مَن الذي جعلها أكبر؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في عالمنا العربي المتهالك، اعتدنا تعليق نكساتنا وإخفاقاتنا، وجوعنا وفقرنا وضعفنا على مشجب التآمر الخارجي، فبات كل مَن يرفع صوته داعياً لإنصافه من ظلم ظالم، أو شاهداً على فساد فاسد، أو منبهاً لوجود خلل هنا، وتقصير ولامبالاة هناك، أو مطالباً بحق، أداة من أدوات المعتدين، وحلقة من حلقات سلسلة التآمر والغزو والاحتلال، وجندي للقضاء على الوطن ومكتسبات المواطن.
والعجيب أن الذين عُلِق عليهم الأمل بتغيير النظرة، وبناء الواقع على أسس سليمة، من الحق والعدالة والحرية والاستقلال ونصرة المظلوم، وتبني القضايا الكبرى، وإعلان المواجهة للاستكبار المتصهين، قد أُصيبوا إلى حد ما بذات المس الذي أصاب العقل الاستبدادي العربي الحديث، فتحوّلت المؤامرة إلى مهرب من الحقيقة لدى الثوار والأحرار، حينما يبررون لعجز عاجز وظلم ظالم، ويتهربون من فساد فاسد. والحق أننا لسنا ضحايا كما نظن للتآمر الخارجي، الذي لا ينكره عاقل، بل شركاء صامتون في حفلة الضياع الكبرى.
نعم، إن الغرب المستكبر، والصهيونية العالمية يتآمرون علينا، فجميعنا يعي أن «الأعداء» لا يريدون لنا نهوضاً، وأننا مستهدفون منذ الأزل، كلنا كأحرار ندرك هذه الحقيقة.
ولكننا للأسف لم نجعل من هذا الوعي منطلقاً للعمل في امتلاك زمام القوة، والتخلص من الثغرات التي يتسلل من خلالها العدو، كوننا نحبّ أن نعتقد أننا محاصرون، محكوم علينا بالفشل، مغلوبون على أمرنا. ونادراً ما نعترف أننا أحياناً نُحبّ سلاسلنا. فبات ردنا «مؤامرة!» كلما هُزمنا، وكلما انهار مشروع، وكلما خابت نبوءة.
ولا نسأل أنفسنا مرة واحدة: ما الذي فعله «العدو» ولم نفعله نحن بأنفسنا؟
من الذي أعطاه مفاتيح الوعي؟ من الذي سلّمه الإعلام والمناهج والمصطلحات؟
من الذي جعل الكذب يبدو أكثر إقناعاً من الحقيقة؟
نحن.
نحن الذين اعتدنا أن نعلّق الفشل على الخارج، ونخفي جراحنا تحت عباءة «الاستهداف». ونحن الذين نهرب من مواجهة الذات بعبارة: «هناك خطة كونية ضدنا»، وكأننا مركز الكون. ونحن الذين لا نثور على فسادنا، بل نُبرره بأنه “مرحلي” في وجه مخطط أكبر.
وحين تنهار المدن وتُشنق الفكرة، نقول ببساطة: «المؤامرة أكبر منّا». 
ولكن... من الذي جعلها أكبر؟
نعم، هناك من يتآمر.
لكن المؤامرة لا تنجح إلا حين تسبقها هزيمة داخلية نُكرّسها نحن:
بالتعليم الذي يقتل الإبداع، ويعزز من الجهل، بل يصنع الجهل المركب، وبالإعلام الذي يروّض الجماهير على التماهي مع العجز والفشل، والهروب من كل متطلبات الخروج من مربع الاستلاب، وتعزيز الشعور بالامتلاء الكاذب، وتمجيد النقائص، وتكريس الطاعة العمياء، وبالتدين المغشوش الذي يزرع العبودية للسلطان في القلوب، ويستحمر السواعد والعقول، فتصبح التقوى للقصر، لا لله في القلوب هي الزاد والمنطلق للجماهير بفعل دجل وخيانة النخبة التي تشبه الجدار: واقفة، صلبة، لكنها أعجز من العجز ذاته، وغير قادرة على قول أو فعل شيء.

أترك تعليقاً

التعليقات