هي الحرب الكبرى!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كم نحن بحاجة لمعرفة حقيقة تاريخية تجري مجرى الزمان، وتُعاش في كل مكانٍ نهضت فيه حركة ثورية جهادية. وهي: إن إمكانية النجاح لأي حركة رسالية في صنع التحول الكبير، وإحداث التغيير المنشود، وتحقيق النهضة والبناء بمفهوميهما الشاملين على مستوى الحاضر والمستقبل؛ أمرٌ يستحيل الوصول إليه. وذلك ليس نتيجة عدم وجود الرؤية الكونية والفكرية، أو كثرة النقائص والإشكالات والفراغات التي قد تعاني منها أي حركة رسالية في طور النشأة أو الفتوة، أو المراهقة الأيديولوجية، ولا نتيجة غياب القادة والنماذج العظيمة التي تمدها بالسلوك والخلق والآلية التي تضبط الحركة والمسار العملي، أو تنقلها من ساحة الفكر إلى ساحة التطبيق والممارسة، بالمستوى الذي يخاطب الحس، ولا يقف متقوقعاً في عالم التجريد، وإنما نتيجة نزوع الكثير من المنتمين والعاملين في هذه الحركة أو تلك وخصوصاً الذين يعنون بتحمل المسؤولية الإدارية والاجتماعية والتثقيفية إلى التأثر بما كان سائدا من أساليب وطرق وأفكار في عهد الطغاة والمستكبرين.
هذا ليس ضرباً من ضروب التنجيم بل هو الواقع، فتأمل في مَن حولك؛ فأنت لا شك ستجد أن البعض نتيجة وجود نزعة الطغيان والتكبر والغرور في ذاته من حيث الأصل؛ لم يكن ارتباطه بالحق قيادة وأمة ومشروعا وتوجها عمليا إلا لقلة حيلته، وضعف قوته، وهوانه على الناس، لذلك فإنه عندما يصبح ذا شأن، وصاحب منصب ونفوذ ومكانة؛ فلن يحتكم إلى الله، ولا إلى رسوله أو وليه؛ وإنما سيحتكم لتلك النزعة الشيطانية التي ظلت مكبوتةً في دواخله برهة من الزمن، وتلك السمة المتأصلة في ذاته، وهي سمة الطغيان والظلم والاستكبار والبغي، ولا تكاد تخلو فترة من فترات تمكن وظهور أهل الحق عبر التاريخ من هذه العاهات والنماذج الفاسدة المفسدة.
والمصيبة هي: عندما تصبح ممارسة هؤلاء هي القيمة التي لا يحق لك انتقاصها، والحجة التي لا يجوز لك دحضها! فمَن أنت كي تقف بوجه جهة أمنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تجاوزت الحد، وانحرفت عن الجادة، وإفسدت من حيث كان يجب أن تصلح؟ يا أنت: الزم الصمتَ. هكذا يقول لك العقل المثقل بالهموم والمشكلات الحياتية اليومية والشهرية والموسمية، فلماذا تزيد دائرة النار التي تشتوي في ظلها كل حين اتساعاً وعمقاً وقوةً وتمدداً؟ ولماذا تستعدي هذا وذاك، وتُؤلب عليك أتباع فلان أو علان بالحديث عن تجاوزات واختلالات وسلبيات وسقطات ومظاهر ظلم وفساد تصدر عن زيد أو عمرو، وهي لن تؤثر عليك وحدك، بل على جميع أبناء المجتمع؟ فكرْ بمصلحتك، وابحثْ لك عن طرق وأساليب جديدة تجعلك مرضياً عنه لدى الملأ وقواعدهم ومراكزهم والدوائر والمؤسسات والقطاعات الخاضعة لإرادتهم وإدارتهم.
يضيف هؤلاء: كأنك تريد حمل الوجود على ظهرك! فليت شعري؛ إلى متى ستبقى مغفلاً غبياً أحمق؟ دعك من الثورية الجامحة، ذات الحساسية المفرطة من كل ما هو مخالفٌ للمنهاج، وضد المبادئ والقيم والأخلاقيات والمعايير والأسس والمنطلقات التي بها جاء المشروع، ولأجلها قامت الثورة الشعبية المجيدة المباركة، واكتتبها المجاهدون بالدم والبارود في كل جبهة على امتداد ثرانا اليماني الطاهر المقدس، إذ المرونة مطلوبة، والمداراة وغض الطرف عن هذا النافذ، وذلك المسؤول، وتلك الشخصية العامة؛ من عوامل النجاح، ولوازم الشهرة والاستقرار المادي والمعنوي بالنسبة لك، فهلّا استفقت؟
تلك هواجس تتسلل عن طريق الوسواس الخناس بفرعيه الجني والبشري، لاسيما في ظل ازدياد المعاناة الشخصية، وتفاقم ضيق الحال على مدار اليوم والليلة، بالإضافة إلى مدى ما يلاقيه الناقدون بدافع الانتماء الإيماني الجهادي الثوري من تجاهل وتعنيف ونبذ وتشويه وعزلة وتحقير وتنكيل وتضييق وحصار وتسقيط، فما من غيورٍ حرٍ موالٍ مجاهدٍ ثائرٍ وضع يده على الجرح، وأبان بقلمه ولسانه موطن الخلل، ومحل العبث، ونقطة الفساد والتحريف والانحراف، ومكمن العجز والتراجع والفشل واللامبالاة؛ إلا وأصبح في خبر كان!
لكن هذه الأمور كلها لا تستطيع إجبار مَن تولى علياً عليه السلام ذاتاً ورسالة، وسلك مسلكه في كل جانب من جوانب الحياة والإنسان على التراجع، حتى وإن كلفه ذلك دفع روحه في سبيل رسالته وهدفه ومسلكه في الحياة.
والخلاصة: إن أعظم مصاديق التولي لقرناء القرآن من إمام المتقين إلى حسين الطف والجرف وعلي عصرنا هي محاربة الفساد والظلم والانحراف والبغي، وكل ما يؤثر على نمو وتكامل وازدهار الفرد والمجتمع وتحقيق العدالة، وحفظ الحقوق، وهي حربٌ كبرى، إذ تنطلق بأضعاف أضعاف القوة لتلك الحرب التي تحركها ضدنا أيادي الظلمة المستكبرين من الخارج، لكونها هنا تشن علينا بأيادي المؤمنين المنقلبين على أعقابهم في الداخل. لذلك فإن القضية ليست قضية خاضعة للمصلحة، وليس بقاموسها مسألة تقديم الأهم على المهم، وإنما هي قضية مبادئ يجب الحفاظ عليها وتعميمها وترسيخها في الواقع، ويجب محاربة كل مَن يحول دون إقامة الحياة على صورتها، سواءً كان هذا الشخص معاوية، أو عثمان بن حنيف الأنصاري.

أترك تعليقاً

التعليقات