لكي يُزال الوهم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
واهمٌ مَن يعتقد أن الـmp3 وحده سيصنع قناعات جديدة منسجمة مع الفطرة وقضايا الحق والعدل، فتحل محل القناعات الباطلة والأفكار الناتجة عن ثقافات مغلوطة ظل المجتمع ينهل من سمومها ردحاً من الزمن، وواهمٌ كذلك مَن يظن أن ما تقدمه محطاتنا الإذاعية، وقنواتنا التلفزية كاف لاستنهاض المجتمع، وتحصينه من الوقوع تحت تأثير ما يتبناه العدو من ثقافات واتجاهات، ويرغب في تعميمه على الواقع كله.
لسنا بيئةً طاردةً للفن الملتزم، ولا نحن عديمي ذوق إلى الدرجة التي لم يعد للحن أو المسيقى أدنى أثر علينا، بل نحن شعب يعيش الفن والجمال واللحن والمعنى الشعري كياناً في كيانه وذاتاً في ذاته، ولكنها ثقافة الجمود الفقهي التي عادت بقوة لتنتقم من الثقافة القرآنية، التي سبق لها وأن أخرجتها من ساحة التأثير، بعد أن فضحتها على رؤوس الأشهاد، باعتبارها أولى اللبنات التي يبنى عليها بنيان الاستعمار والاستحمار، لذلك لا تستغرب إذا غدا اللحن حراما، والفن فجورا وفسقا، كونك أمام فقهاء معزولين عن الحق والجمال، مجافين لكل ما يبني الحس ويؤنسن الوعي والفكر والعواطف، معتبرين أن هذه المنطقة أو تلك مادامت تشارك بحجم جماهيري كبير في المظاهرات والمناسبات الدينية والوطنية منطقة على درجة عالية من الوعي والبصيرة، ولم تعد بحاجة لمَن يهتم لأمرها تذكيراً وتوجيهاً واهتماماً بمصالحها، ورعايةً وتربيةً لشبابها، وإصلاحاً بين أهلها، غير مدركين أن الخروج الجماهيري ليس مقياساً يمكن من خلاله تبين مدى وعي الجمهور في الغالب، إذ إن هناك مَن يخرج بدافع الحمية القبلية، كي لا تكون قبيلته أقل حضوراً من القبائل المجاورة، وهناك مَن يخرج عصبيةً للمشرف أو المسؤول الفلاني الذي هو ابن المنطقة وعين من أعيانها، والذي لن يكون موقفهم إلا معه أينما ذهب، وحيثما يميل أو يتجه، إذ لا يعنيهم النهج، ولا يهتمون بالقضية، بقدر ما يعنيهم الشخص الذي ينصب كل همهم واهتمامهم عليه نصرةً وحمايةً، فما يراه هو الواجب والصحيح كيفما كان وعلى أي حال أو دين أو ملّة.
ولعل الشيء اللافت أكثر هو: أن هناك مَن لايزال بعيدا كل البعد عن المبادئ والقيم والأفكار التي حملها الطليعيون من مجاهدينا وأحرار شعبنا، والذين أوجدوا في ما اجترحوه من معجزات، وتغلبوا عليه من صعوبات وعقبات النواة التي يجب تمثلها كأساس لتحقيق التغيير الشامل سواء في ما يخص الفرد أم المجتمع، فأنت واجدٌ مثلاً المغرقين في التزام الغش في المعاملات والسلع التجارية في الوقت الذي كان يفترض أن تتجلى الهوية الإيمانية كمظهر عام للواقع كله، وكانعكاس طبيعي لثقافة الإيثار والتضحية في سبيل الله، التي برزت لدى آلاف النماذج العملية خلال سنوات الصبر والصمود وتبني القضايا الكبرى، كما ستجد شواهد من الخيانة للأمانة وهي تطل عليك من أكثر من نافذة من حولك، بدءا من نافذة المضيعين لحقوق الناس، والمستهترين بحياتهم، والمتلاعبين بقضاياهم ومصيرهم، وصولاً إلى نافذة الذين يجعلون من مناصبهم وسيلة لمضايقة أشخاص بعينهم، لا لشيء إلا أنهم لا يعجبونهم، أو بعبارة أخرى لا يخضعون لهم خضوع عبودية وطاعة مطلقة، وبالتالي فهم مهدورو الكرامة، ليس لهم حقوق، ولا يجب أن يبقى لهم أدنى ذكر أو أثر يشير إلى أنهم قد مروا ذات يوم من هذا المكان أو ذاك.
لذلك تعالوا لنسأل أنفسنا سؤال مكاشفة واستدراك لما فات: كم شيء عظيم ضاع منا؟

أترك تعليقاً

التعليقات