخمين من دماء وثروات شعوبهم حد تخصيص 40 دقيقة كاملة لاستعراض مصطلح بالكاد حفظه مولاهم الهزلي، فيما خصصوا أقل من 5 دقائق فقط وفي سياق النشرة ذاتها لمعضلة "كوفيد 19" في بلادهم ولتداعيات حربهم العبثية ضد بلادنا!
بالتأكيد يمكنهم ذلك، فعلى غرار أغلب الديكتاتوريات تعد مثل تلك الأنماط الدعائية المطاطية مهمة للغاية ليس فقط بغرض التسبيح بحمد وحكمة طغاتهم، وإنما لكونها موجهة في الأساس ـومهما بلغت درجة هزليتهاـ لتخدير وعي شعوبهم ومجتمعاتهم المحلية في الداخل، وليس لإثارة إعجاب حلفائهم ومواليهم الدوليين أمثال الثنائي (ترامب سابقا ونتنياهو حاليا) واللذين ينصب جل اهتمامهما في الأساس -أي أمثال ترامب ونتنياهوـ على استنزاف ما أمكنهما من موارد وثروات المملكة المالية والنفطية، بالإضافة إلى الاستفادة قدر الإمكان من ولائهما التآمري المطلق ضد الأمتين العربية والإسلامية على غرار ذلك الاجتماع التآمري الثلاثي الذي ضم قبل شهرين في مدينة نيوم السعودية الساحلية كلا من ولي عهد المملكة محمد بن سلمان وأسياده في أورشليم نتنياهو ورئيس استخباراته (جهاز الموساد)، والذي لم يكن مكرسا في الواقع لمناقشة إبداع ابن سلمان في استخدام مثل تلك المصطلحات الحداثية على غرار مصطلح الترويكا، بقدر ما كان مكرسا للتآمر على الأمة الإسلامية بغرض النيل من قدراتها واستقلاليتها ورجالاتها بالصورة التي تمخضت عنه، وبعد يومين فقط على هذا الاجتماع المخزي جريمة اغتيال العالم النووي الإيراني حسين فخري زادة من قبل الموساد وبتواطؤ علني ومفضوح من قبل النظام السعودي بصورة لم يعد في الإمكان دحضها أو إنكارها، وفي مؤشر واضح لا تشير وقائعه فحسب على العجالة الشديدة التي باتت تتسم بها مؤخرا سياسات بن سلمان التآمرية ضد الأمتين العربية والإسلامية بقدر ما تعكس في الوقت ذاته الحاجة الملحة التي باتت تعتري هذا الثنائي المدلل (ابن سلمان ونتنياهو) لشد أزر بعضهم بعضا في مواجهة نذر الريح المشؤومة التي بدأت تهب عليهم من جهة إدارة جو بايدن الجديدة، خصوصا مع عزم إدارة بايدن إعادة تقييم العلاقة الأمريكية ـ السعودية في ضوء جملة من العنتريات التي ميزت عهد ولي العهد محمد بن سلمان، منها جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، بالإضافة إلى جرائم حربهم المرتكبة في اليمن، خصوصا مع تأكيد بايدن أكثر من مرة أنه يجد أن جميع المبررات التي سوق لها ترامب لتبرير سياسات وتصرفات ولي العهد السعودي بعيدة جدا عن الحقائق، وهذا يضر بالولايات المتحدة وسمعتها الدولية.
إذن، المفروض بابن سلمان إجادته للتعاطي مع المتغيرات الراهنة عوضا عن تركيزه على حفظ مصطلحات كـ"الترويكا" الذي أراهن على أن 5 على الأقل من أصل 7 من طليقاتي (زوجاتي السابقات) يمتلكن القدرة على إثارة إعجابي عبر تقديمهن شرحاً وافياً ومفصلاً للعديد من المصطلحات مثل الترويكا والبروسترويكا والتكنوقراط والأوتوقراط والبيروقراطية.. وبصورة تتخطى بالتأكيد قدرة محمد بن سلمان على فهم مضامينها أو استيعابها حتى.
أنا من جهتي أقترح على الشاب محمد بن سلمان أن يبدأ جديا خلال هذه المرحلة بحفظ واستيعاب العديد من النصوص والمصطلحات القانونية التي سيحتاجها بشدة ليس فقط لتبرير جرائمه المتنوعة ضد الإنسانية، وإنما بغرض التعاطي أيضا مع طبيعة المتغيرات السياسية الراهنة والتي لم تعد ملائمة بالتأكيد وكما كان عليه الحال في عهد إدارة ترامب لدعم تطلعاته الاستحواذية سواء على صعيد الداخل السعودي أو على المستويين الدولي والإقليمي، خصوصا بعد أن طالت الظروف المتجمعة ضده حتى مجتمع النخبة الأمريكية من كتاب وإعلاميين ومثقفين ممن ساندوا بقوة منذ البداية مختلف مشاريعه الاستحواذية والإخضاعية بدءا من صراع الخلافة الذي انتهى ببسطه سيطرته السياسية على الحكم عبر إقصائه لابن عمه ولي العهد السابق محمد بن نائف في إطار مشروعه الانقلابي على السلطة... الخ، والذين بدأوا -أي مجتمع النخبة الأمريكي- بتغيير مواقفهم تباعا من الأمير الطاغية جراء استفحال سياساته القمعية والاستحواذية بما أفرزته من مآس إنسانية سواء على صعيد حربه العدوانية ضد شعبنا وبلادنا أو في ما يخص تنكيله الوحشي بكل المعارضين لنظام حكمه داخل وخارج المملكة.
في النهاية ترامب أصبح طي النسيان وخارج نطاق الفاعلية.. والذخائر الأميركية لبني سعود بدأت بالتناقص جراء القيود المفروضة حاليا من قبل الديمقراطيين.. و"الحوثيون" باتوا أقوى مما كانوا عليه في بداية العدوان، والمخارج من مأزق الحرب في اليمن باتت شبه مسدودة في وجه ابن سلمان، والتأييد الأممي لعدوان المملكة آخذ في الانحسار أمام بشاعة ما ارتكبه ويرتكبه فتاها المدلل، والعبرة وقت الكيل.. وللحديث بقية.


الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات