رئيس التحرير - صلاح الدكاك

أصبحت (السعودية) ترأس مجازاً؛ قيادة حلفين أحدهما ما يسمى (التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن)، وتأسس في مارس من العام الجاري، والآخر لا يزال طازجاً حيث أعلنت عن تشكيله الثلاثاء الفائت الرابع عشر من ديسمبر، وأطلقت عليه اسم (التحالف العسكري الإسلامي) ويتألف من (35 دولة عربية وإسلامية) بينها الجمهورية اليمنية المختزلة نظرياً في مجموعة من الختوم الرئاسية التي هرَّبها (هادي) إلى الرياض لدى فراره إليها مطلع هذا العام.
لم تُلحق (السعودية) الوظيفة التي يفترض أن ينهض بها التحالف الطازج، باسمه، على غرار تحالفها الأول (الداعم للشرعية)، وورد في بيان التأسيس إن (التحالف العسكري الإسلامي) يهدف إلى (محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أياً كان مذهبها وتسميتها)، أما مجال نشاطه فمحصور في (الدول الإسلامية)، وتعتبر (منظمة التعاون الإسلامي) المملوكة للسعودية، هي (المنظمة الأم) لجنين الخيبة والارتباك والمؤامرات المولود للتو.
لمقاربة المغزى الحقيقي من لعبة تفريخ الأطر هذه، ينبغي الإقرار أولاً بأن (السعودية) لا تعمل بمنأى عن التأثير المباشر لمصالح الإدارة الأمريكية ومخاوف الكيان الصهيوني التي تنتظم السياسة الخارجية للمملكة منذ نشأتها كإمارة في عهد (عبدالعزيز بن سعود).
اتكاءً على هذه المسلَّمة التاريخية، يمكن مقاربة الإطارين أو التحالفين السابق والحالي بوصفهما (تعريباً وأسلمة) لمصالح ومخاوف غير عربية ولا إسلامية، تتعلق بحاجة الإدارة الأمريكية لتفادي انحسار نفوذها المتسارع في (الشرق الأوسط) بفعل عاصفة متغيرات أبرزها: فشلها في الإطاحة بقيادة ودولة الجمهورية العربية السورية، رضوخها مرغمة للاعتراف بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية، سقوط منظومة وكلائها في اليمن وبروز قوى ثورية تحررية مناهضة للكيان الصهيوني والوصاية الأمريكية، فشل أداتها الأبرز (الإخوان المسلمين) في شغل فراغ ما بعد (الربيع العربي) في (مصر، تونس، واليمن)، وتهاوي قلاع القاعدة - داعش، في (اليمن، العراق وسوريا)، و.... دخول روسيا عسكرياً على خط محاربة الإرهاب باستراتيجية نقيض للاستراتيجية الأمريكية. 
في خمسينيات وستينيات القرن الفائت لجأت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تشكيل ما سُمِّي حينها (حلف بغداد)، وأوعزتا للسعودية بإطلاق (منظمة العالم الإسلامي)، لمواجهة المد القومي التحرري الأممي الذي كان يتزعمه جمال عبدالناصر، وتمزيق حالة التلاحم المتنامية من حوله..
على ذات المنوال تلجأ الإدارة الأمريكية اليوم إلى تفريخ أطر بمسميات عربية وإسلامية لتعويم مصالحها ومخاوف كيانها الصهيوني الربيب والنشاز في محيط إقليمي يشهد مداً تحررياً مماثلاً لحقبة عبدالناصر.
من زاوية أخرى فإن تعدد الأطر والأحلاف التي تعمد الإدارة الأمريكية إلى إطلاقها في ظروف مماثلة، يعكس حالة ارتباك استراتيجي تجري مواربتها تكتيكياً عبر تفريخ الأطر والأحلاف ذات الصيغ المخاتلة وغير المباشرة والمعبرة في جوهرها عن مغزى استراتيجي واحد.
عندما عجزت إدارة (أوباما) في توظيف ورقة (السلاح الكيميائي السوري) لانتزاع قرار أممي يبيح (سوريا) لتحالف عدوان دولي يتشكل بقيادة أمريكا، لجأت هذه الأخيرة لمباشرة العدوان ذاته من خلال مظلة شرعية دولية بديلة تمثلت في قرار أممي للحرب على (داعش)، فأطلقت في سبتمبر 2014م تحالفاً ضم إلى جانبها (فرنسا، السعودية، الإمارات، والأردن)، فيما تحفظت (بريطانيا وتركيا) في الانضمام إليه لأسباب ذات صلة بحالة الجزر التي يشهدها النفوذ الأمريكي أوروبياً، والإخفاق في حسابات إدارة أوباما لتداعيات الوضع السوري على النظام التركي الحليف.
تحتاج أمريكا إلى تكتيل القرار الرسمي والإمكانات التي تمتلكها الدول العربية والإسلامية في مناهضة (إيران) كتهديد افتراضي بديل للتهديد الإسرائيلي القائم والذي يتعين أن تتكتل هذه الدول في مواجهته..
عند هذه النقطة لا غرابة في أن تتقاطع مخاوف (فيصل بن سعود) صراحةً مع مخاوف (نتنياهو) إزاء (سقوط صنعاء في قبضة احتلال إيراني)، وأن تتم ترجمة هذه المخاوف على هيئة (تحالف عدوان) يستهدف اليمن حجراً وبشراً وتاريخاً تحت يافطة عربية ظاهرياً.
