رئيس التحرير - صلاح الدكاك

العالم «تل أبيب» ولصنعـاء ميراث الأرض

صلاح الدكاك / لا ميديا -
كانت وزيرة داخلية كيان العدو الصهيوني إيليت شاكيد في الإمارات أمس الأول الاثنين.
صلت في الكنيس المعروف باسم جامع زايد بأبوظبي، ودون أن تأتم صفوف المصلين كانت شاكيد إماماً مطاعاً... كان ينتظرها في مكان ما بالعاصمة الإماراتية أركانات تحالف العدوان الأمريكي الصهيوني على اليمن... تحديداً عند مقبرة صرعى توشكا وبنادق وأقدام رجال اليمن من ضباط وجنود إماراتيين... وصلت شاكيد في موعدها.. حملت إكليلاً من الزهور ووضعته بخشوع على نصب ما يسمى "واحة الكرامة".. كان نشيد الكيان الصهيوني يصدح بلغتيه "العبرية والإماراتية". وعقب الفراغ من الطقوس استمعت الوزيرة الصهيونية لشرح مطول وغير سار من كبار بيادق بني نهيان، حول أسباب وعوامل الهزائم المذلة التي يتلقاها تحالف العدوان على اليمن مع أزوف سنة ثامنة من عمره..
 كما وانكشاف دول التحالف لضربات الحفاة الجوصاروخية وحاجتها لـ"رُقْية دفاعية إسرائيلية عاجلة" قبل فوات الأوان.
قبل شاكيد، كان صهيوني آخر بمسوح أوروبية إسبانية -هو جوزيب بوريل المندوب السامي للاتحاد الأوروبي- قد زار مملكة بني سعود، مطلع هذا الأسبوع، لهدف مماثل ضمن أجندة صهيوأمريكية واحدة: "تفقد أحوال حظيرة المصالح الغربية الحيوية وخيارات تجنيبها فاتورة الرد والردع اليمني وتبرئة ساحتها من تبعات 7 أعوام من مجازر التحالف بحق اليمنيين"... هذه الزيارات المحمومة القلقة للمشيختين ليست موجهة فقط لحظيرة حلوب يحدق الخطر بضروعها الأسمن والأدر، بل -وبذات الدرجة من الأهمية- لأنها خط الدفاع الأول المتقدم في الجزيرة العربية والخليج للكيان الصهيوني.. وما تجنيه من وبال أمرها في اليمن وما ترتب عليه من عواصف مرتدة راهنة وداهمة، ليس مأزقاً يخص مشيختي بني سعود ونهيان، ولا كارثة طبيعية ستكبح جماحها وتتلاشى عند حدود السعودية والإمارات... إنه -أفدح من ذلك- تقويض متصاعد وعميق لمداميك وصفيحة الوجود الاستعماري الكولونيالي في المنطقة العربية والإسلامية في محور ارتكازه الأبرز عالمياً، وما يطال كيانات الطفرة الوظيفية الاستعمارية تنسحب نتائجه الكارثية حتماً على الوكيل الصهيوني الإقليمي ومركز الامبراطورية المعولمة الأمريكي في أقصى شمال الكرة الأرضية.
الوزيرة الصهيونية شاكيد -الموكولة في حكومة نيفتالي بتكثير أورام المغتصبات الاستيطانية في فلسطين- لم تكن بحاجة للإدلاء بتصريح مباشر عن "انحياز" كيان العدو المطلق لمقلب العدوان على اليمن، وخشيته البالغة إزاء متغيرات الاشتباك وهزائم تحالفه المتصاعدة أمام تصاعد قوة يمن أيلول البأس الشديد... اختارت شاكيد تعبيراً يتوافر على شحنات عاطفية أكبر بكثير من مجرد تصريح صحفي عابر وبروتوكولي، وأشد تماهياً في أتون غايات العدوان، فذرفت الدموع منتحبةً على جنودها الذين قضوا "دفاعاً عن الدولة الإماراتية" بحسب تعبيرها، وتوجت عرفانها لخدماتهم بإكليل زهور ضخم الحجم مماثل لما تضعه حكومة العدو على نصب صرعى الكيان الصهيوني أنفسهم في مناسبات مماثلة. 
جوزيب بوريل "المندوب السامي للاتحاد الأوروبي" سلك ذات وجهة مواطنته شاكيد التراجيدية المبتذلة والفاضحة، فتحدث بعاطفة مشبوبة عن "إنسانية بني سعود وموقفهم الداعم لحل الأزمة في اليمن" وشدد على "حق المملكة في الدفاع عن أراضيها"، وأدان ودعا "الحوثي لوقف هجماته على السعودية" باعتبارها "العائق الوحيد أمام السلام".
