فواجع قاتلة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
الانتماء لدين الله ليس امتيازاً ذاتياً، بحيث يكتفي الفرد بإعلان الانتساب إليه، والتزام الجوانب الموحية بالتزامه الظاهري به في حركته في الحياة على مستوى الشكل، ومن ثم فإن عليه أن يفعل ما يشاء في شؤونه الخاصة، وتوجهه المجتمعي العام، فله الحرية في كل شيء، باعتبار أن كل شيء مباح له، بل إن الانتماء لدين الله، هو التزامٌ في الفكر، وانطلاقةٌ في الحركة العملية، والتزامٌ في السلوك، وخطٌ للسير، لا يقبل التعرج والميل والانحراف، الأمر الذي يحتم على المنتمين أن لا يستسلموا للأماني التي تسيطر على الذهن، وتنفخ الذات، وتجعلهم يعيشون وهم الانتظار لحصولهم على النتائج الجيدة على مستوى الدنيا والآخرة، بمعزل عن العمل بالاتجاه الذي يحقق تلك النتائج التي يرجونها، وعليه فقد كان لزاماً عليهم العمل بالخطط والبرامج التي تضمنتها الرسالة الإلهية في تعاليمها وحركتها، لكي يقيموا الحياة كلها على أساسها، ويتحقق لهم شرط خلافة الله على هذه الدنيا، بما يبذلونه من جهد لبناء الحياة، بدءًا باهتمامهم في بناء نفوسهم، ثم اتجاههم لبناء نفوس مجتمعهم وأمتهم، وصولاً لقيامهم بمسؤوليتهم كاملة كأفراد، وكمجتمع، وإذا لم يتحقق ذلك، فإنه دليل على انعدام الصدق في الإيمان، وسبب كافٍ لخسارة الدنيا والآخرة.
كما أن على المنتمين ألا يخضعوا في تقييمهم للعلاقات الإيمانية لمجرد الانتماء إلى الدين، بل يجب الانطلاق من العمل كأساس للتقييم، إذ إن العمل وحده هو: الصفة الحقيقية للانتماء.
وهكذا نعرف: أن قيمة الانتماء للدين تتمثل بالإخلاص العملي له، وذلك بالتزام طريق العدل، وصون الأمانة، وعدم الدفاع عن الخائنين، وعدم اتهام الناس بالباطل، لتبرئة ساحة الفاسدين والظالمين، وتقوية موقف العاجزين والمقصرين.
وهكذا يرفض القرآن الكريم الأساليب التي تستعملها التيارات والطوائف في المجتمعات التعددية، بغية حماية المجرمين والخونة، المنتسبين إليها، ولو أدى ذلك للدخول في مواجهة مفتوحة مع المظلومين والأبرياء، على أساس أن الانتماء قد جعل لأولئك قيمة دينية، وقداسة ذاتية، ومكانة سياسية، تستوجب منع الاقتصاص منهم، ودفع عدوانهم عن الناس الآخرين، باعتبار أن تلك الأساليب منطبعة بطابع الجاهلية، وذات آثار تدميرية للواقع كله، إذ يبقى المظلوم في حالة عجز دائم، واستسلام متواصل للظلم، ليقينه أن مطالبته بالحق، وبحثه عن الإنصاف، مدخلٌ لفتح أبواب جهنم عليه، من قبل الجهة أو الحزب أو الحركة التي ينتمي إليها الظالم، أو المجرم.
أما الفاجعة الأدهى، والمرارة الأشد وجعاً وإيلاماً على النفس هي: الواسطة والمحسوبية، التي تمتد من نفق الماضي المظلم، لتلقي بظلالها على الحاضر المجيد، فتطبعه بطابع الظلمة، وتعطي الفئات المستهدفة من الجماهير جرعةً كافيةً من اليأس، ليستقر بعدها في الذهنية العامة: أنْ ليس بالإمكان أفضل مما كان، إذ لايزال المعيار الذي يحدد لمعظم الجهات استحقاق فلان للخدمة دون سواه، أو نيله للدرجة الوظيفية دون سائر المتقدمين لها، أو حصوله على نوع من المساعدة والدعم المادي، من بين بقية المطالبين بذلك ممن يعيشون معه نفس المعاناة، ويمرون بذات الظروف، ويفتقرون لنفس الشيء الذي أصابه وحده، وأخطأهم جميعاً هو: مقدار ما لدى ذلك الفرد من صلات وروابط وصداقات ومعرفة سابقة بأحد الشخصيات الهامة هنالك، أو بعض العاملين، وما دون ذلك فلن تلقى سوى التعنت والتجاهل والانصراف عنك إلى سواك، وسد جميع الأبواب في وجهك، مع التعامل القاسي معك، واتباع كل الطرق والأساليب التي تشعر خلالها أنك أمام مشهد يريك صورة مصغرة من خزنة جهنم هنا في الدنيا، لتحسب حساب يوم القيامة من الآن، وقبل فوات الأوان.
إننا كعاملين نفتقر إلى البوصلة التي تحدد الانطلاق من القاعدة الجامعة لكل معاني ومقتضيات وأركان ومقومات الإيمان، التي تضبط النظرة، وتحدد السلوك، وتنظم الحركة لدى العاملين، الذين سيكون ميزان تعاملهم مع الناس قائماً على الرحمة، كصفة أساسية للمجتمع الرسالي، وكعنوان من العناوين التي تحدد العلاقات، والمهام والواجبات ليتولد عنها الشعور بوحدة الجسد، المؤمن، دافعاً الجميع باتجاه الاهتمام بسائر الأعضاء التي قام عليها كيانهم ذاك، ومن موقع المحبة والإيثار، اللذين يفرضان على كل ذي قدرة أو مكانة أن يعمل لأجل أولئك الذين يجتمع وإياهم على الأخوة والولاية في الله وله سبحانه، وبذاك لا غير تتوحد الجهود لمواجهة الأعداء والمستكبرين، ويتحول الجميع إلى حراس لمكتسباتهم ومواقعهم العامة، وحملة لقضاياهم العادلة، متفاعلين مع كل الأفكار التي تبني نهضتهم، وتحفظ كرامتهم وعزتهم وبقدر ما تكون الرحمة حاضرة في مجالات العمل والبناء والتعامل المجتمعي من الداخل، فإنها ستنعكس شدةً وغلظةً في مواجهة العدو الخارجي، باعتبار ذلك نتيجة الرحمة، وانعكاسا لآثارها الطيبة.

أترك تعليقاً

التعليقات