ووفقاً لاستراتيجية اقترحها بنيامين نتنياهو، فإن على إسرائيل السعي لتأسيس تفاهمات مع دول المحيط العربي، واكتساب فرص استراتيجية جديدة، وفتح آفاق لتعاون استخباري أمني مشترك مع الدول السنية في المنطقة كالأردن والسعودية ومصر.. (بهدف وأد التنظيمات الإرهابية في مهدها).
وإذا كانت أمريكا قد تذرعت بخطر (القاعدة) مرة، وبخطر (داعش) مرةً أخرى لتشكيل تحالفات دولية أفضت لاحتلال (أفغانستان) عام 2001م و (العراق 2003م)، وتهدف من خلالها اليوم إلى احتلال (سوريا) وإعادة احتلال (العراق)، فإن (إسرائيل والسعودية) تبدوان في حِلٍّ من تسمية تنظيم بعينه كذريعة للتحالف في مواجهته.
فـ (الإرهاب أياً كان مذهبه وتسميته) في التعبير السعودي و(التنظيمات الإرهابية) في التعبير الإسرائيلي، هي مصطلحات مفتوحة دلالياً لتشمل مكونات وحركات ودولاً لا تتيح قواعد الاشتباك الجديدة للإدارة الأمريكية تصنيفها كإرهابية على نحو علني، أو أن تزج بـ(الناتو) في حرب مباشرة معها.
تتمظهر قواعد الاشتباك التي التزمتها الإدارة الأمريكية مرغمة إزاء رياح (شرق أوسطية) غير مواتية، في دعوة (أوباما) لـ(قادة الدول الإسلامية) إلى (القيام بدورهم في مواجهة خطر التنظيمات الدينية الراديكالية المتطرفة).
وفي إطار حملته لتكتيل أنصار وحلفاء الولايات المتحدة ضمن تحالف تقوده للحرب على داعش، في سبتمبر 2014م، يقول أوباما: (لا يمكن أن ننوب عن شركائنا لحماية منطقتهم، فالمعركة ليست معركة أمريكا وحدها)..
وكنتيجة متوقعة لهذا الحث بادر الكيان الإسرائيلي إلى إعلان (جاهزيته لتقديم العون والمساعدة لقوى التحالف في هذه الحرب) تلافياً للتشويش الذي قد يسببه انخراطه كعضو في التحالف على الهدف المعلن له، فيما سارعت السعودية والإمارات والأردن للانضمام إلى عضويته.
على الأنظمة الوكيلة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط -  إذن - أن تسمي الأعداء الذين لم يعودوا ظاهرياً أعداء لأمريكا بحكم نتائج مفاوضاتها المباشرة معهم كـ (إيران) أو أولئك الذين تضطر لممالأتهم فتصفهم على مضض بالشركاء كـ (روسيا)؛ إلا أن جلَّ غضب ونقمة هذه التحالفات الوكيلة إذ تنشأ ينصرف عملياً على الحركات التحررية والمقاومة والكيانات الوطنية الناهضة في النطاقين العربي والإسلامي، والدول المستقلة سياسياً والملتزمة قومياً بالقضايا المركزية الكبرى لشعبها وأمتها، كالجمهورية العربية السورية.
لقد أفشلت حرفية وفدائية الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية وقوات الحشد الشعبي العراقية والجيش واللجان الشعبية اليمنية، الأهداف الجوهرية المواربة لتحالف (الحرب الأمريكية المزعومة على داعش)، وقضى دخول روسيا الجاد والجريء مسرح الاشتباك السوري عسكرياً، على آخر مبررات استمرار التحالف الأمريكي الهشة، تماماً كما قضى الصمود الأسطوري للشعب اليمني وبسالة جيشه ولجانه على تحالف العدوان السعودي الأمريكي اللابس مسوح (تحالف عربي لدعم الشرعية في اليمن)، فجاء (التحالف العسكري الإسلامي) تعبيراً عن سلسلة الإخفاقات والخيبات الأمريكية تلك، وعن الحاجة الأمريكية لتدارك التداعي الحثيث لمنظومتها الكمبرادورية في الشرق الأوسط.
ربما يصح توصيف هذا (التحالف الطازج) باعتباره محاولة لمعاودة العدوان على اليمن بثقل أكبر ويافطة ذرائعية جديدة لا سيما مع تسليم مدن الجنوب اليمني للقاعدة ومشتقاتها بوتيرة متسارعة من قبل قوات تحالف العدوان السعودي الأمريكي، وتحسباً لنتائج التقدم الحثيث الذي يحرزه الجيش واللجان في جنوب المملكة..
وربما يكون جسراً لمباشرة العدوان على (سوريا) تحت يافطة جهادية رسمية تستنسخ يافطة الجهاد الأفغاني الثمانيني ضد السوفيات.
أو هو (تحالف على غرار تحالفنا مع العرب في حرب الخليج الأولى لإخراج صدام من الكويت) وفقاً لاقتراح المرشح الأمريكي للرئاسة 2016م جون كاشيتس في حديثه لقناة (سي إن إن) في 7 ديسمبر الحالي.
بيد أن الدافع العميق لتفريخ هذا التحالف ونظائره يجسد - بالإضافة إلى كل ما سبق - فزع الكيانات الطارئة والوكيلة وفي صدارتها السعودية وإسرائيل، إزاء فقدان مبررات وجودها الوظيفي..
ذلك الفزع الذي يتأسَّى معه المحتضر في النزع الأخير بلفيف مشفقين يمطرونه بعبارات متفائلة من قبيل: (طال عمرك.. ستمتد حياتك حتى تسأمها.. أنت عصي على الموت وستنهض كالحصان عما قريب..)!

أترك تعليقاً

التعليقات