اللاعب الحقيقي المحرك لمروحة هذه الزيارات يتوارى خلف طيف الصفات الرسمية الدولية المموهة لـ"زوار الحظيرة الحلوب" المهددة بدوران عجلات التحرير بتسارع صادم لحساب وحسبان أرباب العدوان.
فجوزيب بوريل تحدث بصفته لا مندوباً أوروبياً، وإنما كمهندس طيران يهودي شاب حمل حقيبته في العام 1969 وطار إلى فلسطين المحتلة ليخدم كمتطوع في مغتصبة "كيبوتس غال" دفاعاً عن "أرض الميعاد" في مواجهة "حرب الاستنزاف" التي كانت مصر ناصر وسورية تشنانها على كيان العدو الصهيوني، أو ما عرفت بـ"حرب السنوات الثلاث" عقب هزيمة حزيران/ يونيو1967 (النكسة).
إذن، ما من أجندة دولية متعددة المقاربات لـ"الحرب أو السلام في اليمن" تخص على حدة دولة كل مبعوث وزائر لمضارب سعود ونهيان، وتنبني على قاعدة طيف مصالح متباينة: أمريكية أوروبية أممية.. صهيونية... وصينية أو روسية..!
هناك فقط لاعب صهيوني واحد يسعى بلافتات متعددة لاستفراغ النهايات الخائبة لعدوانه الكوني بعيداً عن متغيرات ولزوميات الاشتباك في اليمن بين طرفين: مهزوم يقابله منتصر.. حيث الأخير يملي شروطه على الأول، وحيث صنعاء الثورة هي اليد العليا التي ليس بوسع المضاربين خارج مضامير الحقائق الموضوعية لهذا الاشتباك، قسرها على أن تكون يداً سفلى في واقع معادلة الوجود الجديدة بالمنطقة والعالم. 
تبقى شاكيد هي الزائر الوحيد ذا الملامح الدالة بسفور على هوية صاحبها بين طابور وجوه متباينة الماسكات والصفات، ومن غير الممكن استبعاد المبعوث الأممي الجديد غروندينبرغ من قائمة شخوص هذه الحفلة التنكرية... وإذا كان لايزال يلعب في الظل منذ تسميته رسمياً كمبعوث، فذلك لأن ملعب الاشتباك بحاجة إلى بلدوزرات ضغوط تمهيدية بأمل تسويته لجهة دخول غروندينبرغ كحامل مرحب به لشروط استسلام بقناع سلام أممي.
7 أعوام دفع العالم خلالها بكل ثقله ونفاقه وعتاده وأغطيته وإمداداته الشاملة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وحقوقياً وإنسانياً ودبلوماسياً و... و... إلى طاولة المقامرة على حرب خاطفة يشنها تحالف كوني تعيد اليمن لحظيرة الرق في غضون أسابيع أو شهور بأي ثمن تقتضيه وإن تطلب إبادة ملايين البشر قتلاً مباشراً وغير مباشر وبالآلة العسكرية أو الحصار والحروب الناعمة القذرة.. الأهم أن يفضي في المحصلة إلى الغاية القذرة المنشودة.
بالنقيض لذلك امتدت الحرب وارتدت نتائجها بفعل الصمود اليمني والمواجهة الفذة بالضد، فبات الجلاد في مرمى "الفريسة السهلة"، وبينما تواطأ العالم بأسره مع ترسانة الحرب العدوانية الشاملة على دم ولحم وخبز شعبنا خلال السنوات السبع، يستميت اليوم في سعي محموم ومبتذل ومخاتل لاستنقاذ الوحش الكوني الخائر الخائب من قصاص مستحق عن جرائمه وشروط سلام تثمن دم شعبنا البطل حرية واستقلالاً.
بات القاتل طرفاً ثالثاً يرعى السلام والحوار، وأما المدافع عن نفسه فـ"عقبة أمام السلام"، غير أن من سوء حظ العدو الصهيوأمريكي ومجموعة دُماه الدولية المتباينة، أن كل هذا التحريف الفاضح لا يمكن أن يتمظهر كمعطيات موضوعية لاغية لحقائق الاشتباك، ولن يترتب على بطلان هذه المقاربة المبتذلة ما يدحض حق شعبنا في إقرار دولي راغم بوجوده الوازن القابض على زمام شروطه واقعاً ومعركة أو المضي بالاشتباك لخيارات تعيد جدولة أوزان الوجود في المنطقة بما تذهب معه كيانات الطفرة والوكيل الصهيوني جفاءً.. والعاقبة لليمن الجدير بالمكوث في الأرض تحت سماء تنفسح لقاماته الباسقة.

أترك تعليقاً

التعليقات